عقد مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية حلقته النقاشية الشهرية تحت عنوان (الاصلاحات في العراق... بين الضغط الشعبي والممانعة السياسية)، حيث تمت استضافة استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور حميد فاضل في قاعة جمعية المودة والازدهار وبمشاركة نخبة من المختصين في المجالات الحقوقية والاكاديمية وناشطي حقوق الانسان.

وادار الحلقة النقاشية مدير المركز الاستاذ عدنان الصالحي متحدثا عن آليات الضغط الشعبي وما تمثله تلك الجزئية من مسارات ضاغطة باتجاه اجراء الاصلاحات السياسية في البلد، لاسيما اننا نعيش تبعات ازمة انخفاض اسعار النفط وتهاوي المخزون الاقتصادي، ناهيك عن الحرب ضد عصابات داعش، الى جانب ذلك هناك كتلة كاملة من الفساد تعتاش على هذه الفوضى.

واشار الصالحي: الى ان الضغط الشعبي الذي راهن عليه الكثيرون بالانتهاء يبدو سيستمر وسيتصاعد وان الممانعة السياسية لبعض الكتل السياسية تحاول ان تسوف المطاليب، الا ان الشعب العراقي ليس مستعدا للعودة الى نقطة الصفر.

اصلاح النظام السياسي بين التحدي والاستجابة

وفسح مدير الجلسة المجال امام استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور حميد فاضل ليطرح ورقته حيث قال، ان من يقرأ التاريخ وفلسفة ذلك التاريخ يتيقن بأن النظام السياسي في العراق الذي تشكل بعد عام 2003، يحاول ان يوازن بين بعدين الاول (التحدي) وهو بعد خارجي لهذا النظام والبعد الثاني (الاستجابة) التي تتعلق بالنظام السياسي نفسه.

وان التحدي الحقيقي اليوم يأتي من الشارع لان السلطة السياسية سواء كانت تنفيذية او تشريعية او قضائية جعلت بينها وبين الناس فاصلا، وان جوهر تلك القضية يقوم على نقطتين اساسيتين.

النقطة الاولى.. ان النظام السياسي الذي تشكل بعد عام من التغيير وحظي بدرجة عالية من المقبولية الان في اقل درجات المقبولية وهذه نقطة خطيرة.

النقطة الثانية.. ان المواطن الان اضحى في اعلى درجات التذمر وهذا يعني ان السخط والنقمة على هذا النظام في اعلى درجاته.

وعلى هذا الاساس قد يتبادر الى الذهن مجموعة تساؤلات اهمها كيف تعامل النظام السياسي مع هذا التحدي، هل تعامل بإيجابية بمرونة وهل استوعب هذه الدرجة البسيطة من تدني شعبية هذا النظام ام انه لم يستجب لهذا الموقف، مما أدخلنا في دوامة ازمات ومشاكل لها اول وليس لها اخر، عندها لابد ان نعترف حقيقة باننا بحاجة لمتطلبات.

المتطلب الاول والاساسي: ان تكون لنا رؤية استراتيجية واضحة للإصلاح وان لا يكون الاصلاح مجرد ردود افعال، وان تبعات تلك الخطوة تتحملها السلطات الثلاثة بشكل عام وتحديدا لدى السلطة التنفيذية بشكل خاص، والتي عليها المسؤولية الأكبر رغم كوننا في نظام برلماني وهو بإمكانه ان يقيل هيئة الرئاسة وان يستجوب رئيس الوزراء ثم يصوت على إقالته.

المتطلب الثاني: القيادة والإدارة التي تخلى عنها السيد العبادي حيث كان بإمكانه ان يأتي بحكومة من التكنوقراط وان يقوم بضرب مشروع المحاصصة، الا ان ذلك لم يتحقق ولأسباب عديدة وقد أعطيت الأحزاب والقوى السياسية فرصة احتواء التظاهرات وان تكون هي صاحبة الإصلاحات والمبادرة، في حين كان بإمكان رئيس الوزراء ان يقوم بهذا الدور وهو كان يمتلك المقومات مجتمعة ما عدا المقوم الأساسي وهو الرؤية والقيادة والارادة في اتخاذ قرارات مصيرية وحاسمة.

وأضاف الباحث في ورقته، انه لأجل أن تكون هناك اصلاحات حقيقية نحتاج الى بيئة سليمة وهذه البيئة ترتكز على ثلاث مقومات:

اولا/ ان يكون عندك مرتكز اقتصادي قوي ومتين وهذا غير متوفر لأننا في دولة ريعية اعتمدت على اسعار النفط وبالتالي مع وجود الفساد الكبير والهائل لم نمتلك مقوم اقتصادي ساند وداعم لموضوع الاصلاح.

ثانيا/ بيئة امنية سليمة فلا نريد لأي ازمة سياسية التأثير على الجانب الامني مخافة المساس بالانتصارات التي تحققها القوات الامنية والحشد الشعبي وفصائل المقاومة وكل الاجهزة الامنية الاخرى.

ثالثا/ الخشية ان لا تتوفر بيئة سياسية سليمة حيث انحرف النظام ديمقراطي الحالي بكل الياته عن الديمقراطية التعددية ذات البعد السياسي الى ديمقراطية مكونات مبنية على نظام سمي مع الاسف الشديد بالتوافق الوطني، لكن هو في حقيقة الامر محاصصة وهذا هو التحدي الاخطر والاكبر في موضوع الاصلاح، فيفترض ان تكون هناك بيئة سياسية داعمة للإصلاح لكنها تحولت الى بيئة طاردة ولا تصب في مشروع الاصلاح.

وبين الدكتور فاضل بأن الاصلاحات التي قدمها السيد العبادي في 9/8 واجهتها اشكاليات سريعة فهي لم تقم وزنا لمفهوم الاصلاح بمعناها العام، بل دعت الى موضوع اخر يعني بالتقشف وتخفيض الانفاق الحكومي وبالتالي معالجة الازمة الاقتصادية، ولهذا لم نسمع بخطوات اصلاحية تتعلق بتشريعات وقوانين تتعلق بإدارة الدولة وادارة البلاد.

حتى جاءت الورقة الثانية التي قدمها السيد رئيس الوزراء وكانت تتعلق بتخفيض الكابينة الوزارية من 33 وزير الى 22 وزير، وهذه خطوة ايجابية من حيث المبدأ الا انها لم تعالج جوهر المشكلة فالوزير اخذ حقوقه التقاعدية، وكذلك الحال بالنسبة للوكلاء الذين انتقلوا الى الوزارة التي تم دمجها مع نظيرتها، الموظف الحكومي هو الاخر انتقل الى الوزارة الجديدة وعندها هذه الخطوة لم تعالج الترهل الوظيفي، فلدينا اربعة ملايين موظف حكومي ولدينا ايضا قرابة ثلاثة ملايين ونصف متقاعد فالدولة تحولت من دولة خدمات الى رعاية اجتماعية وبالتالي لم يتم معالجة هذا الامر.

الاشكالية الاخرى.. تتعلق بالإشكالية الدستورية والقانونية طالما تحدث السيد رئيس الوزراء بان كل خطوات الاصلاحية محددها الاول هو عدم مخالفة الدستور والقانون، لكن جميع تلك الخطوات كانت مخالفة لمبدأ مهم من مبادئ الديمقراطية وهو الفصل بين السلطات.

وهذا كان واضحا على صعيد العلاقة مع السلطة التشريعية فالوزارة لا تشرع الا بقانون، وهذا القانون هو من صلاحية السلطة التشريعية فعندما نتحدث عن حل وزارة فهي تشكلت بموجب قرار من الحاكم المدني واكتسبت صفة قانونية وبالتالي حذفها يحتاج الى تشريع من البرلمان داخل اطار السلطة التنفيذية.

الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ايضا من الاشكاليات فرئيس الوزراء دائما ما يتحدث عن الغاء المحاصصة وفي مكان اخر يتحدث عن المكونات.

ان التظاهرات الجماهيرية هي علامة مضيئة أعادت للنظام السياسي حيويته ونشاطه من اجل سد الباب امام سيطرة الاحزاب، وان مهمة الاصلاح الحقيقية تتركز نحو محاربة الفساد الذي حول العراق الى دولة فاشلة.

بعد ذلك فتح مدير الجلسة النقاشية الباب امام الحاضرين ليشاركوا بمداخلاتهم وطرح اسئلتهم واشكالياتهم للاجابة عنها بوضوح تام من قبل صاحب تلك الورقة.

المداخلات:

الاديب خالد مطلك العبودي الامين العام لمؤسسة المسرة الثقافية في العراق ومدير مكتب المفوضية الدولية لحقوق الانسان في كربلاء.. توجه بالسؤال مباشرة الى من وصفهم بحيتان السياسة الذين نسوا وتناسوا الظلم الكبير الذي وقع على الشعب العراق.

واضاف العبودي.. ان العراق اليوم يعيش في مركب تتلاطمه الامواج فقد فشلت الزراعة والصناعة والتجارة والفشل الاكبر طال وزارة التربية فليس هناك من رؤية مستقبلية فالمناهج الدراسية وللمرحلة الابتدائية لا تصلح للطفل العراقي ولا تتناسب ومستوى قدراته العقلية والذهنية، وهذا هو التهديد الحقيقي فما قيمة الرئاسات الثلاث وهذا الانحراف بالبنية التحية للطفل العراقي حيث يمثل مستقبل الامة.

يكمل العبودي.. الاصلاح يبدأ من القضاء وحل مجلس النواب كليا ويكون البديل هيئة حكيمة تبدأ بتشكيل حكومة انتقالية ثم وضع خطط زمنية كبيرة لإصلاح ما فسد في العراق، واصلاح المفوضية المستقلة للانتخابات وهي غير مستقلة في حقيقة الامر لأنها وزعت كمحاصصة وكل المؤسسات الباقية العاملة في العراق هي غير مستقلة..

من جانبه سامر حسن الناطق الاعلامي لتنسيقية كربلاء طرح تساؤلات، عن قيام المواطن بمسؤوليته وهي تحتاج لوعي عالي فكيف يتم ذلك بأبسط الوسائل، وعن الحراك السياسي الموجود داخل البرلمان هل يدعو للأمل والثقة وهل يجب على المواطن دعمه مع العلم ان هناك وجوه لم يثبت صحة مواقفها الوطنية، وماذا لو تم الاصلاح اليوم ومن ثم عاد الشعب وترك دوره كما فعل ويفعل الان.

ايهاب جواد رئيس تنسيقية كربلاء: يرى ان القوة الشعبية لا تتناسب وحجم المطالب وهو يتساءل كم نحتاج من التظاهرات واعداد المتظاهرين كي نحقق ما نرجوه، وايضا يستفسر حول كيفية معالجة الترهل الحكومي وما هو موجود من مستشارين ومناصب على مستوى الرئاسات الثلاث.

احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات قال، العنوان كان متماسكا الى حد كبير لكنه لم اسمع شيء عن الاصلاح وعن الضغط الشعبي والممانعة السياسية من خلال التساؤلات المطروحة، وان الاصلاح يجب ان يكون في المؤسسات وليس في استبدال الاشخاص.

والاخ الباحث ركز كثيرا على الوصف القانوني ولم يبدي لنا الدوافع السياسية في الممانعة والمماطلة لبعض الكتل التي تقف موقف صلب من التغيير السياسي، وان مصالح الكتل السياسية تم ترجيحها على مصالح الشعب، وان وقادة الكتل السياسية خلعوا على انفسهم العديد من التوصيفات واعطوا لأنفسهم صفه اكبر حتى من الصفة الرسمية ومن الحصانة التي يعطيها القانون لأعضاء مجلس النواب.

الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية باسم عبد عون فاضل قال، ان العراق جرب كل الانظمة ابتداء من النظام الملكي والجمهوري والنظام الديمقراطي ونظامنا السياسي اليومي لا يتماشى مع مخرجات الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي العراقي، علما ان المنظومة القانونية والدستورية هي من تحث وبشكل مباشر وصريح على القومية وعلى المكونات الطائفية والاثنية فكيف نعول على ذلك الدستور ياترى؟.

الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام قال، مراكز البحوث لابد ان تركز على العبر من التطورات الحاصلة، فمصطلح الممانعة السياسية حيث عملت بعض الكتل السياسية على الوقوف بالضد من الاصلاح، وهذا ينم عن جهل تلك الكتل وعدم معرفتها بالمتغيرات الحاصلة بالعراق والمنطقة وهذا حتما سيؤدي الى نهايتها، خصوصا وانهم كانوا يعتمدون على شيء اسمه المحاصصة وعلى بعض الاعراف السياسية التي اوجدوها هم بأنفسهم كتوزيع المناصب والمغانم.

 الدرس الثاني نحن نجحنا في الابتعاد عن ممارسة العنف وترسخت ممارسة الاستخدام السلمي في المعارضة، الدرس الاخر الذي لابد التأكيد عليه هو اهمية التداول السلمي للسلطة والابتعاد عن سياسات التشبث بالسلطة والوقوف على حافة الهاوية، حيث يصبح التداول السلمي قاعدة مقدسة وثقافة راسخة فالبقاء ليس للشخص بل للمؤسسات ودولة المؤسسات.

 درس اخر وعبرة مهمة لم نصل اليها الى الان وهو الشفافية والرقابة، فنحن لا نستطيع ان نتحدث عن الفساد وعن الصفقات المشبوهة، وايضا نحن الى الان لم نستطيع تشريع قوانين تخدم الاهداف المطلوبة، فالمال السياسي يصنع قوانين تخدمه كي يعود للسلطة من جديد، الشيء الاخير نحن نحتاج الى بناء الثقة الداخلية فالشعب العراقي والقوى الاقليمية والعالم ليس له ثقة بالعراق فهناك ثقوب سوداء تتوسع بالفساد والمحاصصة وتلتهم كل حقوق الشعب.

ثائر الاسدي رئيس المنتدي العربي للتنمية البشرية قال، ان كل دول العالم التي مرت بنفس ظروف العراق مرت بدائرة الإصلاح من خلال تلك الثلاثية اصلاح التعليم واصلاح الاقتصاد واصلاح النظام السياسي، وتسال ايضا من جهة اخرى عن تلك الاطراف التي تطالب بالإصلاح وهل لديها رؤية استراتيجية، وهل القائمين والمؤسسين للنظام السياسي قاموا بصياغة النظام بكل مفرداته بشكل يصعب احداث تغيير فيه.

توصيات واستنتاجات

- وجود اقتصاد قوي ومتين في دولة غير ريعية

- التظاهرات الجماهيرية هي علامة مضيئة أعادت للنظام السياسي حيويته ونشاطه

- الاصلاح يبدأ من القضاء واصلاح المفوضية المستقلة للانتخابات والهيئات الاخرى

- الاصلاح يجب ان يكون في المؤسسات وليس في استبدال الاشخاص.

- التظاهرات الحالية اثبتت حقيقة ترسيخ ممارسة المعارضة السلمية والابتعاد عن العنف

- التأكيد على اهمية التداول السلمي للسلطة واعتباره قاعدة مقدسة وثقافة راسخة

- منظمات المجتمع المدني والنخب الثقافية لها دور في إنضاج الوعي الجماهيري

- البرلمان العراقي لابد ان يتحمل مسؤولياته في المراقبة والتشريع

- التأكيد على الارادة الوطنية الصلبة في المطالبة بالإصلاح

- الإصلاح يبدأ من اصلاح التعليم

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

 

اضف تعليق