في أكثر من موضع في القرآن الكريم، تتكرر العبارة: "يبدأ الخلق ثم يعيده" (يونس: 4، الروم: 11، الأنبياء: 104). هذه العبارة ليست مجرد وصف لحدث وقع في الماضي، بل تحمل دلالة فلسفية وعقائدية عميقة تشير إلى أن الخلق ليس لحظة واحدة، بل صيرورة مستمرة...
في أكثر من موضع في القرآن الكريم، تتكرر العبارة: "يبدأ الخلق ثم يعيده" (يونس: 4، الروم: 11، الأنبياء: 104). هذه العبارة ليست مجرد وصف لحدث وقع في الماضي، بل تحمل دلالة فلسفية وعقائدية عميقة تشير إلى أن الخلق ليس لحظة واحدة، بل صيرورة مستمرة.
القرآن يفتح أفقًا على فكرة أن الله لا يتوقف عن الفعل الخلاق، بل هو في "شأن" دائم كما يقول: "كل يوم هو في شأن" (الرحمن: 29). أي أن الكون في حالة خلق وتجدد مستمرين، وأن الله في كل لحظة يُوجد، ويُعيد، ويُطوّر ما خلق.
الخلق كصيرورة لا كحدث
بهذا المعنى، يصبح الخلق عملية جارية لا متناهية، تبدأ من الانفجار العظيم (وفق الفهم العلمي) ولا تتوقف، بل تمتد في توسع الكون، في تشكل النجوم والمجرات، في ولادة الحياة وتطورها، وفي موت الأشياء وعودتها إلى صور جديدة.
هل هناك دعم علمي لهذه الفكرة؟
العلم لا يستخدم تعبير "الخلق"، لكنه يصف كونًا ديناميكيًا، متغيرًا، غير ساكن:
- الانفجار العظيم كان بداية الزمن والمكان، لكنه لم يكن نهاية الحدث، بل شرارة البدء في عملية توسع وتشكل مستمرة.
- نظرية التطور تقدم الحياة ككائن يتجدد ويتكيف باستمرار. "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ" (السجدة 7)
- فيزياء الكم تتحدث عن أن الفراغ نفسه ليس ساكنًا بل يولد جسيمات جديدة باستمرار.
- الكون لا يزال يتوسع، وتتشكل نجوم ومجرات جديدة باستمرار. كل هذه الاكتشافات تدعم بشكل غير مباشر فكرة أن الخلق – أو إن شئنا: التكوين – لا يتوقف.
التأويل الروحي والمعرفي
حين نفهم الخلق بوصفه حركة مستمرة، وشأن دائم، فإننا نرى الكون كـ"ورشة إلهية" مفتوحة، لا كمنشأة أُنجزت وانتهت. وهذه رؤية تُعيد لنا الدهشة والرهبة من الوجود، وتُعيد صياغة علاقتنا بالله والكون والحياة، وتدفعنا للتفكر كما يدعونا القرآن في عشرات المواضع.
اضف تعليق