سوف تكون نسبة اعلى بكثير من سكان العالم من أصول افريقية مقارنة بالسكان من أصول أوروبية أو أمريكية أو من أصول تنتمي الى شرق أو جنوب آسيا ونتيجة للهجرة فإن العديد من المجتمعات ستكون اقل تجانسا بكثير في الأصول واللغة والدين والعادات والتقاليد والتوقعات ولكن...
بقلم: جويل إي كوهين

نيويورك- إن الأبحاث الجديدة التي تم نشرها في يوليو في مجلة ذا لانسيت تتنبأ بإن استمرار النمو "خلال هذا القرن لم يعد المسار الأكثر احتمالية بالنسبة لعدد سكان العالم" حيث من المرجح ان يصل عدد سكان العالم لذروته سنة 2064 أي 9،7 مليار شخص قبل ان ينخفض الى 8،8 مليار بحلول سنة 2100. يتوقع المؤلفون ان عدد السكان في 23 بلد –وخاصة اليابان وتايلند واسبانيا وأوكرانيا– سوف يكون في الغالب بحلول سنة 2100 نصف حجم السكان في تلك البلدان في سنة 2017 بينما من المحتمل ان ينخفض عدد السكان في 34 دولة أخرى بنسبة 25-50% بما في ذلك الصين التي من المتوقع ان تشهد انخفاض بنسبة 48%.

على النقيض من ذلك فإن من المتوقع ان ينمو عدد السكان في نيجيريا 3،8 اضعاف بين سنتي 2017 و2100 على الرغم من توقع انخفاض متوسط معدل الخصوبة من 5،1 الى 1،7 أي أقل من مستوى الاستبدال واقل من متوسط معدل الخصوبة في السويد (1،8 طفل لكل إمرأة). لقد كانت نيجيريا الدولة الوحيدة في منطقة جنوب الصحراء الافريقية الكبرى من بين أكثر عشر دول على مستوى العالم اكتظاظا بالسكان سنة 2017 وبحلول سنة 2100 من المتوقع ان تشمل القائمة جمهورية الكونغو الديمقراطية واثيوبيا وتنزانيا.

ومن بين الدول الأربع الأكثر اكتظاظا بالسكان بعد الصين، من المتوقع ان تشهد الهند واندونيسيا انخفاضا بعدد السكان بينما من المتوقع ان تشهد الولايات المتحدة الأمريكية والباكستان نموا في عدد السكان وان كان ذلك لأسباب مختلفة. سوف تكون الهجرة العامل الذي يحرك الزيادة في عدد السكان في الولايات المتحدة الأمريكية مما يعوض الانخفاض في معدل الخصوبة من 1،8 الى 1،5 وفي الباكستان يتوقع المؤلفون ان يكون الدافع لنمو السكان معدل خصوبة اعلى وان كانوا يتوقعون انخفاضه من 3،4 الى 1،3 بحلول سنة 2100 – أقل من المعدل الحالي او المتوقع في الولايات المتحدة الامريكية.

لكن التحفظات الاعتيادية تنطبق على الطرح أعلاه فالتنبؤات التي تختص بكل بلد على حده تكون غير مؤكدة بشكل أكبر من التنبؤات العالمية وكما أشار المؤلفون فإن التوجهات السكانية يمكن ان تكون أكثر أو أقل دراماتيكية من المتوقع وبالإضافة الى ذلك فإن "إطار النمذجة" لا يتضمن متغيرات مهمة مثل تأثيرات التغير المناخي أو مخاطر حصول جوائح مثل جائحة كوفيد-19.

بالإضافة الى ذلك فإن السجل الحافل للتنبؤات السكانية لا يوحي بالثقة ففي سنة 1798 تنبأ الاقتصادي الإنجليزي توماس روبرت مالثوس بإن النمو السكاني سيتجاوز في نهاية المطاف النمو في انتاج الغذاء مما سيتسبب في مجاعة على نطاق واسع وبعد ذلك اثناء الركود العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، اعتقد العديد من الناس ان عدد سكان العالم سوف ينخفض بشكل دائم ولكن بحلول خمسينيات وستينيات القرن الماضي كان الخوف الجديد- الذي تعكسه مصطلحات مثل "القنبلة السكانية " و"مجاعة 1975" – هو ان استمرار النمو السكاني السريع سوف يدمر البشرية والكوكب.

