في الأوقات الحرجة، وعند الأزمات الصعبة، لاسيما عندما تنتج هذه الازمة عن صراع شعبي جماهيري مع السلطة، لأسباب حقوقية بالدرجة الاولى، فإن صناعة الرأي العام تغدو شرطا للنهوض ومقارعة السلطة، ولكن هناك مقومات لصناعة الرأي العام أهمها التكتل البشري المتضرر من السلطة...
في الأوقات الحرجة، وعند الأزمات الصعبة، لاسيما عندما تنتج هذه الازمة عن صراع شعبي جماهيري مع السلطة، لأسباب حقوقية بالدرجة الاولى، فإن صناعة الرأي العام تغدو شرطا للنهوض ومقارعة السلطة، ولكن هناك مقومات لصناعة الرأي العام أهمها التكتل البشري المتضرر من السلطة، والعمل في اتجاه واحد غير مشتت.
ويرى المختصون أن الرأي العام هو تكوين فكرة أو حكم على موضوع أو شخص ما، أو مجموعة من المعتقدات القابلة للنقاش وبذلك تكون صحيحة أو خاطئة، وتخص أعضاء في جماعة أو أمة تشترك في الرأي رغم تباينهم الطبقي أو الثقافي أو الاجتماعي، فيعترض ذلك مع الرأي الخاص الذي يشير إلى أمور ومسائل شخصية تتعلق بفرد واحد، كذلك يعرف الرأي العام بأنه ذلك التعبير العلني والصريح الذي يعكس وجهة نظر أغلبية الجماعة، تجاه قضية معينة في وقت معين.
ويرى بعض الخبراء أن الرأي العام هو التعبير عن آراء جماعة من الأشخاص إزاء قضايا، ومسائل أو مقترحات معينة تهمهم، سواء أكانوا مؤيدين أو معارضين لها، بحيث يؤدي موقفهم بالضرورة إلى التأثير السلبي أو الإيجابي على الأحداث بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في لحظة معينة من التأريخ، أو أنه حكم عقلي يصدر من جمهور من الناس يشتركون بالشعور بالانتماء ويرتبطون بمصالح مشتركة إزاء موقف من المواقف أو تصرف من التصرفات أو مسألة من المسائل التي يثار حولها الجدل بعد مناقشة عقلية.
في حين يصف بعضهم الرأي العام بأنه الرأي الغالب أو الاعتقاد السائد أو إجماع الآراء أو الاتفاق الجماعي لدى غالبية فئات الشعب أو الجمهور تجاه أمر أو ظاهرة أو قضية أو موضوع معين يدور حوله الجدل، وهذا الاجماع له قوة وتأثير على القضية أو الموضوع الذي يتعلق به، وقد يكون مجموعة معينة من الأفكار والمفاهيم التي تعبر عن مواقف مجموعة أو عدة مجموعات اجتماعية إزاء أحداث أو ظواهر من الحياة الاجتماعية.
وقد يتم توجيه الرأي العام حقوقيا أو سياسيا حسب اتجاهات ومواقف الناس إزاء موضوع معين وهو اصطلاح مستخدم للتعبير عن مجموعة الآراء التي يدين بها الناس إزاء المسائل التي تؤثر في مصالحهم العامة والخاصة.
من طبائع الانسان أنه يزداد حماسة عندما يجد الكثيرين يتوافقون معه في الرأي والهدف، ويتضاعف سعيه لتحقيق هذا الهدف أكثر فأكثر مع زيادة الاعداد التي تتفق معه فكرا وعملا في تحقيق الهدف نفسه، لذلك تعد صناعة الرأي العام طريقة نموذجية لتحقيق قوى ضاغطة على السلطة من اجل تحقيق أهداف معينة، وعندما تكون متعلقة بالجمهور فإنها تتمحور حول انتهاكات للحريات، وتغدو ذات صبغة حقوقية منتهكة من لدن السلطات السياسية.
من هنا يحتاج العاملون على تحقيق قوة ضغط الى تكتل بشري، وهذا لا يمكن تحقيقه من دون صناعة رأي عام، واتفاق شامل بين عدد كبير من الناس على موضوع محدد، وهو أمر قد يكون غاية في الصعوبة، من هنا ينبغي أن نستثمر زيارة الأربعين لتحقيق مثل هذه الاهداف المهمة عبر الدراسة والتخطيط.
فعندما تكون لدينا خطة لتحقيق هدف محدد، ينبغي أن نستثمر الاعداد الكبيرة للزوار الكرام المشاركين في هذه الزيارة السنوية المقدسة، على أن تبدأ صناعة الرأي بتوضيح الهدف والفكرة من اجل تحقيق عنصر الفهم والإقناع ومن ثم الاتفاق على إقامة حملة تواقيع كبرى، لتحقيق مطالب محددة يتم توصيلها الى السلطة السياسية، واستمر الضغط في هذا الاتجاه.
فعندما يقوم ملايين من الزوار الكرام بالتوقيع على مطالب حقوقية واضحة، تتعرض للانتهاك والتجاوز السلطوي، فإن هذه الخطوة تمثل قوة ضغط جماهيرية لا يمكن إهمالها من السلطة، وهكذا يمكن استثمار هذا التكتل البشري الهائل وتحويله الى قوى ضغط يصعب تحقيقها في الحالات الاعتيادية.
وهكذا يمكن أن تكون الزيارة المليونية للإمام الحسين عليه السلام، عاملا مساعدا على صناعة الرأي العام، وتوجيهه نحو أهداف واضحة ومحددة، من خلال الاستفادة من الاعداد الكبيرة للزوار الكرام، لتحقيق هدف محدد، او حل مشكلة معينة، او المطالبة بمعالجة قضية حقوقية او معيشية أو تعليمية وما شابه.
وقد سبق أن جرب ناشطون استثمار التكتل البشري في صناعة الرأي العام الضاغط على السلطات السياسية، ليس في دولة محددة بعينها، وإنما بالإمكان تحقيق ضغط عالمي للنجاح في الوصول الى فضية حقوقية معينة، مثال ذلك الدعوة الى اطلاق سراح ناشط مدني معتقل، او تخفيف الحكم على ناشط آخر من الاعدام الى سواه، كما يتعرض اليوم الشيخ نمر النمر الى حكم الاعدام من لدن النظام السعودي لمجرد انه يعلن عن آراء معارضة للسلطة، ويطالب باطلاق الحريات للعقائد، لاسيما أن الاعلان العالمي اتاح حرية الاديان للجميع، كما أن النص القرآني (لا اكراه في الدين)، يمنع السلطة من انتهاك حرية الدين والمعتقد للانسان.
جماعة الضغط او قوى الضغط هي القوة الجماهيرية الضاغطة على السلطة السياسية لتحقيق مأرب محدد ومقبول، وقد تسمى أيضا جماعات التأييد المعروفة أيضًا باسم جماعات الضغط أو اللوبي أو جماعات الحملات أو جماعات المصالح أو جماعات الاهتمامات الخاصة، تستخدم أشكالًا متنوعة من التأييد للتأثير على الرأي العام وقد تؤثر على السياسة.
وقد أدت هذه القوى الضاغطة دورًا مهمًا في عملية تطوير الأنظمة السياسية والاجتماعية وما زالت تقوم بهذا الدور، وتتباين الجماعات كثيرًا من حيث الحجم والتأثير والدافع، فبعضها لديه العديد من الأهداف الاجتماعية الطويلة المدى، والبعض الآخر متخصصة أو نشأت كرد فعل لقضية أو مسألة حالية حقوقية تتعلق بالحريات الفردية وسواها.
يمكن أن تستند دوافع العمل إلى موقف سياسي أو عقائدي أو أخلاقي أو تجاري مشترك. وتستخدم الجماعات أساليب مختلفة لمحاولة تحقيق أهدافها، وتتضمن الضغط السياسي والحملات الإعلامية والحيل الدعائية والاستفتاءات والأبحاث وجلسات إحاطة السياسات. وتحظى بعض الجماعات بدعم مؤسسات تجارية قوية أو مصالح سياسية، وتؤثر بشكل كبير على العملية السياسية، وهناك جماعات أخرى تمتلك القليل من هذه الموارد.
ولعل العنصر الأهم لهذه الجماعات يهدف الى جمع اكبر عدد ممكن من المؤيدين والضاغطين على السلطة، فكلما اتسعت رقعة قبول الرأي والاتفاق عليه، كلما كان توجيه مسار الرأي العام لصالح الجماهير أفضل وأقوى، ولعل الاعداد الهائلة لزوار الأربعين فيما لو تم استثمارها بالصورة الصحيحة والدقيقة، يمكن أن تساعد على بلورة نظام سياسي متطور يسعى الى احترام الحريات ويكون اكثر حرصا على حقوق الأمة.
هذا الهدف الجوهري في تطوير النظام السياسي، يمكن أن يتبلور اكثر من خلال صناعة الرأي العام، وهذا الشرط يمكن أن يكون أسهل من حيث القدرة على التنفيذ اذا قام المعنيون بدراسة إمكانية الاستفادة من زيارة الاربعين، والاعداد الهائلة لزوارها الكرام، لاسيما أنهم متفقون في الدين والمعتقد، وهذا يجعلهم اقرب للاتفاق على انجاز هدف جماهيري شعبي معين، فيتحول هذا الجمع الكبير الى قوة ضاغطة لتأمين صناعة نظام سياسي متطور، من خلال صناعة رأي عام موحد.
اضف تعليق