يجمع اسم الحركة بين “جيل زد” أي الفئة العمرية التي ينتمي إليها أفرادها وهم مواليد نهاية العقد الأخير من القرن الماضي وبداية العقد الأول من القرن الحالي، وبين الرقم 212 وهو رمز الاتصال الهاتفي الدولي بالمملكة. وانطلقت التظاهرات عقب وفاة ثماني حوامل في المستشفى العام المحلي حيث كنّ قد...

طالبت الحركة الشبابية “جيل زد 212” مساء الخميس بإقالة الحكومة، بعد ليلة سادسة على التوالي من التظاهرات التي شابها العنف احتجاجا على تردي الخدمات الصحية والتعليمية.

وحركة (الجيل زد 212) مستوحاة من احتجاجات مماثلة قادها شبان في آسيا وأمريكا اللاتينية.

في حي أكدال التجاري وسط العاصمة، تجمع عشرات الشباب حمل بعضهم الأعلام الوطنية ورددوا شعارات مثل “نريد مستشفيات ليس فقط الملاعب”، “الشعب يريد الصحة والتعليم”، قبل أن تنفض في هدوء وفق مراسل وكالة فرانس برس.

وتجمع مئات في تظاهرات مماثلة في الدار البيضاء وأكادير ومراكش، وفق بث مباشر على مواقع إخبارية مغربية، مرددين شعارات مماثلة مع التأكيد على “السلمية”.

وبعد ساعات على تأكيده استعداد الحكومة للحوار، استهدفت بعض الشعارات رئيس الوزراء عزيز أخنوش مطالبة برحيله.

هذه المرة الثانية التي تسمح فيها السلطات بالتظاهر تلبية لنداء هذه المجموعة الشبابية التي تصف نفسها بأنها “مساحة للنقاش” حول مسائل مثل الصحة والتعليم ومكافحة الفساد.

وتأتي الاحتجاجات غداة مقتل ثلاثة أشخاص برصاص قوات الأمن المغربية أثناء محاولتهم اقتحام ثكنة للدرك جنوب المملكة خلال أعمال عنف غير مسبوقة أعقبت دعوات التظاهر، في مدن لم تكن ضمن المواقع التي دعت الحركة للخروج فيها.

والخميس قالت الحركة في بيان “نؤكد للرأي العام والسلطات أنّ مظاهراتنا ستكون سلمية بالكامل، ونرفض أي شكل من أشكال العنف أو التخريب أو الشغب”. 

كما جدّدت التأكيد على مطالبها وأبرزها “تعليم يليق بالإنسان وبدون تفاوتات” و”صحة لكل مواطن بدون استثناءات”.

وقالت حركة “جيل زد 212” في بيان موجه إلى الملك محمد السادس “نطالب بإقالة الحكومة الحالية لفشلها في حماية الحقوق الدستورية للمغاربة والاستجابة لمطالبهم الاجتماعية”.

بينما لا تكشف الحركة هوية القائمين عليها حيث يجتمع منتسبوها للنقاش والتصويت كل ليلة على موقع ديسكورد، أكد كاتب الدولة المكلف بالإدماج الاجتماعي عبد الجبار الرشيدي “استعداد الحكومة لنقل النقاش حول مطالب التعبيرات الشبابية من العالم الافتراضي الى حوار داخل المؤسسات”.

ويجمع اسم هذه الحركة بين “جيل زد” أي الفئة العمرية التي ينتمي إليها أفرادها وهم مواليد نهاية العقد الأخير من القرن الماضي وبداية العقد الأول من القرن الحالي، وبين الرقم 212 وهو رمز الاتصال الهاتفي الدولي بالمملكة.

وانطلقت إثر تظاهرات في أكادير منتصف أيلول/سبتمبر عقب وفاة ثماني حوامل في المستشفى العام المحلي حيث كنّ قد أُدخلن لإجراء عمليات قيصرية. أشعل هذا الحدث سلسلة من الاحتجاجات في مدن أخرى.

باشرت المملكة التي تستضيف كأس العالم 2030 مع إسبانيا والبرتغال، وستستضيف كأس الأمم الأفريقية نهاية عام 2025، مشاريع كبرى في البنية التحتية: بناء ملاعب جديدة وتوسيع شبكة القطارات عالية السرعة وتحديث العديد من المطارات.

كما أطلقت عدة مشاريع لبناء مستشفيات وزيادة عدد الأطباء، “تظل غير كافية لتغطية الخصاص (النقص) الذي يعاني منه القطاع لاسيما في بعض الأقاليم والجهات”، وفق ما أوضح وزير الصحة أمين تهراوي في البرلمان مساء الأربعاء.

في وقت سابق الخميس أعرب رئيس الوزراء المغربي عزيز أخنوش عن أسفه لمقتل ثلاثة أشخاص خلال أعمال العنف التي هزت عدة مدن مغربية صغيرة مساء الأربعاء.

وقال أخنوش في أول كلمة له منذ بدء الاحتجاجات السبت الماضي “سجلنا للأسف مقتل ثلاثة أشخاص” إثر “الأحداث المؤسفة التي شهدناها خلال اليومين الماضيين”.

من جهته أوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية رشيد الخلفي بأن الأشخاص الثلاثة الذين لم تُكشف هوياتهم، قُتلوا على يد رجال الدرك “دفاعًا عن النفس” أثناء محاولتهم “اقتحام” لواء درك في جنوب البلاد. 

كان المهاجمون يحاولون دخول المركز للاستيلاء على “ذخيرة وأسلحة خدمة” وفقا للسلطات.

وأضاف إن أعمال العنف والشغب في اليوم السابق “عرفت للأسف، في مناطق متفرقة، أبعادا أشد جسامة وأكثر خطورة، بانخراط المشاغبين في عمليات هجوم، باستعمال الأسلحة البيضاء، واقتحام واكتساح بنايات مملوكة للدولة ومقرات مصالح أمنية”.

وأكد التزام السلطات “بالسهر على صون النظام العام وضمان ممارسة الحقوق والحريات في نطاقها المشروع وضمن الأطر القانونية المحددة”.

صدمة في المملكة الهادئة

خلفت أحداث الأربعاء صدمة في المملكة الهادئة عموما وتورط فيها الكثير من القاصرين. بينما نأت الحركة الداعية للتظاهرات بنفسها عنها.

وفي سلا، المدينة التوأم للرباط، أضرم ملثمون النار في سيارتي شرطة وفرع مصرف دون ترديد أي شعارات، بحسب مراسل فرانس برس.

غداة هذه الأحداث قال أحد سكان المدينة ويدعى هشام مدني لوكالة فرانس برس “الذين قاموا بالتخريب في سلا لا علاقة لهم بشباب “جيل زد212″، إنهم مارقون جاؤوا بنية التخريب”.

وعلى الرغم أن أعداد الحشود لم تكن كبيرة، فقد أثارت الاحتجاجات التي تزداد عنفا أسوأ اضطرابات بشوارع المغرب منذ المظاهرات الحاشدة في منطقة الريف عامي 2016 و2017.

وشهدت الليلة الماضية سقوط أول وفيات معلنة، إذ قالت السلطات إن قوات الأمن أطلقت النار على ثلاثة شبان مسلحين بسكاكين كانوا يحاولون سرقة أسلحة وذخيرة في القليعة قرب أغادير فأردتهم قتلى.

واستخدمت الحركة منصات على الإنترنت مثل تيك توك وإنستجرام وتطبيق الألعاب ديسكورد.

ونددت (الجيل زد 212) بالعنف ودعت إلى احتجاجات سلمية جديدة في المدن الكبرى.

وقالت في بيان على تطبيق ديسكورد "إلى كل الشباب الخارج للاحتجاج: نطالبكم بالالتزام بالمبادئ الثلاثة الواضحة: 1- لا كلام نابيا ولا إهانات. 2- لا شغب ولا تخريب للممتلكات العامة والخاصة. 3- لا تراجع عن السلمية وحافظوا على كرامتكم وكرامة الحراك".

وتعهدت السلطات بملاحقة المشاركين في أعمال النهب أو التخريب. وقال أحمد والي علمي، المسؤول الكبير بمكتب المدعي العام، لوكالة المغرب العربي للأنباء "أعمال التخريب وإضرام النار وأعمال العنف التي طالت الممتلكات العامة والخاصة وألحقت أضرارا بدنية بالأشخاص عقب الوقفات غير المصرح بها، لا علاقة لها بأي شكل من الأشكال بحرية التعبير".

وأضاف أنها "عبارة عن أفعال إجرامية يعاقب عليها القانون الجنائي بعقوبات سجنية ثقيلة تتراوح بين 10 و20 سنة سجنا وقد تصل في بعض الأحيان إلى 30 سنة وأحيانا أخرى إلى المؤبد إذا اقترنت بظروف تشديد".

احتجاجات بالمدن الكبرى

ويعتزم المنظمون تنظيم احتجاجات مساء اليوم في المدن الكبرى. إلا أن بعضا من أعنف الاشتباكات وقعت في بلدات ومدن أصغر لم تعلن فيها الحركة عن احتجاجات مخطط لها.

وحركة (الجيل زد 212) مستوحاة من احتجاجات مماثلة قادها شبان في آسيا وأمريكا اللاتينية. وارتفع عدد الأعضاء في خادم ديسكورد الخاص بالحركة من نحو 3000 الأسبوع الماضي إلى أكثر من 150 ألفا اليوم.

وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية المغربية رشيد الخلفي إن سبعين بالمئة من المشاركين في أعمال التخريب والاشتباكات مع قوات الأمن في مختلف أنحاء المغرب كانوا من القصر.

وأضاف "عناصر الدرك الملكي اضطرت إلى استعمال السلاح الوظيفي في إطار الدفاع الشرعي عن النفس، نتج عنه تسجيل ثلاث وفيات"، وذلك بعد انخراط مثيري الشغب في عمليات هجوم بأسلحة بيضاء واقتحام بنايات مملوكة للدولة ومقرات ومصالح أمنية.

وقالت وزارة الداخلية إن عدد المصابين ارتفع بحلول اليوم الخميس إلى 640، بينهم 589 من عناصر قوات الأمن. وأضافت أن 413 مركبة تابعة لقوات الأمن و195 سيارة خاصة تضررت.

وقال المتحدث باسم الوزارة إن السلطات "ستواصل تنفيذ العمليات النظامية والأمنية الرامية إلى توقيف كافة المتورطين في أعمال العنف والشغب وذلك بما تقتضيه المسؤولية الملقاة على عاتقها من حزم وصرامة في مواجهة كل الأفعال المخالفة للقانون".

وقوض تصاعد العنف الدعم الشعبي لحركة الاحتجاج على ما يبدو.

وقالت فاطمة (54 عاما) أمام بنك أُحرق في منطقة مكتظة بالسكان في سلا، قرب الرباط "كنت أدعم مطالبهم بشأن التعليم والصحة لكن بعد أن رأيت هذا الحريق أتساءل كيف سيساعدهم هذا في تحقيق المطالب؟".

الفساد والبطالة

وفي طنجة، على مضيق جبل طارق، رشق شبان قوات الأمن بالحجارة.

وشهدت بلدات صغيرة في منطقة سوس القريبة من أكادير لليلة الثانية على التوالي بعض أكثر الاضطرابات حدة. وفي سيدي بيبي، أحرق شبان ملثمون مقر الجماعة الحضرية (مبنى البلدية) وأغلقوا طريقا رئيسيا، حسبما قال حسن بركوز وهو من السكان المحليين.

وإلى الجنوب من أكادير في بيوكرة، تم نهب أحد البنوك وإتلاف متاجر.

وقال عبد السلام الشكري، وهو ناشط محلي في المجتمع المدني "كنت في المقهى أشاهد مباراة باريس سان جيرمان وريال مدريد عندما بدأ الشبان برشق المحلات التجارية بالحجارة. شاهدنا المباراة ونحن لا نزال داخل المقهى المغلق".

وذكر موقع لو ديسك المحلي أن مدينة مراكش، المركز السياحي في المغرب، شهدت اشتباكات عنيفة حيث أحرق المتظاهرون مركزا للشرطة.

وتصاعدت موجة الغضب تلك عقب احتجاجات سابقة في أكادير بسبب سوء أوضاع المستشفيات، والتي سرعان ما امتدت إلى مدن أخرى.

ففي تارودانت، وهي مدينة هادئة عادة شرقي أكادير، وقعت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن وتعرضت متاجر لهجمات وأحرقت سيارات.

وعلى النقيض من ذلك، خرجت مظاهرات سلمية في الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، وفي مدينتي وجدة وتازة شرق البلاد.

ودعا المتظاهرون هناك رئيس الوزراء عزيز أخنوش إلى الاستقالة ورددوا شعارات مثل "الشعب يريد القضاء على الفساد".

وتبلغ نسبة البطالة في المغرب 12.8 بالمئة، وتصل نسبتها بين الشبان إلى 35.8 بالمئة و19 بالمئة بين الخريجين، وفقا للمندوبية السامية للتخطيط.

وفي حين شهد المغرب احتجاجات سلمية عدة مرات بسبب المظالم الاقتصادية والاجتماعية، فإن اضطرابات هذا الأسبوع هي الأعنف منذ مظاهرات 2016-2017 في منطقة الريف الشمالية.

وقالت وزارة الداخلية إنها تضمن الحق في التظاهر السلمي ضمن الحدود القانونية وتعهدت بالرد "بتحفظ وضبط للنفس وعدم الانسياق وراء الاستفزازات".

وقال رشيد الخلفي المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية إن الاحتجاجات المستمرة شهدت "تصعيدا خطيرا مس بالأمن والنظام العامين"، وإن "مجموعة من الأشخاص استعملوا أسلحة بيضاء وزجاجات حارقة والرشق بالحجارة... إضافة إلى إضرام النار وإلحاق أضرار جسيمة بـ 142 عربة تابعة للقوات العمومية و20 سيارة" خاصة.

وفي آيت عميرة الواقعة على بعد 560 كيلومترا جنوبي الرباط، أظهرت لقطات نشرتها وسائل إعلام محلية متظاهرين يقلبون ويتلفون عددا من سيارات قوات الأمن ويحرقون أحد البنوك.

وفي إنزكان، أظهرت مقاطع مصورة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي متظاهرين ملثمين يحرقون أحد البنوك، بينما اشتبك آخرون مع الشرطة التي استخدمت خراطيم المياه.

ووفقا لشهود ومقاطع مصورة على الإنترنت جرى إحراق بعض السيارات وسعت مجموعة من المحتجين لاقتحام سوق رئيسية.

وإلى الجنوب في تيزنيت، قال شهود لرويترز إن عشرات المحتجين رشقوا أفراد إنفاذ القانون بالحجارة أثناء محاولتهم تفريق مسيرة.

وهتف المتظاهرون لفترة وجيزة بشعارات من بينها "الشعب يريد إنهاء الفساد".

وفي وجدة، أفادت وكالة المغرب العربي للأنباء بإصابة متظاهر بجروح خطيرة بعدما صدمته سيارة تابعة لقوات الأمن.

وفي الرباط، أفاد شاهد لرويترز بأن الشرطة اعتقلت عشرات الشبان أثناء محاولتهم البدء في ترديد شعارات في حي مكتظ بالسكان.

وندد حكيم سايكوك، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الرباط، بالاعتقالات باعتبارها غير دستورية.

وفي الدار البيضاء، أفاد الادعاء العام بأنه يحقق مع 24 متظاهرا أغلقوا طريقا.

حوار داخل المؤسسات

وأصدر الائتلاف الحكومي بيانا عبر فيه عن استعداده للحوار مع الشباب "داخل المؤسسات والفضاءات العمومية وإيجاد حلول واقعية وقابلة للتنزيل للانتصار لقضايا الوطن والمواطن".

كما أشاد البيان بما أسماه برد الفعل المتوازن للسلطات الأمنية بما يتماشى مع الإجراءات القانونية ذات الصلة.

وتطالب الاحتجاجات الأحدث بالحرية والعدالة والكرامة الاجتماعية، وأيضا بتحسين الخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم، وذلك بعد وفاة ثماني نساء أثناء الوضع في أقل من شهر بمستشفى "الحسن الثاني" في أغادير.

وبينما لا تكشف الحركة هوية القائمين عليها حيث يجتمع منتسبوها للنقاش والتصويت كل ليلة على موقع ديسكورد، أكد كاتب الدولة المكلف بالإدماج الاجتماعي عبد الجبار الرشيدي “استعداد الحكومة لنقل النقاش حول مطالب التعبيرات الشبابية من العالم الافتراضي الى حوار داخل المؤسسات”.

وانتقد المحتجون أيضا تحسين المغرب للبنية التحتية الرياضية، وإنفاق مليارات الدولارات استعدادا لنهائيات كأس أمم أفريقيا لكرة القدم 2026 ونهائيات كأس العالم لكرة القدم بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال في 2030.

وباشرت المملكة التي تستضيف كأس العالم 2030 مع إسبانيا والبرتغال، وستستضيف كأس الأمم الأفريقية نهاية عام 2025، مشاريع كبرى في البنية التحتية: بناء ملاعب جديدة وتوسيع شبكة القطارات عالية السرعة وتحديث العديد من المطارات.

كما أطلقت عدة مشاريع لبناء مستشفيات وزيادة عدد الأطباء، “تظل غير كافية لتغطية الخصاص (النقص) الذي يعاني منه القطاع لاسيما في بعض الأقاليم والجهات”، وفق ما أوضح وزير الصحة أمين تهراوي في البرلمان.

وتمكنت مجموعة من المحتجين في وسط مدينة الرباط من الهتاف لفترة وجيزة “حرية، كرامة، عدالة اجتماعية”، وهو شعار يردد صدى مظاهرات عام 2011 التي دفعت إلى إصلاح دستوري نقل المزيد من السلطات من الملك إلى الحكومة المنتخبة.

وقال إبراهيم (25 عاما) قبل لحظات من فراره بينما كانت الشرطة تسعى لمنع الناس من الانضمام إلى الاحتجاج “نريد نظاما صحيا أفضل ومساءلة”.

وقالت الحكومة المغربية إنها تتفهم المطالب الاجتماعية ومستعدة للتجاوب الإيجابي والمسؤول معها، وقالت رئاسة الحكومة في بيان حصلت رويترز على نسخة منه إنها “وبعد استعراضها لمختلف التطورات المرتبطة بالتعبيرات الشبابية في الفضاءات الإلكترونية والعامة، تؤكد على حسن إنصاتها وتفهمها للمطالب الاجتماعية، واستعدادها للتجاوب الإيجابي والمسؤول معها عبر الحوار والنقاش داخل المؤسسات والفضاءات العمومية وإيجاد حلول واقعية وقابلة للتنزيل للانتصار لقضايا الوطن والمواطن”.

ودعت منظمة العفو الدولية السلطات المغربية إلى “احترام حق التظاهر” وأن “تطلق فورا وبدون شروط (سراح) كل شخص اعتقل وهو يدافع عن حقه في التظاهر السلمي”.

ومن بين شعارات هؤلاء الشبان “ما بغيناش (لا نريد) كأس العالم الصحة أولا”، في إشارة إلى إنفاق ملايين الدراهم على البنية التحتية والملاعب استعدادا لاستضافة المغرب لنهائيات كأس أفريقيا في 2026 وكأس العالم في 2030 لكرة القدم بالمشاركة مع إسبانيا والبرتغال.