لقد كانت كل تلك التوقعات الثلاثة خاطئة. ان الحقيقة هي انه ليس في استطاعتنا ان نعرف على وجه الدقة كم طفل سوف يولد خلال بقية القرن. لكن الذي نستطيع ان نفعله هو بذل المزيد من الجهود لتحسين التغذية والصحة والإسكان والتعليم والازدهار والسلام والامن ومساواة الفرص وجودة البيئة واستقرار المناخ والحرية لجميع الناس. ان مستقبل ولادة الأطفال وتربيتهم وصحة السكان وبقاءهم وتوجهات الهجرة والاندماج الاجتماعي سوف تعتمد على الاستثمارات والالتزامات التي ستقوم بها البلدان الان وفي العقود القادمة. ان القيادة السياسية الناجحة والدعم للتعليم العام عالي الجودة هي ذات أهمية قصوى مثل أهمية التغذية الأساسية وحرية الوصول لوسائل منع الحمل والرعاية الصحية والعلاقات الدولية البناءة.

ان دراسة لانست هي ليست اول دراسة تتنبأ بتوقف محتمل لنمو سكان العالم قبل 2100 ولكن المؤلفين قدموا مساهمة قيمة فريدة وذلك من خلال عدة مقترحات اصلية من اجل تحسين التوقعات السكانية بشكل عام. ان الجانب الأكثر أهمية هو ان الأبحاث الجديدة تستخدم العوامل الخارجية لتوقع معدلات الولادة والوفاة والهجرة المستقبلية. ان توقعات الخصوبة على سبيل المثال تعتمد على الالتزامات المستقبلية المتعلقة بالتعليم ووسائل منع الحمل المتوفرة وبالمثل فإن توقعات الهجرة قد وضعت بعين الاعتبار نصيب الفرد من الدخل والتعليم والخصوبة والوفيات نتيجة للصراع والكوارث الطبيعية وغيرها من المتغيرات.

يبقى ان نرى ما اذا كانت تلك العوامل الخارجية –وهي عوامل غير مؤكدة– سوف تؤدي الى تحسين دقة التوقعات السكانية مقارنة بتلك التوقعات التي يصدرها قسم السكان التابع للأمم المتحدة والمبنية على أساس الاستقراء السكاني والأحكام المهنية وخلال الخمسين سنة الماضية اثبتت توقعات قسم السكان التابع للأمم المتحدة انها دقيقة الى حد ما بالنسبة الى سكان العالم وان كانت اقل دقة بالنسبة لكل دولة على حدة.

على الرغم من ان التوقعات السكانية من وكالات مختلفة تختلف فيما يتعلق بالكيفية والزمان المرتبطين بوقف النمو السكاني العالمي، فإن هناك بضع نقاط يتفق عليها الجميع تقريبا فالجميع يتوقع انه بحلول سنة 2100 فإن متوسط عدد الأطفال الذين سوف تنجبهم كل امرأة خلال حياتها سوف ينخفض على مستوى العالم والجدل يتعلق بالعدد والمكان وسرعة حدوث ذلك.

ان من المفهوم ان مسارات السكان المستقبلية ستكون مهمة جدا في تحديد الخصوبة المستقبلية. نحن متأكدون بشكل معقول ان نسبة اكبر بكثير من سكان العالم في المستقبل سوف تعيش في المدن وفي الدول الفقيرة حاليا وستكون نسبة أكبر بكثير من سكان العالم من كبار السن عمريا ولكن ليس بالضرورة من الناحية الوظيفية او العقلية. ان حصة الناس في سن العمل وهو تقليديا من سن 15-64 سنة سوف تتقلص بشكل دراماتيكي وتعريف "سن العمل" من المرجح ان يتغير.

أخيرا، سوف تكون نسبة اعلى بكثير من سكان العالم من أصول افريقية مقارنة بالسكان من أصول أوروبية أو أمريكية أو من أصول تنتمي الى شرق أو جنوب آسيا ونتيجة للهجرة فإن العديد من المجتمعات ستكون اقل تجانسا بكثير في الأصول واللغة والدين والعادات والتقاليد والتوقعات ولكن بغض النظر عن أعداد البشر التي ستكون موجودة، فإنه يتوجب علينا ان نتعلم كيف نعيش بسلام معا أو لن نعيش على الاطلاق.

* جويل إي كوهين، أستاذ السكان في جامعة روكفلر وجامعة كولومبيا، مؤلف كتاب كم عدد الأشخاص الذين يمكنهم دعم الأرض؟
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق