ظاهرة إنسانية كبيرة حوت كل القيم والمعاني والدروس التي يمكن ان ترتقي بالبشرية الى اهداف اعلى من الأهداف المادية او المصالح الانية البسيطة، ولان الامام الحسين بن علي اعطى كل ما يملك من اجل نصرة الحق وطلب الإصلاح ورفض الذل والعبودية والتحرر من قيود الظالمين...

قله هي المواقف والأيام والاحداث التي استطاعت تغيير مسارات التأريخ الخاطئة واعادتها نحو جادة الصواب والفضيلة والخير والصلاح، واستطاعت من خلال عطائها وقيمها تحرير الانسان من القيود والخضوع والخنوع، لان الاستبداد والظلم والعبودية والانانية هو السائد والمسيطر على اغلب المجتمعات على مر مفاصل التاريخ، قديماً وحديثاً، الا مع وجود هذه الاستثناءات القليلة التي شكلت فرصة حقيقية للتغيير، كما حاول من قبل الأنبياء والرسل والمصلحين، وكما سعى في سبيل ذلك الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) في نهضته الخالدة التي ما زال صداها واثارها لا تعترف بقيود الأزمنة والامكنة لأنها ببساطة سكنت في قلوب المحبين وعقول الاحرار.

ان الأمم تفتخر بتاريخها ورجالها وقيمها ونهضتها ورصيدها المعرفي والإنساني، وقد اختزل الامام الحسين (عليه السلام) كل هذا في نهضته الخالدة التي جسدت معسكر الإنسانية والإصلاح والتحرر ضد معسكر الشيطان والتخلف والعبودية، لذلك فإن مناهل يوم عاشوراء معين لا ينضب لمن اراد ان يرتوي من هذه المدرسة الحسينية في مواسمها الثلاث كما يعبر عنها الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله):

- موسم العطاء الرباني

- موسم الفضيلة والتقوى والأخلاق

- موسم العلم والمعرفة، ورمز لانتصار مبادئ الحق على جيوش الضلال

وقد استحقت ذلك عن جدارة، لأنها ظاهرة إنسانية كبيرة حوت كل القيم والمعاني والدروس التي يمكن ان ترتقي بالبشرية الى اهداف اعلى من الأهداف المادية او المصالح الانية البسيطة، ولان الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) اعطى كل ما يملك من اجل نصرة الحق وطلب الإصلاح ورفض الذل والعبودية والتحرر من قيود الظالمين، فان الله (عز وجل) جعل من نهضة الامام الحسين (عليه السلام) درساً وعبرة لكل التواقين الى السير على طريق الحق والوقوف بوجه الباطل، وبهذا صرح الكثير من الزعماء والمصلحين والفلاسفة والادباء وغيرهم، ولعل الأشهر منهم ما قاله زعيم الهند غاندي حين قال: "لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين"، وعبر عنه ايضاً الأديب الإيرلندي المعروف "جورج برنارد شو" بالقول: "ما من رجل متنور إلا وعليه الوقوف وقفة إجلال واحترام لذلك الزعيم الفذ حفيد الإسلام، الذي وقف تلك الوقفة الشامخة امام حفنة من الأقزام الذين روعوا واضطهدوا أبناء شعوبهم".

ولان الامام الحسين (عليه السلام) عبّد طريق الحق بدمه ودماء اهل بيته واصحابه، فقد أصبح القدوة والمثل الأعلى للثائرين ضد الظلم والاستبداد، بينما أصبحت ذكرى عاشوراء خطراً يهدد مستقبل وعروش الاستبداد والفساد والظلم عبر التاريخ: "إن الحكومات الظالمة ترى في إقامة الشعائر الحسينية خطراً يهدد عروشها ويندد بكيانها، ولذلك لم تجد سبيلاً سوى الممانعة من إقامة هذه الشعائر المقدسة ومحاربتها بكل ما تستطيع من حول وطول، وبكل أساليب الخداع والمكر والاستهزاء والتهمة"، فقد: "كانت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وستبقى نبراساً لسائر النهضات التحررية في العالم ضد الظالمين، فقد كانت وستبقى النهوض الإنساني العظيم الذي هز عرش الطغاة المستبدين، كما وإن واقعة كربلاء قد مهدت الطريق أمام الثورات الأخرى وهيأت الأسباب لقلع جذور دولة بني أمية وبني العباس وغيرهم، ودفعت المجاهدين للدفاع عن المقدسات الإسلامية، وعلمتهم النضال ضد الحكام المستبدين والاستقامة في مجاهدتهم حتى يعيشوا في ظل جهادهم الحياة الحرة الكريمة، ويمكن الوقوف على هذه الحقائق من خلال مراجعة التاريخ".

لذلك فان من اهم الضروريات كما يؤكد عليها السيد الشيرازي (رحمه الله) هو: "توسيع دائرة الاستفادة من محرم الحرام ومعنوياته الهائلة ومبادئه النبيلة وأهدافه السامية لخدمة الإنسانية ولتحقيق السلام والرفاه في العالم"، فلقد كان: "استشهاد الإمام أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) من أجل إحياء الحرية التي ماتت على أيدي بني أمية"، الحرية التي يتوق اليها الملايين من البشر والكثير من المجتمعات التي ترزح تحت الظلم والاستبداد والقوانين والأنظمة التي تسلب كرامة الانسان وحياته، وقد حث الشيرازي (رحمه الله) قبل عقود من الزمن من الاستفادة القصوى من جميع وسائل التكنولوجيا الحديثة لتعميم قضية الامام الحسين (عليه السلام) ومما قاله في سبيل ذلك: "ينبغي تعميم الشعائر الحسينية في كل العالم، وعبر كل وسائل البث المتطورة، والإعلام الجديد والحديث، فإن لقضية سيد الشهداء الإمام الحسين ‹عليه السلام› والشعائر الحسينية فاعلية في النفوس، وتأثيرها على الأرواح والقلوب، وقدرتها الهائلة على استعطاف الناس واستهواء الجماهير".

