ومن بديع أساليب القرآن الكريم، هي منهج تقوية النفس للقاء الله، وتهذيبها، والابتعاد عن كل ما يشينها ويشوهها، ومن هنا تبدأ أولى خطوات السير في طريق الارتقاء بالإنسان من الأدنى إلى الأعلى، على وفق حكمة وعناية إلهية، ولو تأملنا محتوى السورة لوجدناها تحمل في طياتها روح التضحية، والإيثار، ونكران الذات...
ذكر كثير من علماء الجمهور أن هذه السورة مكية، وقال في ذلك ابن الجوزي في كتاب (زاد المسير)، وصحبته، وقادة، والزمخشري في (الكشاف)، والقرطبي في (الجامع لأحكام القرآن)، وأكد علماء الطائفة (فتح الغدير) وغيره على مكية السورة، وقالوا إن السورة نزلت في أهل البيت (عليهم السلام)، حيث كانوا صائمين فأعطوا فطورهم لمسكين ويتيما وأسيرا، فمدحهم الله تعالى على هذا الفعل، ومنهم من قال إنها نزلت في المدينة مثل: الطبري، السمرقندي، الطبرسي، الفخر الرازي، والماتريدي، وأولوا سبب النزول بأنها نزلت بحق علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وجارية لهم عندما صاموا ثلاثة أيام، وفي كل يوم كانوا يعطون إفطارهم لمسكين ويتيما وأسيرا، وورد عن المفسرين نزول السورة في أهل البيت (عليهم السلام) عندما نذروا إن شفي الحسن والحسين (عليهما السلام) أن يصوموا ثلاثة أيام، فلما شفيا صاموا وفي كل يوم كانوا يعطون فطورهم للمسكين واليوم الثاني لليتيم والثالث للأسير.
ففي الإسلام لا يوجد أسرى المسلمين، ولم يكن أسرى المسلمين، فالأسير هنا هو كافر، فمن غير المعقول أن يعطي الأسرى من طعامهم إذا كانوا فقراء، وقد نقل الحسن والحسين (عليهم السلام) بالنذر لله سبحانه بالصيام، ولم تذكر الشيعة في نقل هذه الرواية، بل رواها العامة في كتبهم.
والإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: «مرض الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما صبيان صغيران فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه رجلان من الصحابة، فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي (عليه السلام) إن برئا مما بهما أن يصوم ثلاثة أيام، وكذلك فاطمة (عليها السلام)، وفضة جارية لهم، فشفيا، فما بقي أحد من أهل البيت إلا صام، فأصبحوا صياما، وليس عندهم طعام، فانطلق علي إلى جار له من اليهود يقال له: شمعون، فقال له: أعطني جزّتين من شعير، فطحنت فاطمة صاعا وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرص، فلما أفضروا ووضعوا الطعام بين أيديهم، جاء مسكين فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء، فلما أصبحوا صاموا، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم جاءهم يتيم فآثروه، ثم أسير في اليوم الثالث، فأنزل الله فيهم قرآنا».
وذكر الإمام الباقر (عليه السلام): «ما نزلت سورة هل أتى على الإنسان إلا في أهل البيت، وما من عبد تلاها إلا دخل الجنة».
وقال الإمام الصادق: «اتقوا الله وكونوا قوارير، لا تفتنكم الدنيا، ولا تشغلكم، ولا تطغى بكم، فإنها تنسي الذكر، وتلهي القلب، وتحبط العمل، وإن أهل البيت قد أدوا حقوق الله على الإنسان في كل عبادة خمس جزاؤه الجنة وحور العين».
ومع أن السورة تحدثت عن النفس وشدة الصبر وسكون النفس وطمأنينتها، فإنها أيضا معجزة ربانية، نزلت بحق أناس معينين وصفتهم السورة بصفات معينة، ومواقف معينة، وهي ليست محض مصادفة (ولا تحتمل)، وكذلك عند قراءتها بتدبر وتأمل، نجد أن فيها من الإشارات والدلالات ما يميز هؤلاء الأشخاص عن غيرهم من الأبرار الصالحين.
ومن بديع أساليب القرآن الكريم، هي منهج تقوية النفس للقاء الله، وتهذيبها، والابتعاد عن كل ما يشينها ويشوهها، ومن هنا تبدأ أولى خطوات السير في طريق الارتقاء بالإنسان من الأدنى إلى الأعلى، على وفق حكمة وعناية إلهية، ولو تأملنا محتوى السورة لوجدناها تحمل في طياتها روح التضحية، والإيثار، ونكران الذات، وهذا لا يأتي إلا من أصحاب عقيدة، ذلك من المحب إنما تنفي الآية أو الرواية في فضلهم على من أن جعلهم القرآن في سويداء الضمائر والعقول، وتلهم الحساسيات الإنسانية، وقد شغلهم الله ورفع في خطر شأنهم يعدون أن علماء (عليهم السلام) خلفية ربانية ومن أئمة الإسلام العظام، وأنهم يردونون إلى أصل الرسالة نقية، لكن هذه الأفكار وليدة الإعلام المضلل.
اضف تعليق