أَن يتَّخذَ كُلَّ واحدٍ فرداً فرداً قراراً تدعمهُ عزيمةٌ وإِصرارٌ وإِرادةٌ حُسينيَّةٌ باستصحابِ الإِيجابي إِلى العامِ القادمِ والسَّلبي للإِقلاعِ عنهُ وتركهِ وتجنُّبهِ إِلى العامِ القادمِ. أَقولُ ذلكَ لأَنَّهُ سيتحوَّلُ خلالَ العامِ إِلى جُزءٍ من شخصيَّةِ المرءِ إِذا كانَ إِيجابيّاً وسيغيبُ عن شخصيَّتهِ وينمحي أَثرهُ إِذا كانَ سلبيّاً...
کیفَ یُمكنُ شرحَ نتائجِ وآثار مسيرةِ أَربعِين الإِمام الحُسين(ع)؟
لعلَّها من الظَّواهرِ العالميَّةِ النَّادرةِ التي تتحدَّث عن نفسِها بنفسِها وتشرحُ أَهدافَها مِن تلقاءِ نفسِها.
إِنَّها الظَّاهرةُ التي تدعُ الفِعلُ والإِنجازُ يتحدَّثُ عنها بدلاً من الكلامِ!.
نُلاحظُ ذلكَ فيما يقولهُ ويكتبهُ العالَم، بكُلِّ خلفيَّاتهِ وتوجُّهاتهِ، عَنها.
فقِيَمٌ مثلَ التَّعامُلِ الإِنساني والإِيثار والتَّعاون والتَّمكينِ والصَّبرِ والتحمُّلِ والتَّواضُعِ والشَّراكةِ الأَخويَّةِ على طولِ مُدَّةِ المسيرِ والمكُوثِ في كربلاء وصفاء الرُّوحِ والسَّريرةِ وطهارةِ النَّوايا، كُلُّها قِيَمٌ ومناقبيَّاتٌ تُحدِّثُ العالَمَ عن نفسِها بنفسِها.
كيفَ تقيِّمُونَ دَور مسيرةِ الأَربعِين المليونيَّة في نشرِ الخطابِ المهدَوي وعَولمةِ الثَّقافةِ المَهدويَّةِ؟
لا أَشكُّ قَيدَ أَنمُلةٍ في أَنَّها التي يُشاهدُها ويُتابعُها العالَم في الإِتِّجاهاتِ الأَربعةِ، هيَ البابُ الواسِعُ الذي تدخلُ مِنهُ البشريَّةُ للحَقيقةِ المهدَويَّةِ، فكُلُّ مَن ينظرُ إِلى هَيبةِ المسيرةِ وعظمتِها يقفِزُ إِلى ذهنهِ وبِلا استئذانٍ السُّؤَال التَّالي؛ لِماذا؟!.
لماذا كُلُّ هذا؟! ولِماذا الآن؟! وإِلى أَين؟! ولِماذا في العِراقِ؟! وتحديداً في كَربلاء؟!.
هذهِ الأَسئِلةُ وأَخواتَها تقُودُ السَّائلُ بِلا شكٍّ إِلى نتيجةٍ واحدةٍ من خلالِ طريقٍ واحدٍ يسلُكهُ، أَلا وهوَ طريقُ الحُسينِ الشَّهيدِ (ع) وصُولاً إِلى حفيدهِ [عج] المُجسِّدِ لفِكرةِ [المُخلِّصِ] التي يُؤمِنُ بها كُلُّ النَّاسِ بتنوُّعِ عقائدهِم وخلفيَّاتهِم بالإِعتمادِ على نصِّ الآيةِ الكريمةِ {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} وما يُعادِلُها في نصُوصهِم المُقدَّسةِ.
هل يمكنُ لزيارةِ الأَربعين الحُسيني أَن يكونَ لها تأثيرٌ إِجتماعيٌّ إِيجابيٌّ على مُستوى المُجتمعِ بالإِضافةِ إِلى تأثيرها الرُّوحي والدِّيني؟!.
في فترةِ الزِّيارةِ يُمارِسُ ويتعلَّمُ الزَّائرُ الكثيرَ مِن القِيمِ والسلوكيَّاتِ والمُمارساتِ والأَخلاقيَّاتِ الإِيجابيَّةِ العظيمَةِ.
وفي نفسِ الوقتِ ينتبِهَ إِلى ويتجنَّب سلوكيَّاتٍ ومُمارساتٍ خاطِئةٍ ضارَّةٍ وسلبيَّةٍ قد يكونُ يُمارسَها في حياتهِ اليوميَّةِ بوعيٍ أَو بِلا وعيٍ.
والشِّكلانِ من الإِيجابي والسَّلبي على المُستويَينِ الإِجتماعي والفَردي.
من المُهمِّ جدّاً أَن يتَّخذَ كُلَّ واحدٍ فرداً فرداً قراراً تدعمهُ عزيمةٌ وإِصرارٌ وإِرادةٌ حُسينيَّةٌ باستصحابِ الإِيجابي إِلى العامِ القادمِ والسَّلبي للإِقلاعِ عنهُ وتركهِ وتجنُّبهِ إِلى العامِ القادمِ.
أَقولُ ذلكَ لأَنَّهُ سيتحوَّلُ خلالَ العامِ إِلى جُزءٍ من شخصيَّةِ المرءِ إِذا كانَ إِيجابيّاً وسيغيبُ عن شخصيَّتهِ وينمحي أَثرهُ إِذا كانَ سلبيّاً.
وبذلكَ سيكونُ الإِنسانُ الذي شاركَ في المسيرَةِ مُعلِّمَ نفسهِ بنفسهِ ومُزكُّي روحهِ وسلوكهِ بنفسهِ مُتعلِّماً من المَسيرةِ وقِيمِها وهَيبتِها، وصدقَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) الذي يَقُولُ {إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ}.
ما هيَ أَهميَّة إِحياء مراسِيم الأَربعين الحُسيني في الحفاظِ على قِيَمِ ورسائلِ النَّهضةِ الحُسينيَّةِ؟
كُلُّنا نعرفُ جيِّداً أَنَّ لكُلِّ ظاهِرةٍ إِجتماعيَّةٍ تحديداً في هذا العالَم بُعدانِ؛ نظرِيٌّ وعملِيٌّ، مِن جانبٍ، وفِكريٌّ وعاطِفيٌّ، من جانبٍ آخر، ولا تشذُّ الأَربعين الحُسيني عن هذهِ القاعدَةِ العقليَّةِ والمَنطقيَّةِ.
تأسيساً على هذا الثَّابتِ أَقولُ؛ أَنَّك لا يُمكنكَ أَن تستوعِبَ البُعدَ الفِكري والعقَدي والثَّقافي للظَّاهِرةِ مُجرَّداً عن العَواطفِ والمشاعرِ والإِحساسِ الرُّوحي، كما لا يُمكِنكَ أَن تستوعِبَ النَّظريات التي استنطقَها المُفكِّرونَ والفَلاسِفة والأُدباء من الظَّاهرةِ كُلَّ هذا الزَّمنِ المُمتدِّ من عاشُوراء عام ٦١ للهجرةِ مِن دونِ أَن تحضرَها أَو على الأَقلِّ تُتابعَها.
ولفَهمِ ما أُريدُ قَولهُ يُمكنكَ أَن تستحضِرَ ظاهِرةَ الحجِّ، فالظَّاهِرتانِ [الحجُّ] و[الأَربعُونَ] مُنسجِمتانِ بشكلٍ كبيرٍ وعميقٍ جدّاً وإِن اختلفَت الشَّعائر في شَكلِها إِلَّا أَنَّ الجَوهرَ والهدفَ والمضمُون واحدٌ والرِّسالةَ واحدةٌ.
من جانبٍ آخر فإِنَّهُ في شهرَي مُحرَّم الحرام وصفَر المُظفَّر، كما نعِرفُ، عددٌ من الأَيَّامِ التي تختصُّ فيها الشَّعائرِ الحُسينيَّةِ، ولكُلِّ معنىً وهيَ تتكاملُ بمجمُوعِها وكُلُّها تنتهي إِلى نورٍ واحدٍ يرقُدُ في كربلاء.
هل يُمكِنُ القَولَ إِنَّ مسيرةَ الأَربعين هيَ ظاهِرةٌ لبناءِ الحَضارةِ الإِسلاميَّةِ الحديثةِ؟! وما هيَ أَهمِّ مُقوِّماتِ الحضارةِ لهذهِ الشَّعيرةِ؟!.
إِذا أَردنا أَن تكونَ كذلكَ فيلزمَنا أَن نُقدِّمَ النُّموذجِ الحضاري المُؤَسَّس على [الأَربعين] للبشريَّةِ وعلى مُختلفِ المُستوياتِ، فلا يكفي أَن نحصِرَ حضاريَّة [الأَربعِين] بأَيَّامٍ معدُوداتٍ ثُمَّ يعُودُ كُلَّ شيءٍ إِلى حالتهِ السَّابقةِ!.
فالحضارةُ بِناءٌ مُستمِرٌ ومُتكامِلٌ ذو دَيمومةٍ، وهيَ كما وصفَها أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) في عهدهِ للأَشترِ لمَّا ولَّاهُ مِصر تقُومُ على [٤] ركائِز هيَ {جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وجِهَادَ عَدُوِّهَا واسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وعِمَارَةَ بِلَادِهَا}.
