قرر نتنياهو أخيرا أن يتحرك بمفرده وأمر بشن هجوم جوي تقول إسرائيل إنه يهدف إلى منع إيران من حيازة أسلحة دمار شامل. واستحضر نتنياهو في كلمة إلى الأمة، أهوال المحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية لتبرير قراره. وقال قبل قرن تقريبا، تقاعس جيل من الزعماء عن التحرك في...

شنت إسرائيل ضربات واسعة النطاق على إيران يوم الجمعة وقالت إنها استهدفت منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية وقادة عسكريين، وإن هذه بداية عملية مطولة لمنع طهران من صنع سلاح نووي.

وتوعدت إيران برد قاس. وقالت إسرائيل إنها تعمل على التصدي لنحو مئة طائرة مسيرة أطلقتها طهران صوب إسرائيل ردا على الهجمات.

وقال مصدر أمني إسرائيلي إن قوات كوماندوز من الموساد عملت في العمق الإيراني قبل الهجوم كما قاد جهاز المخابرات الإسرائيلي والجيش سلسلة من العمليات السرية على ترسانة إيران الصاروخية.

وأضاف المصدر أن إسرائيل أقامت أيضا قاعدة هجوم بطائرات مسيرة قرب طهران. وقال الجيش الإسرائيلي إنه نفذ ضربة واسعة النطاق على الدفاعات الجوية الإيرانية ودمر "عشرات أجهزة الرادار وقواعد إطلاق صواريخ سطح-جو".

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في رسالة فيديو مسجلة "نمر بلحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل".

وأضاف "قبل لحظات، أطلقت إسرائيل عملية ‘الأسد الصاعد‘، وهي عملية عسكرية محددة الأهداف لدحر التهديد الإيراني لوجود إسرائيل. وستستمر هذه العملية لأيام للقضاء على هذا التهديد".

وحذر نتنياهو الإسرائيليين من أنهم قد يضطرون للبقاء في المخابئ لفترات طويلة.

وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير إن أوامر استدعاء صدرت لعشرات الآلاف من الجنود "وهم متأهبون على كل الحدود".

وأضاف "نحن في خضم حملة تاريخية لا مثيل لها. هذه عملية حاسمة لمنع تهديد وجودي من قبل عدو عازم على تدميرنا".

وذكر الجيش الإسرائيلي يوم الجمعة أنه اضطر للتحرك بناء على معلومات مخابرات جديدة تظهر أن إيران "تقترب من نقطة اللاعودة" في سعيها لامتلاك سلاح نووي.

وقال في بيان "في الأشهر القليلة الماضية، تسارع هذا البرنامج بشكل كبير، مما جعل النظام (الإيراني) يقترب بشكل كبير من الحصول على سلاح نووي" دون الكشف عن المعلومات التي أشار إليها.

وقال مصدر مطلع على تقارير مخابرات أمريكية إنه لم يطرأ أي تغيير في الآونة الأخيرة على تقييم أجهزة المخابرات بأن إيران لا تصنع سلاحا نوويا، وأن خامنئي لم يأذن بإعادة تشغيل برنامج الأسلحة النووية الذي توقف في عام 2003.

وفي حين حاولت الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن العملية العسكرية الإسرائيلية، قال مسؤول إسرائيلي لهيئة البث العامة الإسرائيلية (راديو كان) إن إسرائيل نسقت مع واشنطن بشأن إيران.

وأكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن الولايات المتحدة لم تشارك في الضربات، وأن إسرائيل تصرفت بشكل منفرد دفاعا عن النفس.

وأضاف في بيان "لم نشارك في ضربات ضد إيران، وأولويتنا القصوى هي حماية القوات الأمريكية في المنطقة".

وأضاف "دعوني أكون واضحا: لا ينبغي لإيران استهداف المصالح أو الأفراد الأمريكيين".

