نقصد بالإهمال الثقافي الرسمي، هو إهمال الحكومات المتعاقبة في العراق للجوانب التي تتعلق بالثقافة والمثقفين، من أدباء ومفكرين ولغويين وغيرهم، وكأنما هناك جفوة بين الطرفين غير واضحة الأسباب أما النتائج فهي واضحة وضوح الشمس، فلا الحكومة تراعي الثقافة، ولا الأخيرة تتقرب من الجهات الرسمية الحكومية، فتغدو العلاقة بينهما متشنجة....

نقصد بالإهمال الثقافي الرسمي، هو إهمال الحكومات المتعاقبة في العراق للجوانب التي تتعلق بالثقافة والمثقفين، من أدباء ومفكرين ولغويين وغيرهم، وكأنما هناك جفوة بين الطرفين غير واضحة الأسباب أما النتائج فهي واضحة وضوح الشمس، فلا الحكومة تراعي الثقافة، ولا الأخيرة تتقرب من الجهات الرسمية الحكومية، فتغدو العلاقة بينهما متشنجة.

عنوان المقال يتساءل عن الأسباب التي تقف وراء إهمال الحكومات للثقافة، وبعد ذلك لابد من معرفة النتائج التي تنعكس من إهمال الثقافة على الفرد والمجتمع، وفي المحصلة لابد من تقديم المقترحات التي تخفف من هذه الجفوة، وتفتح نافذة عريضة لتشبيك العلاقات بين الثقافة والحكومات، ومن ثم منح الثقة للجهات الرسمية حتى تكون هناك فرصة للاستفادة من الموارد الرسمية المادية والمعنوية لتطوير الثقافة.

بخصوص أسباب التجافي بين الثقافة والشخصيات الرسمية، في الحقيقة هناك جفاء قديم جديد ومستمر بين الطرف، وكأنه متجذر ومن غير الممكن تحجيمه أو إلغائه، فمعظم الحكام عبر التاريخ ليس لديهم علاقات ودّية مع الثقافة، لأنها تهدد عروشهم من خلال توعية الناس على الأخطاء التي تُرتكَب في حقهم، فالحكام يرغبون أن تبقى الناس في حالة جهل.

ركود المجتمعات الجاهلة

لأن الجهل ببساطة يجعل الحاكم مطمئن لشعبه، فالناس الجهلاء لا يرغبون باسترداد حقوقهم، ولا يتحركون في هذا الاتجاه، الأمر الذي يجعل الحاكم وحكومته في حالة من الاستقرار وعدم الخوف من الإزاحة، حتى لو تجاوزوا على حقوق الشعب، الشعوب الجاهلة تميل إلى الركود والسكون ولا تطالب بحقوقها، وتكون بعيدة عن الاحتجاج أو الثورة.

إذن السبب الأكثر وضوحا لإهمال الحكومات للثقافة والمثقفين، أنها (الحكومات) تريد أن تبقى مطمئنة من جانب الشعب ولا يتحرك للتغيير، وذلك من خلال أغلال الجهل والاستعباد التي تهيمن عليه، كذلك تحريك الثقافة وتنشيطها يحتاج إلى (صرفيات مالية)، وهذا ما لا يرغب به الحاكم ولا حكومته، فالأموال التي يتم صرفها على توعية الناس وتخليصهم من الجهل يمكن أن تتحول إلى جيوب المسؤولين إذا تم إهمال الثقافة.

لذلك نلاحظ غيبوبة مستمرة لحملات التثقيف في جميع الوزرات، مثلا وزارة الكهرباء لا تقدم برامج تثقفية لتوعية الناس على كيفية استخدام الطاقة الكهربائية وترشيد الاستهلاك، و وزارة الصحة لم تقدم للناس تثقيف صحي يساعد الناس ويزيد من وعيهم لمواجهة الأمراض المختلفة، فيقلل من خسائر الناس المادية لكن يأخذ من موارد الدولة، وهذا يندرج على وزارة المالية مثلا، فهي لم تسعَ لتوعية الناس ماليا في مجال الادخار وسواه.

