q

أثارت تفجيرات بلجيكا الإرهابية الكثير من الأسئلة المتعلقة بتحول الأراضي السورية إلى بيئة خصبة لتدريب الإرهابيين على فنون القتال المختلفة. وإن عدم إنهاء الأزمة السورية لن ينهي خطر المجموعات الإرهابية على دول العالم قاطبة. وإن هذه التفجيرات التي طالت بلجيكا، ومن قبلها تفجيرات فرنسا، وبينهما العديد من التفجيرات الإرهابية التي جرت في تونس والمملكة وليبيا وغيرها من البلدان، كل هذه العمليات الإرهابية تؤكد خطر العائدين من سورية على الأمن الوطني والقومي والعالمي؛ لذلك ثمة ضرورة أمنية للتعامل مع ملف العائدين من سورية إلى مناطقهم بحذر شديد، وحكمة عالية الحساسية للحؤول دون القيام بعمليات إرهابية أخرى.

ولا نحتاج إلى الكثير من الكلام حول أن القتال الميداني السوري، أضحى من أهم الميادين القتالية على مستوى المنطقة.. وأصبح نقطة الجذب والاستقطاب الأولى على هذا الصعيد.. وهناك معلومات استخباراتية دولية عديدة حول حجم وعدد المقاتلين الأجانب في سورية.. بعض هذه المعلومات تتحدث عن (٢٥) ألف مقاتل، والبعض الآخر من المعلومات يتحدث عن (٣٢) ألف مقاتل..

ولو أخذنا الحد الأدنى من الأرقام وهو (٢٥) ألف مقاتل، وهو وفق المقاييس العسكرية والأمنية عدد ليس قليلاً ولا يستهان به.. فالميدان السوري كما قلنا أضحى هو نقطة الاستقطاب الأولى في المنطقة، وتعدد في هذا السياق عدد العناوين واليافطات القتالية التي تضم آلاف المقاتلين مع عقيدة أيدلوجية قتالية ترى أن مهمتهم الأساسية هي تخليص الأمة الإسلامية!..

كما أن الميدان السوري أصبح مهماً لجميع المقاتلين لتطوير المهارات القتالية والحربية لكل هؤلاء.. حيث أصبح أشبه ما يكون بمعسكر تدريبي متكامل على كل فنون القتال واختبار كل التكتيكات العسكرية التي تعلمها هؤلاء المقاتلون في أي مكان من العالم.

أقول إن آلاف المقاتلين والمدربين والحاملين عقيدة أيدلوجية تدفعهم نحو القتال واستئصال المعاندين والمخالفين من أهم الملفات والقضايا التي ستهدد أمن واستقرار أغلب الدول العربية والإسلامية..

وإن بروز مؤشرات الحل السياسي والتسوية في سورية سيعجل بعودة هؤلاء إلى أوطانهم أو اختيار منطقة أخرى للقتال والانخراط في حرب جديدة.. وإن مقتضى الأمن الوقائي، يقتضي من كل الدول والأجهزة الأمنية المختلفة الالتفات إلى هذا الخطر، وإعداد الخطط والمشروعات التي تستهدف مواجهة هذا الخطر..

وأضحت المعادلة القائمة في هذا السياق هي كلما اقترب الحل السياسي للمعضلة السورية، بذات الوقت اقترب هذا الخطر إلى كل الدول العربية والإسلامية..

وإن هذا الخطر سيكون أكثر عنفاً وشراسةً من كل المجموعات المسلحة التي خاصت حروبا جهادية عديدة وعادت بعد ذلك إلى بلدانها..

والمعلومات الاستخبارية اليوم، تتحدث عن عدد الذين عادوا من مناطق القتال في سورية وصلوا إلى ما يقارب ٢٠٪‏ من عدد المقاتلين في سورية..

وهذه النسبة بطبيعة الحال ليست قليلة، وإذا أضفنا إليهم المتعاطفين والمؤيدين لهذه المجموعات، أصبح الأمر أكثر خطورة وجدية في طبيعة التحدي الذي يمثله المقاتلون العائدون من الميدان السوري..

وطرح هذا الموضوع لا يستهدف التهويل بهذا الخطر، وإنما الاستعداد التام لمواجهة هذا الخطر الذي يستهدف النيل من أمن واستقرار كل الدول العربية والإسلامية..