وأضعفت إسرائيل جماعات متحالفة مع إيران في الشرق الأوسط بشدة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في أكتوبر تشرين الأول 2023، باغتيال كبار قادة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وجماعة حزب الله اللبنانية.

وقال ديفرين إن 200 مقاتلة إسرائيلية شاركت في الضربات، وقصفت أكثر من 100 هدف في إيران.

وأطلقت إسرائيل على عمليتها العسكرية ضد إيران "الأسد الصاعد" وهو اسم مستمد من إصحاح بالعهد القديم "يبشر بمستقبل حافل بالانتصار لإسرائيل القوية".

وصُور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الخميس وهو يضع ورقة مكتوبة بخط اليد في شق بالحائط الغربي في القدس، ونشر مكتب نتنياهو يوم الجمعة صورة للورقة التي كُتب عليها "سينتفض الشعب كالأسد".

ويأتي هذا التعبير من الإصحاح 23:24 في سفر العدد بالعهد القديم "هوذا شعب يقوم كلبوة، ويرتفع كأسد لا ينام حتى يأكل فريسة ويشرب دم قتلى".

مصير اليد الخبيثة

وقال الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي في بيان "أطلق الكيان الصهيوني يده الخبيثة والدموية في جريمة ضد إيران هذا الصباح، وكشف عن طبيعته الخسيسة. بهذا الهجوم، كتب الكيان الصهيوني لنفسه مصيرا مريرا، وسيلقاه بالتأكيد".

سخرت إيران ذات مرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واعتبرت تحذيراته العلنية المتواصلة بشأن برنامجها النووي وتهديداته المتكررة بإنهائه بطريقة أو أخرى مثل الإنذار الكاذب أي لا تنطوي على أكثر من تحذير.

وفي عام 2018، قال وزير الخارجية الإيراني آنذاك محمد جواد ظريف "إذا استطعت خداع بعض الناس بعض الوقت فلا يمكن خداع كل الناس كل الوقت". وكان يرد بذلك على تصريحات نتنياهو التي اتهم فيها إيران مجددا بالتخطيط لصنع أسلحة نووية.

ويوم الجمعة وبعد عقدين من دق ناقوس الخطر بلا انقطاع وحث زعماء العالم الآخرين على التحرك، قرر نتنياهو أخيرا أن يتحرك بمفرده وأمر بشن هجوم جوي تقول إسرائيل إنه يهدف إلى منع إيران من حيازة أسلحة دمار شامل.

واستحضر نتنياهو في كلمة إلى الأمة، كما فعل في كثير من الأحيان من قبل، أهوال المحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية لتبرير قراره.

وقال نتنياهو "قبل قرن تقريبا، تقاعس جيل من الزعماء عن التحرك في الوقت المناسب في مواجهة النازيين". وأضاف أن سياسة استرضاء الدكتاتور النازي أدولف هتلر أدت إلى مقتل ستة ملايين يهودي "أي ثلث شعبي".

وأشار "بعد تلك الحرب، تعهد الشعب اليهودي والدولة اليهودية بعدم تكرار ذلك أبدا. حسنا، يتحقق (التعهد) اليوم... فلقد أظهرت إسرائيل أننا استوعبنا دروس التاريخ".

وتقول إيران إن برنامجها للطاقة النووية مخصص للأغراض السلمية فحسب، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالت يوم الخميس إن إيران تنتهك التزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار النووي للمرة الأولى منذ قرابة 20 عاما.

هيمن نتنياهو على السياسة الإسرائيلية لعقود وأصبح صاحب المدة الأطول في منصب رئيس الوزراء عندما فاز بولاية سادسة غير مسبوقة في عام 2022. ونتنياهو عضو سابق في وحدة النخبة للقوات الخاصة التي نفذت بعض أكثر عمليات إنقاذ الرهائن جرأة في تاريخ إسرائيل.

وخلال سنواته في المنصب، كان يستغل كل مناسبة تقريبا لتنبيه الزعماء الأجانب بالمخاطر التي تشكلها إيران. وعرض ذات مرة في الأمم المتحدة صورة كاريكاتيرية لقنبلة ذرية للتحذير من قدرات إيران النووية بينما كان يلمح دائما إلى استعداده لتوجيه ضربة.

قال محللون عسكريون إن المجال كان محدودا أمام نتنياهو للمناورة مع إيران في فترات رئاسته السابقة للوزراء بسبب المخاوف من أن يؤدي أي هجوم إلى رد فوري من وكلاء طهران بالمنطقة: حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة وجماعة حزب الله في لبنان وهو ما سيكون من الصعب احتواؤه.

لكن الأوضاع في الشرق الأوسط انقلبت رأسا على عقب في العامين الماضيين بعد الحملة العسكرية العنيفة لإسرائيل على حماس ردا على هجوم الحركة المباغت على إسرائيل في أكتوبر تشرين الأول 2023. وكذلك القضاء على الكثير من قدرات حزب الله في غضون أيام قليلة العام الماضي.

دخلت إسرائيل أيضا في صراع علني مع طهران منذ عام 2024 إذ اطلقت وابلا من الصواريخ في العمق الإيراني العام الماضي مما منح نتنياهو الثقة في قوة القدرة العسكرية لبلاده.

وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية إن الهجمات عطلت أربعة من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية روسية الصنع ومن بينها منظومة متمركزة بالقرب من نطنز وهو موقع نووي إيراني رئيسي يقول التلفزيون الإيراني إنه تم استهدافه.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في نوفمبر تشرين الثاني "إيران معرضة أكثر من أي وقت مضى لهجمات على منشآتها النووية. لدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأهم وهو وقف هذا التهديد الوجودي والقضاء عليه".

لكن ما أثار استياء نتنياهو هو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فاجأه خلال زيارته للبيت الأبيض في نيسان أبريل عندما أعلن أن الولايات المتحدة وإيران تستعدان لبدء محادثات نووية مباشرة.

وكان نتنياهو قد دخل في خلافات مع الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين بشأن إيران وأبرزهم باراك أوباما الذي وافق على اتفاق مع طهران في عام 2015 يفرض قيودا كبيرة على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.

وانسحب ترامب من الاتفاق في عام 2018 خلال رئاسته الأولى، وكان نتنياهو يأمل أن يواصل ترامب اتخاذ موقف متشدد تجاه إيران عند عودته إلى منصبه هذا العام.

وحدد البيت الأبيض لدى الإعلان عن المحادثات مهلة شهرين لإيران للتوقيع على اتفاق. ورغم تحديد جولة جديدة من الاجتماعات مطلع الأسبوع المقبل، انتهت المهلة غير الرسمية يوم الخميس وانتهز نتنياهو الفرصة لتوجيه ضربته.

وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين لهيئة البث العامة "راديو كان" إن إسرائيل نسقت مع واشنطن قبل تنفيذ الهجمات وألمح إلى أن التقارير الصحفية الأخيرة عن خلاف بين ترامب ونتنياهو بشأن إيران كانت خدعة لإشعار قيادة إيران بأمان زائف.

قال ترامب بعد بدء الهجمات إنه لا يمكن لإيران امتلاك قنبلة نووية لكنه يرغب في استمرار المحادثات. وكان قد أشاد في السابق بالزعيم الإسرائيلي اليميني نتنياهو ووصفه بالصديق العظيم. لكن الزعماء الآخرين يواجهون صعوبات في التعامل مع نتنياهو.

وفي عام 2015، سُمع الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي يتحدث مع أوباما عن نتنياهو . وقال "لم أعد أطيقه، إنه كاذب".

نتنياهو والفرصة الكبرى

واجه نتنياهو، الذي كان يطلق عليه مؤيدوه في وقت ما اسم "الملك بيبي"، سنوات قليلة صعبة وبدأ الوقت ينفد أمامه للحفاظ على صورته وتاريخه في سن الخامسة والسبعين.

واهتزت صورة نتنياهو بشدة كأحد الصقور المتشددين في مجال الأمن بسبب هجوم حماس في عام 2023، وأظهرت استطلاعات الرأي أن معظم الإسرائيليين يحملونه مسؤولية الإخفاقات الأمنية التي سمحت بوقوع الهجوم الأكثر دموية منذ تأسيس الدولة قبل أكثر من 75 عاما.

ووجهت إليه المحكمة الجنائية الدولية بعد ذلك اتهامات بشأن جرائم حرب محتملة مرتبطة بالاجتياح الإسرائيلي لغزة منذ 20 شهرا والذي حول جزءا كبيرا من القطاع الفلسطيني إلى ركام. ويرفض نتنياهو التهم الموجهة إليه.

وتظهر استطلاعات الرأي أن معظم الإسرائيليين يعتقدون أن الحرب في غزة كان يتعين ألا تستمر كل هذا الوقت وأن نتنياهو يحاول إطالة أمد الصراع من أجل البقاء في السلطة وتفادي الانتخابات التي يقول منظمو الاستطلاعات إنه سيخسرها.

وتعين على نتنياهو، حتى في ظل تفاقم الحرب على عدة جبهات، الإدلاء بشهادته في محاكمته طويلة الأمد في قضية فساد حيث أنكر ارتكاب أي مخالفات مما زاد من تضرر سمعته في الداخل.

ومع ذلك، فهو يأمل أن تكفل له حملة عسكرية ناجحة ضد إيران عدو إسرائيل اللدود مكانه في كتب التاريخ التي يعشق قراءتها.

وقال نتنياهو في كلمته يوم الجمعة "سيسجل التاريخ بعد أجيال من الآن أن جيلنا وقف ثابتا وتحرك في الوقت المناسب وأمّن مستقبلنا المشترك. بارك الله في إسرائيل. ليبارك الله قوى الحضارة في كل مكان".

وطوال الفترة التي قضاها كأطول زعماء إسرائيل خدمة، كان بنيامين نتنياهو يتحرك ببطء، وهو سياسي متفاعل، ينتظر حتى آخر لحظة ممكنة لاتخاذ قرار.

وحتى الآن، كان هذا أمرا صحيحا حتى فيما يتعلق بإيران. فعلى مدى عقود، كان نتنياهو يتحدث على المسرح العالمي حول التهديد الذي تشكله إيران على المنطقة وخارجها. وقد استغل خطاباته العديدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمهاجمة طهران، ولعل أشهرها عندما رفع صورة كاريكاتورية لقنبلة.

لكنه دفع باتجاه تقديم تهديد عسكري موثوق من إسرائيل مع الولايات المتحدة، وليس بمفرده. وقامت إسرائيل بعمليات سرية لافتة للانتباه في إيران على مدار السنين – ومنها، سرقة الأرشيف النووي الإيراني في عام 2018، أو قتل كبير العلماء النوويين في طهران في عام 2020 - لكن تلك العمليات لم ترق إلى عمل عسكري واسع وعلني ضد برنامج طهران النووي.

وكل ذلك تغير بطريقة دراماتيكية خلال الـ24 ساعة الماضية. فقد رأى نتنياهو نفسه في موقع القيادة ضد إيران، محذرا العالم الذي لم يكن يرغب في كثير من الأحيان في سماع رسالته. وفي صباح الجمعة، تم إيصال تلك الرسالة بقوة غير مسبوقة، حيث جاءت قبل أيام فقط من الجولة السادسة من المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران.

وكان نتنياهو يواجه احتمالا حقيقيا بأن ترامب كان سيتوصل تقريبا إلى نفس الاتفاق النووي الذي نسفه الرئيس الأمريكي في عام 2018 - وهو اتفاق كان سيترك لإيران بعض القدرة على تخصيب اليورانيوم، والأهم من ذلك، المعرفة النووية التي راكمتها على مدى عقود.

ومع إضعاف إيران ووكلائها في جميع أنحاء المنطقة- ومع وجود فرصة لعرقلة المفاوضات النووية- اختار نتنياهو، الذي أطلق خطابا تهديديا لسنوات، أخيرا تنفيذ هذا التهديد.

ابعد من ذلك.. تغيير النظام الإيراني

لطالما كان تغيير النظام الإيراني هدفًا واسع النطاق داخل الحكومة الإسرائيلية، وفقًا لتقييم استخباراتي أمريكي حديث.

وأثارت الضربات الإسرائيلية المستمرة ضد إيران شكوكًا حول ما إذا كانت إسرائيل تسعى إلى تغيير النظام الحاكم في إيران، وفقًا لما ذكره مسؤولون أمريكيون ومصدر آخر مطلع على أحدث المعلومات الاستخباراتية، لشبكة CNN. 

ورغم عدم وجود معلومات استخباراتية مباشرة تُثبت أن ذلك كان الهدف الرئيسي لإسرائيل من هذا الهجوم، إلا أن المصدر المطلع على المعلومات الاستخباراتية قال إن بعض المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن إسرائيل رأت فيه فرصة محتملة لتحقيق ذلك. 

وقال أحد المسؤولين الأمريكيين إنه من غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب ستدعم إسرائيل في هذا المسعى.

وصرح وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس، الجمعة، بأن الضربات تهدف إلى إحباط قدرات إيران وإزالة خطر الدمار عن إسرائيل.

وقال: "نحن في مرحلة حاسمة، إذا أخطأنا فيها، فلن يكون لدينا أي وسيلة لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية تهدد وجودنا". وأضاف: "لقد تعاملنا مع وكلاء إيران على مدار العام ونصف العام الماضيين، لكننا الآن نتعامل مع رأس الأفعى نفسه".

وأدلت مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، بشهادتها أمام الكونغرس في مارس/آذار، قائلةً إن مجتمع الاستخبارات الأمريكي لا يزال يُقيّم أن إيران لا تُصنّع سلاحًا نوويًا حاليًا، وأن المرشد الأعلى لم يُصرّح ببرنامج أسلحة نووية كان قد علقه عام 2003.

كانت لدى الولايات المتحدة صورة واضحة نسبيًا عن نطاق العملية الإسرائيلية منذ الأسبوع الماضي، عندما كان بعض مسؤولي الاستخبارات يتلقون بالفعل تحديثات متعددة يوميًا، وكانوا يُخططون لحالات طوارئ مختلفة تبعًا لكيفية رد إيران، وفقًا لمصدر مُطّلع مُباشرةً على هذا التخطيط.

وقال المصدر إنه على الرغم من أن إسرائيل قلّلت من مشاركة المعلومات مع الولايات المتحدة، إلا أن الولايات المتحدة، اعتبارًا من الأسبوع الماضي، كانت قد فهمت الأهداف وترتيب العمليات - حتى لو ظلّ مدى الضرر الذي لحق بإيران، بما في ذلك الخسائر في قيادتها، ومسألة كيفية رد إيران، مجهولين.

من حروب الظل الى مواجهة معلنة

يُمثل هذا أحدث تصعيد منذ اندلاع الحرب في غزة العام الماضي، لكن العداء بين إسرائيل وإيران يضرب بجذوره لعقود من الزمن وامتد عبر تاريخ من حروب الظل والهجمات السرية من البر والبحر والجو وعبر الفضاء الإلكتروني.

وفيما يلي بعض المحطات الرئيسية في تاريخ العداء بين إيران وإسرائيل:

1979 - أطاحت الثورة الإسلامية في إيران بالشاه محمد رضا بهلوي الموالي للغرب، والذي كان يعتبر إسرائيل حليفا، وأقامت نظاما ثيوقراطيا (دينيا) جديدا يعتبر معارضة إسرائيل ضرورة أيديولوجية.

