q
الإصرار على إحياء الأربعين الحسيني يثبت بالدليل القاطع، تمسك العراقيين بنهضة الإمام الحسين (ع)، وسيرهم على نهجه العظيم، وإيمانهم بأن الفكر الحسيني ومبادئه وأخلاقياته وأدبياته وقيمه هي سبيلهم إلى بناء المجتمع المنشود والدولة الحامية للحريات، والإصرار على قطع الطريق أمام العودة إلى الدكتاتورية، وتحجيم محاولات حقيرة تسعى لإعادة العراق إلى دائرة القمع...

درس جديد يسطره العراقيون على طريق النهضة الحسينية، فقد اكتظت بهم شوارع وأزقة وساحات مدينة كربلاء المقدسة، فيما اصطفت إلى جانب بعضها آلاف المواكب المتنوعة وهي تقدم الخدمات المختلفة للزوار الكرام، وقد لوحظ تزايد الأعداد المتوجهة إلى الضريح المقدس، ولك تظهر فوارق واضحة بين زيارة الأربعين لهذه السنة والسنوات الماضية.

وقد كان بعض مرضى القلوب يشككون في نسبة النجاح في إحياء مراسيم زيارة الأربعين للعام الحالية بسبب الظروف الصحية الصعبة التي تجتاح العالم كله، إلا أن المتابع لحيثيات وتفاصيل هذه الشعيرة المقدسة، لاحظ الزخم الكبير للزوار المتوجهين إلى كربلاء المقدسة، ولاحظ أيضا اكتظاظ المدينة بزوارها الكريم، كما لاحظ مضاعفة الخدمات من طعام وشراب ومنام المقدَّمة للزائرين الكرام.

هذا الإصرار على إحياء الأربعين الحسيني يثبت بالدليل القاطع، تمسك العراقيين بنهضة الإمام الحسين (ع)، وسيرهم على نهجه العظيم، وإيمانهم بأن الفكر الحسيني ومبادئه وأخلاقياته وأدبياته وقيمه هي سبيلهم إلى بناء المجتمع المنشود والدولة الحامية للحريات، والإصرار على قطع الطريق أمام العودة إلى الدكتاتورية، وتحجيم محاولات حقيرة تسعى لإعادة العراق إلى دائرة القمع.

الالتزام بمبادئ النهضة الحسينية

لقد آمن العراقيون بالنهضة الحسينية، واستوعبوا مضامينها التكافلية التقدمية، وها هم يسيرون في الخط الحسيني متطلعين إلى دولة العدالة الاجتماعية الخالية من الظلم والقمع والحرمان، وهذا هو الهدف الأعظم لنهضة الإمام الحسين عليه السلام، وهكذا أحيى الملايين بقلوب ملؤها الإيمان هذه الشعيرة مؤكدين العزم على مواصلة طريق النهضة الحسينية حتى بلوغ الهدف المُرام.

ومن العلامات البارزة في هذه السنة تلك التغطية الإعلامية الباهرة لوقائع زيارة الأربعين وللمشاهد التكافلية والأعمال التطوعية، لاسيما تلك التي تصدى لها الشباب، بل حتى صغار العمر، وهي ظاهرة متطورة تغرس في نفوس العراقيين خصال حميدة في المقدمة منها تنمية روح التعاون والتآلف العميق فيما بينهم.

وهكذا لوحظت سيارات ومواقع البث المباشر تنتشر في شوارع المدينة المقدسة، ولعلنا عشنا تفاصيل هذه الزيارة المباركة ميدانيا من هذه الوسائل الإعلامية كالفضائيات الكريمة التي أسهمت بدورها الكبير في نقل وقائع هذه الزيارة المباركة على مدى أسابيع متتالية، حيث وصلت الوقائع الجليلة إلى أقصى بلدان ومناطق العالم وهم يرون كيف تحولت الشوارع والساحات لمدن العراق من أقصاه إلى أقصاه إلى كتل من الأجساد المتراصة الزاحفة إلى حضرة الإمام الحسين (ع) كي تجدد العهد لسيد الأحرار عليه السلام في مواصلة نهضته والتمسك بها.