الأمثلة أعلاه لا نجدها في جميع الوزرات العراقية، لأنها تحتاج إلى أموال، وهذه الوزارات لا تريد أن تصرف الأموال في مجالات تثقيف وتوعية الناس، كي يبقوا في حالة جهل وقلة وعي وهذا يعني سيطرة الجهل على عقول الشعب، وبقاء الحكومة في حالة من الاطمئنان والاستقرار بسبب الجهل الذي يهمين على عقول الناس.

أما فيما يتعلق بنتائج الإهمال الحكومي للثقافة والمثقفين وعموم الشعب، فإنها خطيرة حقا، ويمكن أن تتشكل منها قوة تدميرية تجعل الشعب في حالة تلف مستمر، وهذه الحالة تحيله إلى حالة خنوع وخضوع مستمر، حيث تسعى الحكومات إلى سلب الروح المتوثبة للشعب، كي تجعله في حالة خمول وكسل، فتقفل أمامه جميع أبواب ونوافذ التثقيف والتوعية والهدف كما ذكرنا سابقا واضح ومعروف.

إضاءة للمسؤول الحكومي

وهكذا مع مرور الوقت، يبقى الإهمال الحكومي قائما، وبالتالي تتضاعف أعداد الجاهلين وغير الواعين، لدرجة أن نسبة كبيرة من الشعب يمكن أن تنضم إلى فئة الناس غير العارفين بحقوقهم، ولا المدافعين أو الباحثين عنها، وهذا ما ترغب به الحكومات، لأنه يزيد من الجهل ويضاعف من حالات التخلف، فتصب النتائج في صالح الجانب الحكومي الرسمي.

هل نحن نغالي في هذا الموضوع، ونبالغ في طرحه، وهل توجد برامج توعية فكري تساعد الشعب على نشر الثقافة وزيادة الوعي بين أفراده، هناك ظاهرة تنتشر اليوم بقوة، مؤدّاها أن المسؤولين الحكوميين حين يصلون إلى مناصبهم، ينحصر تفكيرهم بكيفية الحصول على الأموال (لتكوين أنفسهم وبناء حاضرهم تأمين مستقبل أولادهم)، وإذا كنّا غير معترضين على تأمين المستقبل، فإننا نطالب بالعدل والمساواة والعمل على تأمين مستقبل العراقيين بلا تمييز ولا تفرقة بين ابن المسؤول وابن المواطن العادي.

ما هي المقترحات الممكنة؟

هناك مقترحات ممكنة التنفيذ، يمكن أن نضعها بين أيادي المعنيين لغرض الاستفادة ومنها:

-     التركيز على التثقيف الرسمي الحكومي في جميع مؤسسات الحكومة ومرافقها.

-     طرح برامج توعية وتثقيف في حملات تتبنى القيام بها وزارات الحكومة كل بحسب اختصاصها.

-     عدم التجاوز على الموارد المخصصة لتطوير الثقافة والوعي بنوعيه الفردي والجمعي.

-     سن التشريعات الضامنة لعدم إهمال التثقيف والوعي لعامة الناس من قبل الوزارات الخدمية وغيرها بما يحقق وعيا وثقافة جيدة لجميع المواطنين تخص التعامل مع ما تنتجه وتقدمه هذه الوزارات من خدمات.

-     الاهتمام التام بتطبيق التشريعات، والسعي الجاد لنشر الوعي والثقافة بين الناس.

خلاصة الأمر ما نريد أن نصل إليه، تقليص الفجوة بين الحكومات من جهة وبين عامة الشعب من جهة أخرى، وخصوصا ما يتعلق بالتثقيف والوعي، والقضاء على ظاهرة التسطيح الفكري، والتعب من أجل تثقيف وتوعية الشعب، فالنتيجة المرتقبة تصب في صالح جميع الأطراف إذا حدث التعاون الصحيح والمطلوب بين الجانب الرسمي الحكومي، وبين فئات وشرائح ومكونات وأفراد المجتمع كافة.  


اضف تعليق