1982 - بينما كانت إسرائيل تغزو لبنان، عمل الحرس الثوري الإيراني مع المسلمين الشيعة هناك على تأسيس جماعة حزب الله اللبنانية. واعتبرت إسرائيل لاحقا هذه الجماعة المسلحة أخطر خصم لها على حدودها.

1983 - لجأ حزب الله المدعوم من إيران إلى شن هجمات انتحارية لطرد القوات الغربية والإسرائيلية من لبنان. وفي نوفمبر تشرين الثاني اقتحمت سيارة محملة بالمتفجرات مقر القيادة العسكرية الإسرائيلية. وانسحبت إسرائيل في وقت لاحق من معظم أنحاء لبنان.

1992 - 1994 - اتهمت الأرجنتين وإسرائيل إيران وحزب الله بالمسؤولية عن تفجيرين انتحاريين استهدفا سفارة إسرائيل في بوينس أيرس عام 1992 والمركز اليهودي في المدينة عام 1994، وأودى كل من الهجومين بحياة العشرات. ونفت إيران وحزب الله مسؤوليتهما.

2002 - الكشف عن امتلاك إيران برنامجا سريا لتخصيب اليورانيوم مما أثار مخاوف من أنها تسعى لصنع سلاح نووي في انتهاك لالتزاماتها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهو ما نفته طهران. وطالبت إسرائيل باتخاذ إجراءات صارمة ضد الجمهورية الإسلامية.

2006 - خاضت إسرائيل حربا مع حزب الله استمرت شهرا في لبنان لكنها فشلت في سحق الجماعة المدججة بالسلاح.

2009 - وصف الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في خطاب له إسرائيل بأنها "سرطان خطير ومميت".

2010 - تم استخدام فيروس الكمبيوتر ستاكسنت، الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه من تطوير الولايات المتحدة وإسرائيل، لمهاجمة منشأة لتخصيب اليورانيوم في موقع نطنز النووي الإيراني. وكان هذا أول هجوم إلكتروني معروف علنا على معدات صناعية.

2012 - قُتل العالم النووي الإيراني مصطفى أحمدي روشن في انفجار قنبلة زرعها سائق دراجة نارية بسيارته في طهران. وحمل مسؤول بالمدينة إسرائيل مسؤولية قتله.

2018 - رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشيد بانسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية بعد سنوات من الطعن في أهمية الاتفاق، ووصف قرار ترامب بأنه "خطوة تاريخية".

وفي مايو أيار، قالت إسرائيل إنها قصفت البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، حيث كانت طهران تدعم الرئيس بشار الأسد في الحرب الأهلية، بعد أن أطلقت القوات الإيرانية هناك صواريخ على هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل.

2020 - رحبت إسرائيل باغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، في غارة أمريكية بطائرة مسيرة في بغداد. وردت إيران بهجمات صاروخية على قواعد في العراق تضم قوات أمريكية مما أدى لإصابة نحو 100 من أفراد الجيش الأمريكي.

2021 - اتهمت إيران إسرائيل بالمسؤولية عن مقتل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده الذي اعتبرته أجهزة مخابرات غربية العقل المدبر لبرنامج إيراني سري لتطوير القدرة على صنع أسلحة نووية. ولطالما نفت طهران أي طموح من هذا القبيل.

2022 - وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك يائير لابيد على تعهد مشترك بحرمان إيران من الأسلحة النووية، في إعلان للوحدة بين الحليفين المنقسمين منذ فترة طويلة إزاء الدبلوماسية مع طهران.

وجاء هذا التعهد، وهو جزء من "إعلان القدس" الذي توج أول زيارة لبايدن إلى إسرائيل بوصفه رئيسا للولايات المتحدة، بعد يوم من تصريحه لمحطة تلفزيونية محلية بأنه منفتح على استخدام القوة "كملاذ أخير" ضد إيران، في استجابة واضحة لدعوات إسرائيل إلى توجيه "تهديد عسكري ذي مصداقية" من القوى العالمية.