وفي هذا السياق نود بيان النقاط التالية:

إن المجموعات الإرهابية والمسلحة العائدة من الميدان السوري، لا تهدد دولة عربية أو إسلامية بعينها، وإنما هي تهدد كل الدول العربية والإسلامية.

وإن التهديد الشامل لكل الدول يقتضي من جميع هذه الدول زيادة وتيرة التعاون في مكافحة الارهاب.. وإن أية دولة مهما أوتيت من قوة وإمكانات، ليست قادرة بمفردها على مواجهة خطر الارهاب والمجموعات الإرهابية..

وزيادة وتيرة التعاون في مشروع مكافحة الارهاب، هي الحد الأدنى الذي يمكّن جميع الدول العربية والإسلامية من مواجهة هذا الخطر الجدي والحقيقي..

وحماية جميع الدول العربية والإسلامية من خطر الوقوع في الفوضى أو الفشل كدولة وواقع سياسي؛ لأن جميع التجارب تؤكد وبشكل لا لَبْس فيه أن سقوط أية دولة في الفوضى والانقسام وبدايات الحروب الداخلية، يشكل نقطة الاستقطاب الرئيسية لكل المجموعات الإرهابية.. لذلك ثمة ضرورة أمنية وسياسية لحماية كل الدول العربية والإسلامية، والوقوف معا ضد انزلاقها نحو الاحتراب الداخلي أو الفوضى السياسية..

لأن هذا الانزلاق سيؤسس لميدان قتالي جديد، ينتهي بتعاظم المجموعات الإرهابية التي تزيد من الخطر الإرهابي على الجميع..

ولا قدرة فعلية لمواجهة الارهاب، إلا بالوقوف ضد كل أشكال الفوضى والاحتراب الداخلي.. لأن كل هذه الأشكال، هي التي تغذي الارهاب فكراً وبشراً وممارسةً.

وتجارب العقود الثلاثة الماضية، تؤكد هذه الحقيقة بشكل لا لبس فيه.. فحينما تتمكن الدول العربية والإسلامية من سد الثغرات الأمنية والسياسية، فإن إمكانية اللجوء إلى خيار الارهاب يتضاءل، وبهذه الآلية تتمكن الدول من تجفيف بعض روافد الارهاب..

ويبدو واضحاً للجميع أن الأزمة السورية، حينما يطول أمرها وتستمر في التصاعد الأمني والسياسي، تصبح هذه الأزمة في موقع المغذي لكل نزعات الارهاب في المنطقة العربية.. وكلما تمكن العرب من التعجيل في إنهاء الأزمة السورية تضاءل خطر الارهاب..

أثبتت العديد من النماذج، أن توسع المجموعات الإرهابية في نشاطها القتالي والإرهابي، يؤدي فيما يؤدي إليه، إلى تدمير المكاسب الاقتصادية والتنموية والعمرانية والسياسية التي تمكنت فيها الدول والمجتمعات العربية والإسلامية من تحقيقها وإنجازها.

لذلك فإن الوقوف بحزم ضد الارهاب بكل مستوياته، يعد خط الدفاع الأول عن مكاسب الوطن والمجتمع.. وإن أي استهتار في التعامل مع هذه الآفة الخطيرة سيؤدي إلى ضياع منجزات العقود الزمنية السابقة.. لأن الفعل الإرهابي سيعيدنا إلى المربع الأول في قضايا البناء والتنمية والاستقرار السياسي..

وإن المنطقة العربية بأسرها، ستواجه تحدي الارهاب من جراء ما يسمى بـ(العائدين من سورية)، وإن الحقيقة الماثلة أمامنا أن مشروع الحل السياسي كلما خطا خطوات جادة في سورية، سينعكس في خروج مجموعات إرهابية عديدة وعودتها إلى بلدانها الأصلية أو التفكير في فتح جبهة قتال جديدة..

وإن هذا الخطر يتطلب من كل الجهات الوطنية والقومية، التفكير في بناء الخطط التي تستهدف مواجهة هذا الخطر الآتي من سورية وارتدادات الأحداث في سورية. وبمقدار ما تنجح دول المنطقة في مواجهة هذا الخطر، بذات القدر نجنب بلداننا جميعا أخطار وتداعيات جميع الممارسات الإرهابية..

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق