في السنوات القادمة، وحسب المؤشرات، تستقطب كربلاء أعداداً أكبر من مختلف أنحاء العالم، مما يجعل من أربعينية الإمام الحسين مناسبة عالمية للتلاقح الثقافي والديني، وفرصة لتعزيز الحوار بين الشعوب، إذ تتجلى في هذه الزيارة الأبعاد الإنسانية والاقتصادية والإعلامية التي تعزز من مكانة العراق والمدينة خصوصاً على الساحة العالمية...
تجذب مدينة كربلاء المقدسة سنوياً نحو 100 مليون زائر، وفي أبرز حدث تشهده المدينة، زيارة أربعينية الإمام الحسين، التي يتراوح عدد زائريها خلال أقل من أسبوعين نحو 20 مليون زائر وربما أكثر، وبرغم صعوبة الإحصاءات، إلا أن هذه الأرقام عادةً ما يتم الكشف عنها رسمياً.
مع تدفق هذا العدد الكبير من الزوار الذين يحملون جنسيات وثقافات مختلفة، يتحول هذا الحدث إلى منصة تتجلى فيها أبعاد دينية وإنسانية، ومن خلال المشاركة وفتح قنوات التواصل والتعاون جعل المدينة يوما بعد آخر تتحول إلى نقطة جذب عالمية، وجعل من كربلاء مسرحا يعبر فيه الجميع عن مشاعرهم، ومن خلال تبادل الأفكار والتجارب قد يساهم ذلك مستقبلا في تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، مما يؤدي إلى كسر الحواجز وتقريب المسافات بين الشعوب، لتكون الإنسانية عاملاً مشتركاً قبل كل شيء.
تظهر هذه التأثيرات في جوانب متعددة، منها انتشار اللغة والثقافة العراقية بين الزوار، والتعرف على العادات والتقاليد المحلية، مما يثري الثقافة بشكل عام، حيث لا تقتصر زيارة الأربعين على البعد الديني فقط، بل تمتد لتشمل تأثيرات عميقة، فالتفاعل بين المشاركين يعزز من روح التعايش والتفاهم، ويتيح للمجتمع المحلي في كربلاء فرصة للاستفادة من هذا التنوع الثقافي.
تقول آن صوفي ريديش في موقع إلهام السفر حول العالم: "كانت الساعة بعد الظهر ونحن نقود السيارة إلى كربلاء، شعرت على الفور وكأنني في عالم مختلف، وكأنني دخلت عصراً آخر، وإن كربلاء والنجف تحملان أهمية كبيرة بالنسبة للتراث الثقافي العراقي؛ فكلاهما مدينتان غارقتان في التاريخ والروحانية."
وتساءلت صوفي: "أشعر بفضول غريب إزاء حاجة الناس إلى العبادة، من أين تأتي هذه الحاجة؟ ما الذي يحركها؟ نعم، هذا الجزء من الرحلة يتحدى نظرتي للعالم." وترى "إن الاحتفال بذكرى الأربعين يتم من خلال الحزن وأعمال الخير، وبالنسبة للكثيرين، فإن الاحتفال بهذه الذكرى يتم على مسافة كيلومترات سيرا على الأقدام، ويسافر الملايين من الزائرين من جميع أنحاء العالم للاحتفال بهذه الذكرى، لذا عندما ندخل أنا وإيلين وميليسا ولينا من مدخل النساء في هذه الليلة اللطيفة من شهر سبتمبر، ننضم إلى ما يبدو وكأنه آلاف آخرين."
الأبعاد الدولية
مشاركة الناس من عشرات الدول إلى كربلاء في هذه المناسبة تحمل أبعاداً مهمة، حيث يتجمع الزوار من مختلف أنحاء العالم ليعبروا عن تعاطفهم مع قضية الإمام الحسين وقيمه الإنسانية، تأتي هذه الزيارات لتعزز من الشعور بالتضامن بين الناس، وتتيح لهم فرصة للتعرف على معاناة الآخرين وتبادل القصص والتجارب التي توحدهم في إنسانيتهم المشتركة.