إِنَّها إِقتصادٌ ناجِحٌ يقضي على البطالةِ والعَوَزِ ويُهيِّئ كُلَّ أَسبابَ الحياةِ الكريمةِ، بالعدلِ والإِحسانِ، وأَمنٌ مُجتمعِيٌّ يشعرُ فيهِ المُواطن بالإِستقرارِ فلا يخافُ أَو يقلَقُ على شيءٍ [دمهُ وعِرضهُ ومالهُ] وأَنَّ حقوقَهُ محفُوظةٌ لا يسطُو أَو يتجاوزُ عليها أَحدٌ، فالقانونُ فيها فَوقَ الجميعُ لا يفلِتُ منهُ [مُتنفِّذٌ] ودَولةٌ مُنتِجةٌ غَير رَيعيَّةٍ ولا مُستهلِكةٍ يجدُ فيها المُواطنُ حاجتهُ وكِفايتهُ منَ المأكلِ والملبَسِ والمَركبِ، لا يكونُ عالةً على الآخرينَ ويجدُ فُرصتهُ في العملِ دائِماً، وإِذا عجزَ عن ذلكَ فسيجِدُ في الدَّولةِ حُضناً دافِئاً تحميهِ ولا ترميهِ على قارِعةِ الطَّريقِ متسوِّلاً، وإِعمارٌ مُستمِرٌ وعلى مُختلفِ المُستوياتِ؛ التَّعليمُ بوجُودِ المُؤَسَّساتِ التعليميَّةِ لكُلِّ المراحلِ العُمريَّةِ، والبحثيَّةِ للمراحلِ المُتقدِّمةِ، والصحَّةُ بوجُودِ مُؤَسَّساتٍ صحيَّةٍ رصينةٍ يُديرُها ويعملُ بِها أَخصَّائيُّونَ في مُختلفِ المجالاتِ الطبيَّةِ، وطُرُقٌ وجسُورٌ وأَرصِفةٌ ونِظامُ مرُورٍ بِلا فَوضى يطمئِنُّ لها المُواطن على حياتهِ إِذا سارَ بها مع عائلتهِ، وخدماتٌ حياتيَّةٌ كالماءِ الصَّالحِ للشِّربِ والكهرباء، وبيئةٌ خضراء غَير مُلوَّثة ومُدنٌ يتمُّ بنائِها بهندسةٍ ونظامٍ بعيداً عن كُلِّ نَوعٍ من أَنواعِ الفَوضى، وأَراضي زراعيَّة لم تترك منها الدَّولة شِبراً لتتحوَّل إِلى أَرضِ بورٍ ميِّتةً، ونظامُ سقيٍ عصريٍّ تدعمهُ أَحدث طُرُق التَّكنلُوجيا في الزِّراعةِ وحمايةِ الإِنتاجِ، وثروةٍ حيوانيَّةٍ وسمكيَّةٍ تمتدُّ على طُولِ الأَنهُرِ والمراعي الخَضراء، وغيرِ ذلكَ.
كلُّ هذا يُشكِّلُ مظاهرَ الحضارةِ، إِلى جانبِ العقيدةِ والفكرِ السَّليم الذي يصنعُ مُجتمعاً صالِحاً وطاهراً ومُنسجِماً ومُتماسِكاً ومُتكاملاً علامتهُ التَّكافُل الإِجتماعي والتَّمكينِ، فكيفَ نُحقِّقها بالمَسيرةِ التي تحمِلُ في طيَّاتِها الكثيرُ من قِيَمِ الحَضارةِ؟!.
ما هي رِسالة النَّهضة الحُسينيَّة للعالَمِ الجديدِ؟
الحُسينُ السِّبط (ع) رسالةٌ عالميَّةٌ بمعنى أَنَّ قِيَمهُ خالِدةٌ تصلُحُ لكُلِّ زمانٍ ومكانٍ، وهي تتمَحورُ دائماً حولَ ثلاثةِ مبادئ أَساسيَّة؛
الحُريَّةُ، الكَرامةُ، حُريَّةُ الإِختيارِ والتَّعبيرِ.
ولا أَراني أَختلِفُ اليَوم معَ أَحدٍ في أَنَّ البشريَّة تُعاني من ثلاثةِ أَمراضٍ خطيرةٍ هي عكسُ هذهِ المبادئ الثَّلاثة، وهي التي حوَّلتها إِلى قطيعٍ يمشي خلفَ حفنةٍ من الزَّعاماتِ الفاسِدةِ بكُلِّ معنى الكلمةِ، أَلا وهيَ؛
العُبوديَّة والذُّل وفَرض الخَيارات والإِرادات، ولذلكَ فهيَ بأَحوجِ ما تكونُ الآن إِلى رسالةِ عاشُوراء لتتحرَّر من عبُوديَّة السُّلطة والمال والشَّهوة لتعيشَ بكرامةٍ تتمتَّع بخياراتِها وبحريَّة الإِختيار مِن دونِ إِكراهٍ أَو ضغطِ الغشِّ والتَّضليلِ الذي تُمارسهُ الدَّعاية والإِعلام الذي يتحكَّم بمَساراتِ النَّاسِ وخياراتهِم العقديَّة والسياسيَّة والإِجتماعيَّة والأَخلاقيَّة نُزولاً عند خياراتهِم في المأكلِ والملبسِ وتنظِيمِ الشِّكلِ والهِندامِ وقصِّ الشَّعرِ وترتيبِ الذِّقنِ!.
اضف تعليق