وأضافت الحكومة في بيانها أن “المقاربة المبنية على الحوار والنقاش هي السبيل الوحيد لمعالجة مختلف الإشكالات التي تواجهها بلادنا”.

وقالت إنها “تؤكد وعيها بمختلف التراكمات والإشكالات التي تعرفها المنظومة الصحية منذ عقود، كما تؤكد أن طموح الإصلاح الصادر عن هذه التعبيرات الشبابية يلتقي مع الأولويات التي تشتغل عليها الحكومة”.

تردي خدمات القطاع الصحي يكشف عن تناقضات

تُركت المغربية فاطمة (34 عاما) تكابد ألام المخاض أمام باب مستشفى حكومي بالقنيطرة ‬‬‬‬‬على بعد 40 كيلومترا شمالي الرباط، ليستقبلها بعد أن تدهورت حالتها الصحية وأوشكت أن تضع جنينها على الأسفلت.

وقالت فاطمة لرويترز "زوجي يشتغل حارس سيارات، ولا خيار لي سوى التوجه إلى هذا المستشفى سيئ الذكر، المعاملة سيئة، فلا أحد يهتم بالفقراء".

وأضافت "الناس تتكدس أمام الباب، ومن معه المال يدخل من باب آخر بعد أن يدفع رشوة، أو يدخل لأن له معارف أو أقارب داخل المستشفى".

وتروي كيف كانت تئن من الألم لكن لا أحد اهتم بها بل وطُلب منها الانتظار لحين فتح باب المستشفى وأدخلوها بعدما بدأت الولادة بالفعل وأصابها الإنهاك الشديد وكان وضع الجنين حرجا إذ التف الحبل السري حول عنقه.

ولحسن حظها، وضعت جنينها بسلام لكن المستشفى طلب من زوجها نفقات وأدوية لم يستطع توفيرها ليتدخل حينها "المحسنون".

حالة فاطمة ليست استثنائية في مستشفيات المغرب، خاصة العمومية منها، حيث أنجبت نساء على أبواب مستشفيات وأحيانا أخرى في حديقة مستشفى أو حتى في مرافق تابعة لمستشفى تفتقر إلى تدابير السلامة، وترد أنباء تلك الحالات من حين لآخر في وسائل إعلام محلية.

ويعاني أيضا سكان المناطق الجبلية والنائية من قلة المستشفيات وندرة الخدمات الصحية حيث يحمل الأهالي أغلب المرضى (خاصة النساء الحوامل) على ظهور الدواب وأحيانا على النعوش لسلك الطرق الوعرة.

ويشتكي عدد من المواطنين من سوء المعاملة والمحسوبية وتفشي الرشوة ونقص التجهيزات في مستشفيات القطاع العام.

واحتل المغرب المرتبة 94 من أصل 99 دولة في مؤشر الرعاية الصحية العالمي لعام 2025.

وبحسب الإحصائيات الرسمية لعام 2024، يقدر عدد الأطباء في القطاع العام بنحو 15 ألفا في بلد يتجاوز عدد سكانه 36 مليون نسمة.

وهو ما يعني أن عدد الأطباء في المغرب يبلغ أربعة لكل 10 آلاف نسمة، أي أقل من المعايير الدولية التي توصي بما يتراوح من 10 أطباء إلى 15 طبيبا لكل 10 آلاف نسمة.

واحتج عدد من المغاربة أمام مستشفى الحسن الثاني بأغادير جنوبي المغرب، الذي وصفوه بأنه "مستشفى الموت"، بعد وفاة ثماني نساء حوامل فيه خلال أقل من شهر.

ودعا نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى الاحتجاج سلميا مطلع الأسبوع الحالي على ما وصفوه بتردي الخدمات الصحية.

وصف العاهل المغربي محمد السادس في خطاب عيد الجلوس على العرش في يوليو تموز الماضي التحولات في البلاد بأنها تمضي "بسرعتين".

وقال إن المغرب "حافظ على وتيرة نمو جيدة" وإن بعض القطاعات الحيوية شهدت قفزة نوعية لكن "مع الأسف لا تزال هناك بعض المناطق لا سيما في العالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية".

وأضاف أن هذا "لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم... فلا مكان اليوم ولا غدا لمغرب يسير بسرعتين".

هي إشارة من أعلى سلطة في البلاد إلى التناقضات بين المناطق القروية والحضرية.

ودفعت الاحتجاجات على الوضع الصحي وزير الصحة أمين التهراوي لتفقد عدد من المستشفيات وإعفاء مدير مستشفى الحسن الثاني بأغادير من مهامه، إلى جانب مسؤولين آخرين.

ولم ترد وزارة الصحة بعد على طلب من رويترز للتعليق، وأحجم مسؤولون حكوميون عن التعليق.

وأقر المغرب في 2021 نظام "التغطية الصحية الإجبارية"، ويهدف إلى توفير الرعاية الصحية الشاملة للمواطنين عبر نظامين رئيسيين هما نظام اشتراك لذوي الدخل المتوسط، ونظام تضامني للفئات غير القادرة على دفع اشتراكاتها بدعم من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

أزمة داخلية أم إملاءات خارجية

جاء في دراسة نشرتها جمعية (أطاك)، وهي مؤسسة مغربية مستقلة تأسست عام 2005، أن "إرساء أنظمة التغطية الصحية استخدم كمدخل لتبرير إلغاء مبدأ مجانية العلاج".

وقالت الدراسة إن هذه التغطية "هجوم صريح على مجانية العلاجات.. لأن معظم التكاليف أصبح يتحملها الفقراء وليس ميزانية الدولة من خلال النظام الضريبي".

وقال رشيد بوعبيد أستاذ علم الاجتماع في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة لرويترز "السياسة الصحية في المغرب تعاني من أعطاب ومشاكل متعددة، مرتبطة بالمنظومة الصحية وبالسياسات التي تؤطر هذه المنظومة".

وأضاف "هناك شعور عام لدى المواطن بأن الدولة تخلت عن هذا القطاع لصالح القطاع الخاص".

وقال بوعبيد إن المؤسسات الدولية المانحة والداعمة للمغرب في المجال الصحي تفرض رؤيتها عن طريق توصيات أبرزها "سياسة التقويم الهيكلي" التي فرضت على الدولة أن ترفع يدها بشكل تدريجي عن قطاعات اجتماعية مثل الصحة والتعليم.

وبحسب عدة تقارير محلية ودولية، تعد أسعار الأدوية في المغرب الأغلى مقارنة مع دول في شمال أفريقيا وأوروبا.

وقال الطالب محمد أمين (23 عاما)، من وسط العاصمة الرباط بعد فض السلطات احتجاجات أمس السبت "ماذا يعني إعلان الحكومة عن بناء مدينة للألعاب الإلكترونية بمبلع 27 مليار درهم (نحو 2.7 مليار دولار) ونساء يتوفاهن الله في مستشفيات تفتقد لأبسط المقومات الصحية والإنسانية".

وأضاف "من حقي كمواطن أن أختار أولوياتي، أريد صحة وتعليما جيدين وأن تضمن لي الدولة الحق في الشغل".

وقال إدريس السدراوي رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان لرويترز "الوضع الصحي في المغرب يعيش أزمة عميقة ومركبة، عنوانها الأبرز هو غياب حكامة جيدة، وضعف الاستثمار في البنيات الأساسية".

وأضاف "اليوم القطاع الخاص أصبح مهيمنا ليس فقط من حيث البنيات، بل أيضا من حيث القرار الصحي في ظل تراجع المرفق العمومي والنتيجة أن المواطن المغربي يجد نفسه بين مطرقة غلاء القطاع الخاص الذي يفتقد في كثير من الأحيان إلى الجودة المطلوبة وسندان قطاع عمومي منهك وضعيف الإمكانات".

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

اضف تعليق