تلعب المؤسسات الدينية والثقافية أيضاً دوراً مهماً في تنظيم الفعاليات على مدار العام، بهدف تبادل الأفكار والتجارب، هذه الفعاليات تعزز من الحوار بين الأديان، حيث يمكن للزوار غير المسلمين أن يتعرفوا على الإسلام وعلى الفكر الشيعي بشكل أعمق، ويتعلموا عن القيم الإنسانية التي يجسدها الإمام الحسين ومعركته الخالدة.
وجاء في خبر لموقع إيزي ديبلوماسي، وهو موقع متخصص بالعمل الدبلوماسي الدولي ويهتم بشؤون الحوار: "يشكل تدفق الزوار من الخارج إلى كربلاء خلال الأربعينية دفعة اقتصادية كبيرة للمدينة والمناطق المحيطة بها، يتجلى هذا التأثير من خلال الإنفاق على الخدمات والمنتجات المحلية، مما يسهم في دعم الاقتصاد المحلي ويخلق فرص عمل جديدة، حيث تنشط الأسواق المحلية وتزداد الحركة التجارية بشكل ملحوظ، مما يفتح آفاقاً جديدة للاستثمار والتعاون الاقتصادي بين كربلاء والدول الأخرى."
وجاء في الخبر: "يمكن أن تشكل الزيارة الدولية فرصة للترويج للمنتجات الحرفية والفنية المحلية على نطاق أوسع، مما يعزز من الاقتصاد الثقافي ويساهم في الحفاظ على التراث الثقافي للمنطقة."
هذا الزخم أعطى المدينة اهتماماً من وسائل الإعلام الدولية والمحلية، مما يعكس أهميتها على الساحة العالمية، وتسهم التغطية الإعلامية في تعريف العالم أكثر عن كربلاء وقضية الإمام الحسين، إذ يساهم الإعلام الدولي في زيادة الوعي العالمي بأهمية هذه الزيارة وكذلك المدينة. لذا، تعد التغطية الإعلامية فرصة لتعزيز الحوار بين الثقافات، حيث يمكن للإعلام أن يكون جسراً للتواصل بين الشعوب وتبادل الأفكار والمفاهيم.
التحديات التنظيمية
لكن كربلاء حالها كحال بقية المدن الدينية تواجه تحديات في استضافة الملايين من الزائرين، بدءاً من توفير السكن، وتسهيل حركة التنقل، وتقديم الخدمات الطبية، وكذلك ما يتعلق بالمأكل والمشرب، خصوصاً خلال فترة الصيف الحار، من جانبها، تسعى المؤسسات الدينية والسلطات المركزية والمحلية والمؤسسات الثقافية والمنظمات، ولا شك أن للأهالي دوراً كبيراً في تقديم الخدمات والتعامل مع هذه التحديات من خلال تطبيق حلول مبتكرة من خلال توسيع البنية التحتية، وتطوير شبكات النقل، وتحسين الخدمات العامة، وهناك خطوات تنمو تدريجيا من أجل استخدام التكنولوجيا الحديثة لتسهيل عملية تنظيم الحشود المليونية وتقديم الخدمات للزوار بشكل ربما فريد من نوعه، وساهمت هذه الجهود الجبارة في ضمان استمرارية هذا الحدث الكبير بسلاسة ونجاح.
في السنوات القادمة، وحسب المؤشرات، تستقطب كربلاء أعداداً أكبر من مختلف أنحاء العالم، مما يجعل من أربعينية الإمام الحسين مناسبة عالمية للتلاقح الثقافي والديني، وفرصة لتعزيز الحوار بين الشعوب، إذ تتجلى في هذه الزيارة الأبعاد الإنسانية والاقتصادية والإعلامية التي تعزز من مكانة العراق والمدينة خصوصاً على الساحة العالمية، وتساهم في نشر القيم الانسانية التي جسدها الإمام الحسين على نطاق أوسع.
اضف تعليق