يقول الله تعالى: “مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا” (الأنعام: 160). هذه الآية تضع قاعدة عجيبة في مسار الحياة الإنسانية: العمل الصالح الواحد لا يتوقف عند أثره المباشر، بل يتضاعف إلى عشرة أضعاف، وربما أكثر. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يحدث هذا التضاعف من زاوية علمية وواقعية واجتماعية؟...

يقول الله تعالى: “مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا” (الأنعام: 160). هذه الآية تضع قاعدة عجيبة في مسار الحياة الإنسانية: العمل الصالح الواحد لا يتوقف عند أثره المباشر، بل يتضاعف إلى عشرة أضعاف، وربما أكثر. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يحدث هذا التضاعف من زاوية علمية وواقعية واجتماعية؟

خذ مثالًا بسيطًا: زرع شجرة واحدة. للوهلة الأولى، يبدو أن إنجازًا محدودًا قد تحقق، لكن عند التدقيق نرى أن هذه الحسنة الواحدة تتفرع إلى عشرات الحسنات:

أولًا، الشجرة تنتج الأوكسجين الذي يتنفسه الناس.

ثانيًا، تخزّن الكربون وتخفف من حرارة الجو، فتسهم في مواجهة التغير المناخي.

ثالثًا، تظلل الأرض وتمنع التعرية، فتحافظ على خصوبة التربة.

رابعًا، تصبح مأوى للطيور والكائنات الصغيرة، فتغني التنوع البيئي.

خامسًا، إذا أثمرت، غذّت البشر وأطعمت الطيور.

سادسًا، تُدخل السرور على النفس وتُحسّن المنظر العام.

سابعًا، تُلهم الآخرين ليزرعوا مثلها، فتنتشر عدوى السلوك الإيجابي.

ثامنًا، توفّر فرص عمل في مشاريع التشجير والصيانة.

تاسعًا، تصبح رمزًا للاستدامة والوعي البيئي.

عاشرًا، تسجّل في ميزان حسنات الزارع صدقة جارية ما دامت قائمة.

هكذا تتحول الحسنة الواحدة (زرع شجرة) إلى عشر حسنات ملموسة على الأرض، فضلًا عن الثواب الأخروي.

العلم الحديث يفسر هذه الظاهرة بقانون “الأثر المتضاعف” (Multiplier Effect). في الاقتصاد مثلًا، استثمار واحد يولّد سلسلة استثمارات جديدة. وفي علم الاجتماع، يُعرف الأمر باسم “عدوى السلوك الاجتماعي”، حيث إن فعلًا إيجابيًا صغيرًا قد ينتشر بين الأفراد فيتحول إلى ثقافة عامة. وفي علم النفس العصبي، السلوك الصالح ينشّط مناطق المكافأة في الدماغ، فيزيد ميل الإنسان لتكرار الفعل الصالح.

من زاوية علم الاجتماع الحضاري، الحسنة الواحدة لا تبقى في حدودها الفردية، بل تدخل في شبكة المجتمع وقوانينه التفاعلية، فتتكاثر مثل الموجات الدائرية على سطح الماء حين نلقي حجرًا صغيرًا.

وفي سياق الدولة الحضارية الحديثة، يمكننا أن نقرأ الآية الكريمة بوصفها قاعدة تنموية: كل عمل حضاري – فردي أو جماعي – يُسهم في خدمة عناصر المركّب الحضاري الخمسة (الإنسان، الأرض، الزمن، العلم، والعمل)، فإن مردوده يتضاعف أضعافًا كثيرة. زرع شجرة لا يخصّ الأرض وحدها، بل يشمل العلم (الوعي البيئي)، والزمن (الاستدامة)، والإنسان (التثقيف والسلوك)، والعمل (المبادرة).

إذن، ليست مضاعفة الحسنة مجرّد وعد أخروي فحسب، بل هي قانون واقعي يعمل في الطبيعة والمجتمع والإنسان. والآية القرآنية تكشف عن هذه الحقيقة بلغة إيمانية بليغة: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها.

اضف تعليق