q

قبل ايام حذر خبراء من الامم الأمم المتحدة في تقرير للجنة الأمم المتحدة الخاصة بشأن السودان، من تحول الأراضي النائية في غرب السودان الى بيئة مناسبة "للإسلاميين المتشددين"، بسبب النزاع المتواصل في اقليم دارفور، وهو تحذير وجدت فيه اللجنة إن دافور يمكن أن تكون "أرضا خصبة محتملة لتسلل الراديكاليين الإسلاميين بسبب حدودها المليئة بالثغرات والتضامن العائلي عبر الحدود بين القبائل السودانية و(أبناء عمومتهم) الأفارقة المنحدرين من أصل عربي في جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا ومالي والنيجر"، والسودان بصورة عامة ارض مضطربة وشهد العديد من الحركات الجهادية.

في ليبيا الامر اكثر تعقيدا بعد انهيار نظام القذافي في ثورة الربيع العربي التي فتحت الباب واسعا لظهور الميليشيات الاسلامية الاكثر تطرفا في تاريخ ليبيا الحديث، وانطلقت من درنه اخطر المؤشرات لتطور المشهد الجهادي، بعد ان اعلن مجلس شورى شباب الإسلام، في درنة، في اكتوبر الماضي مبايعته لـتنظيم (الدولة الاسلامية/داعش)، كما شهدت مساجد المدينة مباركة الخطباء في الحث على إقامة "دولة الخلافة"، وسهل الصراع المسلح على السلطة بين ميليشيات نافذة وحكومة مدعومة ببقايا الجيش الليبي (اضافة الى انخراط ميليشيا منوعة الى صفوفها) والتي يعترف بها المجتمع الدولي كحكومة تمثل الدولة الليبية، سهل هذا الصراع الى تمزق البلاد وانتشار الافكار المتطرفة وصعود الاسلام الراديكالي، (الذي ساهم بإسقاط القذافي ايضا)، ما شجع بقية المنظمات الجهادية للدخول الى الساحة الليبية باعتبارها البوابة لشمال افريقيا ولقربها من الدول الاوربية، وقد نشرت العديد من المواقع المرتبطة بالجهاديين خطاب الى زعيم داعش، ابو بكر البغدادي، دعا فيه المسلمين في العالم "للهجرة إلى الدولة الإسلامية في ليبيا، ونخص منهم أهل إفريقية القريبين من ليبيا، خاصة أهل تونس والمغرب، فهم يمتازون بشجاعة منقطعة النظير، وأهل جلد وصبر على القتال، عليكم ببناء مدارس لتدريب المجاهدين لتنتج لكم جيشا يزداد كثرة، ويستقبل أهل المغرب وتونس ومصر".

اما في الجزائر التي اختارت رئيسها المريض "بو تفليقة" لولاية رئاسية جديدة، خوفا من تأثرها بالأوضاع الامنية القلقة المحيطة بها (في مالي وليبيا والنيجر)، والتي سبق لها وان خاضت تجربة مرعبة مع الجهاديين في تسعينات القرن الماضي، فان الاوضاع الامنية ليست مستقرة فيها تماما، فقد شهدت في يناير عام 2013 عملية كبيرة استهدف منشأة للغاز في عين أمناس تم خلالها احتجاز مئات الرهائن من العمال وانتهت بمقتل 40 أجنبيا، كما اعلنت وزارة الدفاع، قبل ايام، تفكيك خلية ارهابية (متكونة من 12 مواطن جزائري) كانت تخطط لشن هجمات مسلحة داخل الجزائر "بالتواطؤ مع جماعات إرهابية أخرى تنشط خارج الحدود الجنوبية للبلاد"، بحسب البيان، وينشط في بلاد المغرب (الجزائر، المغرب، تونس) تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، اضافة الى وجود اكثر من 200مواطن جزائري يقاتلون الى جانب تنظيم داعش في العراق وسوريا، بحسب الارقام التي اعلنتها مصادر رسمية ومراكز ابحاث عالمية.

وفي مصر التي تقاتل جماع "انصار بيت المقدس" وتنشط في سيناء وقريبة من نهج تنظيم القاعدة (وتحدثت اخبار عن مبايعة الجماعة لتنظيم داعش واعلان سيناء كولاية تابعة للدولة الاسلامية)، ما زالت الاجهزة الامنية وقوات الجيش المصري تواجه صعوبات بالغة في تحجيم دور الجماعات المتطرفة التي انتشرت في أوائل عام 2011 عقب أحداث ثورة 25 يناير عام 2011 في مصر في ظل حالة غياب أمني تام في سيناء، وتزامنا مع الاوضاع الليبية، التي ساهمت في تزويد هذه الجماعات بالمخزون الحربي المتطور للنظام القذافي، كما ان الخلافات الداخلية التي اقبت الاطاحة بنظام الاخوان المسلمين، من قبل قيادات الجيش المصري، واعتبارهم منظمة ارهابية، قد ساهمت بشكل او اخر في تصعيد الموقف الامني.

بالنسبة الى تونس، فان عمليات قطع الرؤوس (تستهدف عناصر امنية) مستمرة من قبل الجماعات المتطرفة في محافظة الكاف الحدودية مع الجزائر، "وتحاصر قوات الجيش مسلحين احتموا بجبال محافظات القصرين والكاف وجندوبة الواقعة على الشريط الحدودي مع الجزائر"، كما ان تنظيم "أنصار الشريعة" التونسي، تربطه علاقة جهادية مع تنظيم داعش، كما اشارت ارقام تعتبر قريبة من الواقع، رشحت وجود بين (2500 الى 5000) مواطن تونسي يقاتلون الى جانب تنظيم داعش وان عدد منهم يحتل مواقع قيادة داخل التنظيم في سوريا والعراق.

طبعا فان هذه التطورات الامنية الخطيرة جعلت من المغرب دولة مترقبة، سيما وان 1122 مغربيا يقاتلون في صفوف "داعش" وتنظيمات متشددة أخرى، وان المقاتلين المغاربة هم اكثر المقاتلين في صفوف التنظيم ممن تستهويهم العمليات الانتحارية، بحسب التصريحات التي ادلى بها وزير الداخلية المغربي.

وأبرزت دراسة إسبانية حديثة، قام بها خبراء وباحثون أمنيون، أن منطقة المغرب العربي تحولت خلال الآونة الأخيرة إلى القاعدة الرئيسية التي ينطلق منها آلاف المسلحين للانضمام إلى صفوف المجموعات الإرهابية في سورية والعراق، وبينت أن قرابة ألف جزائري كانوا "يقاتلون" منذ 2011 في سوريا بدأوا ينسحبون إلى العراق، وقالت الدراسة الأمنية إن عودة هؤلاء "المقاتلين" إلى منطقة شمال إفريقيا تشكل الآن المعضلة الكبرى والرئيسية في إسبانيا ودول الاتحاد الأوروبي، ونقلت عن فرناندو ريناريس، الباحث في معهد (الكانو) الملكي والأستاذ في جامعة الملك خوان كارلوس الإسبانية، أن ”هناك ما يقارب 15000 مقاتل أجنبي انضموا إلى المجموعات المسلحة في سورية منذ عام 2011، منهم 1200 متطرف جاءوا من المغرب، و1000 من الجزائر، و2400 من تونس".

تضارب المصالح الدولية

تعتبر مناطق شمال افريقيا منطقة نفوذ اوربية، وتحديدا فرنسا، التي استعمرت بعض هذه الدول لأكثر من مئة عام، وبالتالي فان مراقبتها للأوضاع الجارية ليبيا والمغرب العربي، ليست من باب الفضول، وانما امر تمليه عليها مصالحها العليا، خصوصا في ظل منافسين محتملين بالجوار، فالولايات المتحدة غير بعيدة تماما عن المشهد الشمال افريقي، فمع وجود قاعدة (مورون دي لفرونتيرا) على ساحل إشبيلية في اسبانيا المواجه لدولتي المغرب والجزائر، والموجودة بموجب اتفاقية رسمية طلبت تجديدها من الجانب الاسباني مؤخرا، والتي من المحتمل تعزيزها بجنود اضافيين ليصل العدد الى (1100) جندي بدلا من (850) جندي المتواجدين حاليا، تحسبا لأي تطورات في المشهد الليبي او غيره، في ظل هذا المشهد لا يمكن لفرنسا التحرك لوحدها او بمفردها، وهو امر اشارت اليه تصريحات وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان الذي اكد فيه أن "المجتمع الدولي سيرتكب خطأ جسيما إذا ما بقي مكتوف الأيدي أمام قيام مثل هكذا ملاذ للإرهاب في صميم البحر المتوسط"، مضيفا إن "فرنسا ستؤدي حتما دورها كاملا في هذا الإطار، بهدف التصدي للمجموعات المسلحة".

طبعا فان هذا المشهد يعتبر من الاحتمالات الخطيرة والحساسة والتي تهدد الامن والسلم الدوليين، فمنطقة الشرق الاوسط ما زالت تدير معركة كبيرة ضد الارهاب، فيما يحاول المتطرفين فتح جبها جديدة في غرب اسيا، اضافة الى تنفيذ عمليات جهادية في اوربا وامريكا الشمالية، اما في افريقيا، فشرارة التطرف لا يمكن السيطرة عليها، سيما وان حركات اخرى (حركة الشباب المجاهدين، بوكو حرام، حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا..الخ) في مناطق افريقية اخرى يمكن ان تربك عموم افريقيا وتزعزع الامن فيها، وبالتالي الامن العالمي، ويرى باحثون انه من الضروري العمل على احتواء الشرارة الجهادية التي يمكن ان تطلقها منطقة شمال افريقيا نحو العالم، سيما وان الجهاديين قد يجدون في تلك المناطق بديلا مناسبا في حال تم احتوائهم في منطقة الشرق الاوسط.

اضف تعليق