2024 - أسفرت ضربة جوية يشتبه بأنها إسرائيلية على مجمع السفارة الإيرانية في دمشق عن مقتل سبعة من ضباط الحرس الثوري الإيراني، من بينهم اثنان من كبار القادة. ولم تؤكد إسرائيل أو تنف مسؤوليتها.

وردت إيران بإطلاق وابل من الطائرات المسيرة والصواريخ في 13 أبريل نيسان في هجوم مباشر على الأراضي الإسرائيلية لم يسبق له مثيل، وهو ما قالت مصادر مطلعة إن إسرائيل ردت عليه بضربة على الأراضي الإيرانية في 19 أبريل نيسان.

أكتوبر تشرين الأول 2024 - أطلقت إيران أكثر من 180 صاروخا على إسرائيل فيما وصفته بأنه ثأر لمقتل الأمين العام لجماعة حزب الله حسن نصر الله في 27 سبتمبر أيلول في غارة جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت، وكذلك اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو تموز.

26 أكتوبر تشرين الأول 2024 - هاجمت إسرائيل مواقع عسكرية في إيران، قائلة إنه رد على هجمات طهران عليها في وقت سابق من الشهر. وأفادت وسائل الإعلام الإيرانية بوقوع انفجارات استمرت عدة ساعات في طهران وفي قواعد عسكرية قريبة. وقالت إيران إن هناك "أضرارا محدودة" في بعض المواقع.

يونيو حزيران 2025 - نفذت إسرائيل ضربات في إيران، قالت إنها تهدف إلى تقويض البنية التحتية النووية للجمهورية الإسلامية، واستهدفت علماء يعملون على صنع قنبلة نووية في عملية ستسمر لأيام.

وأطلقت إسرائيل على الهجوم اسم "الأسد الصاعد"، وقالت إنها استهدفت أيضا قادة إيرانيين ومصانع صواريخ، معلنة حالة الطوارئ تحسبا للرد الإيراني. وأفادت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية بمقتل قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، والعالمين النوويين فريدون عباسي دواني ومحمد مهدي طهرانجي في الضربات.

وأكدت الولايات المتحدة أنها لم تقدم أي دعم للعملية. وجاءت الضربات بعد يوم من تصريح ترامب بأنه يجري إجلاء الموظفين الأمريكيين من الشرق الأوسط "لأنه قد يكون مكانا خطيرا".

إسرائيل تغلق سفاراتها حول العالم

وذكرت بيانات نشرت على مواقع سفارات إسرائيل على الإنترنت يوم الجمعة أن إسرائيل أعلنت إغلاق سفاراتها في أنحاء العالم وحثت مواطنيها على اليقظة وعدم إظهار الرموز اليهودية أو الإسرائيلية في الأماكن العامة، بعد أن شنت هجمات واسعة النطاق على إيران.

وجاء في البيانات أن إسرائيل لن تقدم خدمات قنصلية، وحثت المواطنين على التعاون مع أجهزة الأمن في البلاد التي يقيمون بها في حال تعرضهم لأي أعمال عدائية.

ولم تحدد البيانات إطارا زمنيا لاستمرار غلق السفارات. ولم يقدم شخص يرد على الهاتف في السفارة في برلين أي تفاصيل أخرى.

وقالت البيانات “في ضوء التطورات الأحدث، سيتم إغلاق البعثات الإسرائيلية حول العالم ولن يتم تقديم الخدمات القنصلية”.

وذكر المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الذي تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الجمعة، أن ألمانيا عززت إجراءات حماية المواقع اليهودية والإسرائيلية.

وقال شاهد من رويترز إنه تم تعزيز الأمن حول الكنيس اليهودي الكبير في ستوكهولم، حيث توقفت شاحنة وسيارة تابعتان للشرطة بالقرب من المبنى.