كما ان نهضة الامام الحسين (عليه السلام) لها الخصوصية البالغة على مستوى العالم الإسلامي، لأنه استهدف: "من نهضته الإصلاحية المباركة إحياء الدين الإسلامي، ذلك لأن الدين الإسلامي تعرض للخطر، وكاد أن يندرس ويعفى أثره، نتيجة الخطط الشيطانية التي كان يخططها بنو أمية لإعادة الجاهلية ومحو الإسلام، وقد قام الإمام الحسين (عليه السلام) بإرواء شجر الدين بدمه المبارك وبتبديد أهداف بني أمية"، ولم يقتصر الامر عند هذا الحد بل: "إن سيد الشهداء الإمام الحسين (سلام الله عليه) عبر نهضته المباركة دل الأجيال على الطريق، وأوضح عن السبيل لعلاج مشاكل المجتمع، والحصول على سعادة الدنيا وكرامة الآخرة، وحينما كان المجتمع الإسلامي يلتزم شيئاً ما بتلك التعاليم الإسلامية كان يعيش العزة والسعادة والرفاه والكرامة، ولم يكن يعرف شيئاً من هذه المشاكل الموجودة اليوم، لذلك فمن: "واجبنا اليوم هو أن نتعرف على عظمة شخصية سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، وعلى أهداف نهضته المباركة وأن نسعى للعمل بكل قوانين الحياة التي أتى بها جده رسول الله (صلى الله عليه واله) وبينها أهل بيته (عليهم السلام) ورعاها هو (عليه السلام) بشهادته وسقاها بدمه الطاهر ثم نعرض صورتها وصورة الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)، بجمالها اللائق ونورها المتألق إلى العالم كله".

وهنا يقدم المرجع الراحل السيد الشيرازي (رحمه الله) بعض النصائح التي ينبغي الاهتمام بها لنشر راية الامام الحسين بن علي (عليه السلام) في كل مكان ومنها:

* ينبغي الاهتمام الكبير في أيام محرم الحرام، وخاصة عشرة عاشوراء وأيام الأربعين، بتطبيق الأحكام الشرعية والقوانين الإسلامية الثابتة عن طريق القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهداية الناس جميعاً خاصة غير المسلمين إلى الإسلام.

* أفضل فرصة لخدمة العقيدة الإسلامية والتبليغ الديني على مستوى العالم، وإيقاظ المسلمين وتوعيتهم، هو في موسم محرم وصفر، وشهر رمضان، وموسم الحج.

* يلزم الاستفادة من ذكرى عاشوراء لتوطيد الإيمان والفضيلة والتقوى والمثل الأخلاقية الرفيعة في المسلمين، وتوسعة دائرتها، وتوطيد وجودها.

* من الضروري أن يكون موسم محرم الحرام منطلقاً للإرشاد والتبليغ ونشر أحكام الله وتعاليم الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) الداعية إلى الحياة الطيبة عبر تطبيق الشورى، وإطلاق الحريات الإسلامية، والأمة الواحدة، والإخوة الإسلامية، والسلام والتقدم والتطور والرفاه، وعبر تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

* يمكن أن يستفاد من عاشوراء في التأكيد على ضرورة العودة إلى الإسلام وإلى أحكامه وشعائره، كما يمكن الاستفادة من ذكرى واقعة كربلاء في تحسين الشؤون الاقتصادية للمسلمين.

* يجب علينا أن نسعى جاهدين من أجل تعظيم شعائر سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) بشكل أوعى وأفضل وأحسن وأكمل وأبهى وأجمل وأرقى.

* إن الشعائر الحسينية هي التي استطاعت عبر الأحداث التاريخية، والأطماع السياسية، أن تحفظ الدين الإسلامي ومذهب أهل البيت ‹عليهم السلام› من الضياع والتحريف والاندراس والتشويه والإبادة والتدمير، على مر التاريخ.

* إن عاشوراء من أفضل الفرص للعودة إلى الإسلام وإلى ما تركه المسلمون من القرآن الكريم وسنة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وسيرة أهل بيته الكرام (عليهم السلام).

* علينا أن نجعل يوم عاشوراء يوماً لإحياء القوانين الإسلامية والعمل بها ونشر الثقافة والوعي في أوساط الأمة، فإن الإمام الحسين ‹عليه السلام› قتل من أجل إحياء الإسلام وقوانينه العادلة.

لقد قدم الامام الحسين (عليه السلام) كل ما يملك في سبيل هذه المعاني السامية، وعلينا ان ندرك نحن عظمة الامام الحسين (عليه السلام)، ونجتهد في تتبع اثاره ومدى تأثيره فينا وفيمن حولنا، وكما يلخصها السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) بقوله: "كان سيد الشهداء الإمام الحسين (سلام الله عليه) يعلم علماً قطعياً باستشهاده، كما أشار إلى ذلك مراراً في خطبه وكلامه (عليه السلام) أثناء خروجه من مكة والمدينة، معلناً عن توطين نفسه على لقاء الله وعزمه على بذل مهجته في سبيل الله ونصرة الحق وإحياء الدين الإسلامي، ونحن اليوم نلمس وبكل وضوح آثار استشهاده (عليه السلام)، ومدى تأثيره في بقاء الإسلام وصيانته من كيد الأعداء بسبب موقفه التاريخي وتضحيته (عليه السلام) في يوم الطف".

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–2020Ⓒ
http://shrsc.com

اضف تعليق