ومما لوحظ في زيارة الأربعين لهذه السنة مضاعفة الجهود في إطار الخدمات المختلفة التي قُدِّمت للزوار الكرام، فإزاء هذه الملايين التي تدفقت على ارض كربلاء الطاهرة على مدى الأسابيع الماضية، لم يكن أمام المؤمنين الأفاضل سواء من أهالي كربلاء المقدسة أو مدن العراق الأخرى سوى أن يقدموا أقصى ما يمكنهم من خدمات كثيرة ومتنوعة لجميع الزوار الكرام بمختلف أعمارهم، حيث الطفل والمرأة والشيخ وذوي الحاجات الخاصة جميعا، وجدوا ما يحتاجونه من مأكل ومنام وأماكن راحة وماء وما إلى ذلك، مشفوعا بأرق الكلمات وأخشع القلوب وأصفى النفوس، وهذا ما يجعل النهضة الحسينية حاضرة في تفكير وسلوك الجميع لاسيما في هذا الظرف العصيب الذي يسعى العالم لاجتيازه.

تنمية روحية العمل التطوعي لدى الشباب

ومما لاشك فيه أن من يمّم وجهه إلى كربلاء المقدسة، وسعى لإحياء الأربعين الحسيني، قد عاش أجواء الترحيب والحفاوة والتكريم، حيث الخدمات تقدم على قدم وساق وعلى مدار الساعة ومع ذلك كان الجميع يشعر بأفضال الزوار عليهم بل ويلمسون بركاتهم المستمدة من بركات الحسين (ع) لمس اليد، وهو ما اعتاد عليه العراقيون في إحياء شعيرة الأربعين التي لم تختلف هذا العام عن الأعوام الأخرى، بل تميزت بكثرة الحشود المتوجهة للمرقد الشريف، وبحسن التنظيم في الحركة الانسيابية، مما يدل على أن العراقيين أخذوا يتطورون ويتعلمون تنظيم حياتهم بصورة أفضل.

وازدهرت في هذا المحفل الحسيني المتجدد روح التآخي بين الزوار الذين احتضنتهم كربلاء المقدسة، وأكثر ما يُبهج النفس ويُفرح القلب تلك المشاهد التي تفوق الخيال ممثلة بالمحبة القصوى والتعاون العفوي الخالص بين الجميع، وكأن الإسلام بتعاليمه الخالدة تجسد بوضوح وروعة في هذه المشاهد التي أظهرت المعدن الأصيل للمسلمين، وهم يتعاونون ويتقاربون ويتكافلون ويتعاضدون فيما بينهم، مهتدين ومقتدين في ذلك بمضامين النهضة الحسينية التي ركز كثيرا على نشر روح التآلف والوئام بين المسلمين.

هكذا يمكننا أن نقول بأن زيارة الأربعين لهذه السنة لم تختلف عن السنوات الماضية على الرغم من الظلال الثقيلة التي ألقت بها جائحة كورونا على الناس، فقد كانت حملات التعفير مستمرة، وكانت النظافة والالتزام بها من قبل الجميع أمرا مفروغا منه، فيما لاحظ المتابعون السيطرة على النفايات والمخلفات بشكل تام نتيجة للوعي الذي تحلى به الزوار الكريم والتزامهم برمي المخلفات في الأماكن المخصصة لها، مؤكدين بذلك وعيا متميزا هو حصيلة متوقعة لانتهاج ثوابت النهضة الحسينية المتصاعدة.

الخلاصة التي يمكن ملاحظتها في زيارة الأربعين لهذا العام، تتجسد في عدة نقاط، في المقدمة منها أن غياب زوار الخارج أو قلة أعدادهم تم ملؤه من قبل الزوار العراقيين، وأن الحشود التي تعاقبت على كربلاء المقدسة أكدت تمسكا ثابتا ومستداما بمبادئ النهضة الحسينية ونصرة الإمام الحسين والمضيّ قُدُما في مساره الرافض لتكبيل الناس بأغلال القمع والتكميم والظلم، مع زيادة منسوب الوعي لدى الجميع مما جعل من هذه الشعيرة حافزا للتطور والتقدم والالتزام.

اضف تعليق