وساد الهدوء شوارع تل أبيب صباح يوم الجمعة رغم تحذير قادة إسرائيل للسكان بالاستعداد لرد انتقامي من إيران بعد تنفيذ إسرائيل لهجمات واسعة النطاق عليها.

وأغلق الجيش المدارس في أنحاء إسرائيل وحظر التجمعات العامة وألغى مسيرة الفخر، التي تقام سنويا لمجتمع الميم في تل أبيب، ويشارك فيها عادة عشرات الآلاف.

وقال يوري (31 عاما)، وهو جالس على مقعد خارج أحد المتاجر، ردا على سؤال بشأن ما إذا كان سيفتح مطعمه أو سيضطر للتخلص من طعام يوم الجمعة “مررنا بهذا الوضع مرتين من قبل”.

وردا على سؤال عما إذا كانت لديه مخاوف بشأن سلامته الشخصية قال “بصراحة، لا أكترث حقا. سأذهب فقط إلى ملجأ وسأكون بخير”.

وفي هجومين على إسرائيل العام الماضي ردا على ضربات إسرائيلية، أطلقت إيران مئات الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية مما أثار غضب الإسرائيليين لكن الهجومين أسفرا عن أضرار محدودة فحسب.

وأبلغت الحكومة الإسرائيليين بالاستعداد لقضاء ساعات طويلة في الملاجئ إذ حذرت من أنها ستنفذ هجوما مطولا على إيران.

وقال أفيف (38 عاما) “إيران؟ إذا سألتني، هذا هو المكان الأول الذي يتعين علينا مهاجمته” مضيفا أنه يأمل في أن تؤدي الهجمات إلى إطلاق سراح 53 رهينة معظمهم من الإسرائيليين تحتجزهم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في قطاع غزة.

وفي قطاع غزة، الذي يخيم عليه الدمار بسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية، يأمل البعض في أن يمهد الهجوم على إيران الطريق لإنهاء الحرب في القطاع الساحلي.

وقال أبو عبد الله وهو رجل أعمال فلسطيني نازح إلى جنوب القطاع “أتمنى إنه إيران تروح باتجاه حل شامل هذه المرة”.

وظلت متاجر وبعض المقاهي مفتوحة في أنحاء إسرائيل، لكن بعض الشركات فضلت إبقاء أبوابها مغلقة. كما خزن متسوقون مواد غذائية ومياها معبأة مما تسبب في ظهور صفوف طويلة عند منافذ البيع.

وقالت نهى (41 عاما) بينما كانت في طريقها إلى أحد المتاجر “ثلاجتي فارغة”. وأضافت نهى، وهي أم لطفلين، أنها كانت على وشك الاحتفال بذكرى زواجها في أحد الفنادق.

وأشارت إلى أنها تشعر بالقلق بشأن شدة أي ضربة انتقامية محتملة مضيفة أن الناس يتساءلون عما إذا كانت الملاجئ في المباني السكنية التي يقطنونها قوية بما يكفي لتحملها أو إذا كان البحث عن ملجأ تحت الأرض سيكون أكثر أمانا.

ويأتي الهجوم على إيران في الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط المحلية والدولية على الائتلاف اليميني بزعامة نتنياهو بسبب الحرب على قطاع غزة التي دخلت شهرها الحادي والعشرين.

وقالت نهى “الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع الأمور مريعة” مضيفة أنها تدين قرار الهجوم على إيران خوفا من أن يعرض إسرائيل لمزيد من الخطر.

وفي القدس، عبر آخرون عن دعمهم للقرار. وقالت أورال ليرال (66 عاما) “أنا سعيدة جدا بما حدث. كنا ننتظره”. وقالت بالعبرية “يحيا شعب إسرائيل” ثم أكملت قائلة “نحن أقوياء وسنظل هنا. هذه بلادنا”.

* المصدر: وكالات+رويترز+سي ان ان

اضف تعليق