q
ان 115 ألف طن من الميثان قد أُطلقت على الأرجح في أثناء الانخفاض المفاجئ الأولي للضغط في خط نورد ستريم 2، وذلك بناءً على أبعاد الأنابيب ودرجة حرارة المياه، ولكل وحدة كتلة من غاز الميثان تأثير دفيء أقوى بكثير من ثاني أكسيد الكربون، لا سيما على المدى القصير...
بقلم كاثرين ساندرسون

منذ السادس والعشرين من شهر سبتمبر، ظهرت تسربات غامضة في خطي أنابيب الغاز نورد ستريم، اللذين يمتدان تحت الماء من روسيا إلى ألمانيا، وذلك قرابة جزيرة بورنهولم الدنماركية في بحر البلطيق، وبالنظر إلى الوضع المتأزم بين روسيا والغرب حول مسألة الطاقة، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد تلا ذلك الحدث تحقيقٌ على المستويين السياسي والجغرافي لمعرفة المتسبِّب، في ظل انضمام حلف الناتو (NATO) إلى الأطراف التي تعزو تلك التسرُّبات إلى أعمال تخريبية، جمّع علماء الزلازل بياناتٍ قد تساعد على تحديد سبب التسربات، في حين يحاول باحثون آخرون حساب مقدار الميثان -وهو غازٌ قويٌّ من غازات الاحتباس الحراري- الذي سوف يُطلق في الجو إثر ذلك.

في ليلة السادس والعشرين من سبتمبر، لاحظ مشغِّلو خط أنابيب نورد ستريم 2 انخفاضًا فجائيًّا في ضغط خط الأنابيب، ليصل من 105 بار (وهو معدل ضغط يزيد 105 مرة عن الضغط الجوي) إلى 7 بار فحسب، وسرعان ما ظهرت عقب ذلك فقاقيع الغاز المتسرب في بقعة واسعة من سطح بحر البلطيق عرضها كيلومتر واحد.

كان خط أنابيب نورد ستريم 2 مغلقًا منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير الماضي، لكنه لا يزال مليئًا بالغاز، الذي يمثل الميثان نحو 90% منه وفق المفترض، هذا الانخفاض في الضغط دفع علماء الزلازل إلى فحص بياناتهم بمزيد من التمعن، وفق بيورن لوند، من جامعة أوبسالا بالسويد، وقد أدى هذا الاهتمام ببيانات علم الزلازل إلى أسبوع غير عادي، يعلق لوند على ذلك بقوله: "لم أشهد أمرًا مماثلًا قَط طوال حياتي"، مضيفًا أن الشبكة اكتشفت نشاطًا ارتجاجيًّا حدث بالتزامُن مع التسرب، بيد أن هذا النشاط يتطابق مع ذلك الناتج عن الانفجارات لا الزلازل، التي تخلِّف آثارًا ارتجاجيةً مختلفة.

تحذير من التأثيرات على المناخ

أضحت الأوساط المعنية بالمناخ كذلك في حالة تأهُّب من جرَّاء تلك الأحداث؛ فعندما سمع أندرو باكستر عن التسرب في خط نورد ستريم 2، استرجع "عقلية المهندس"، على حد وصفه، في محاولة تحديد كمية الميثان المنبعث إثر ذلك، كان باكستر يعمل مهندسًا في صناعة الغاز والنفط قبل أن يشغل حاليًّا منصب مدير التحول في مجال الطاقة في «صندوق الدفاع البيئي» Environmental Defense Fund، الذي يقع مقره في مدينة نيويورك، وقد أردف قائلًا: "توصلت إلى تقدير تقريبي جدًّا، فثمة العديد من المتغيرات والقيم المجهولة في هذه الحالة، ما يصعِّب حقًّا تحديد مقدار الميثان الذي بلغ الجو على نحوٍ قاطع".

قدّر باكستر أن 115 ألف طن من الميثان قد أُطلقت على الأرجح في أثناء الانخفاض المفاجئ الأولي للضغط في خط نورد ستريم 2، وذلك بناءً على أبعاد الأنابيب ودرجة حرارة المياه، ولكل وحدة كتلة من غاز الميثان تأثير دفيء أقوى بكثير من ثاني أكسيد الكربون، لا سيما على المدى القصير، ويصف باكستر التأثير الكلي لهذا التسرُّب بأنه يعادل انبعاثات الكربون السنوية من مليوني سيارة.

أما زيك هاوسفاذر -عالِم المناخ في منظمة «بيركلي إيريث» Berkeley Earth، وهي منظمة غير ربحية تختص بتحليل البيانات ويقع مقرها في ولاية كاليفورنيا– فيعلق بقوله: "إذا تأكدت هذه الأرقام في نهاية المطاف، فسيكون هذا التسرب واحدًا من أضخم حوادث تسرب الغاز الطبيعي الفردية في موقع واحد عبر التاريخ"، لكنه يضيف أن هذا التسرب لن يُحدث تغييرًا جذريًّا في حجم الانبعاثات العالمية.

على الرغم من ضخامة الحدث، فإن كمية الغاز المنبعث منه تمثل 0.14% تقريبًا من الانبعاثات السنوية العالمية من غاز الميثان الناتجة عن صناعة الغاز والنفط، وفق قول مارك ديفيس، المدير التنفيذي لشركة «كابتيريو» Capterio، التي يقع مقرها في لندن وتختص بتتبُّع مشاعل حرق الغاز في صناعة الغاز والنفط، لكنها لم تلتقط الغاز المنبعث من التسرُّب لأنه ليس غازًا مشتعلًا، ويشير إلى أن إشعال الغاز فور اكتشاف التسرب كان من شأنه أن يخفف الكثير من الضرر، عن طريق تحويل الميثان إلى ثاني أكسيد الكربون، ومنذ الانخفاض الأولي في الضغط في خط نورد ستريم 2، ظهرت تسرُّبات كذلك في خط أنابيب نورد ستريم 1، الذي يمتد بمحاذاته، ولا يعمل حاليًّا أيضًا.

قياسات الأقمار الصناعية

إن قياسًا دقيقًا لكمية الميثان المنبعث من تلك التسربات سوف يستغرق وقتًا، والجهود الرامية إلى ذلك واجهت -حتى الآن- عراقيل نابعة من الخصائص الجغرافية المتفردة، وأخرى نابعة من سوء الحظ، على سبيل المثال، لم تكن الأقمار الصناعية -التي تُتاح بياناتها للعامة- تقابل الاتجاه المناسب وقت وقوع الحدث، وفق ما توضح إتسيار إيراكوليس-لويـتساتيه، الباحثة بجامعة فالنسيا للعلوم التطبيقية المتعددة بإسبانيا، والتي تستخدم بيانات الأقمار الصناعية لقياس مستويات الميثان في الغلاف الجوي، فضلًا عن أن الحصول على بيانات يكاد يكون مستحيلًا من جرَّاء الغطاء السحابي الذي يشيع فوق خطوط العرض الشمالية، وعلاوةً على ذلك، فإن مراقبة مستويات الميثان فوق سطح الماء مهمة صعبة بطبيعتها؛ إذ تمتص المياه الجزء الأكبر من ضوء الشمس وتحجب أي إشارات منبعثة من غاز الميثان على جهاز المطياف.

وعلى سطح الأرض، التقطت محطة مراقبة واحدة على الأقل الارتفاع المفاجئ في غاز الميثان، ألا وهي المحطة السويدية التابعة لـ«مشروع منظومة رصد الكربون الأوروبية المتكاملة»European Integrated Carbon Observation System في هيلتموسا، وفي غضون الأيام والأسابيع القادمة، سوف يواصل العلماء سعيهم لمعرفة مقدار الميثان الذي أُطلق في الجو بفعل التسرُّبات، وربما يستطيع علماء الزلازل تقديم يد العون فيما يتعلق بتحديد كيفية انفجار الأنابيب، فعندما قارن لوند وفريقه البيانات الارتجاجية التي جمعوها حول الانفجارات في خطي أنابيب نورد ستريم بالبيانات التي جُمعت من انفجارات بحرية سالفة، أضحوا يشتبهون بالفعل في أن متفجرات ثالِث نِتْراتِ التُّولُوين (TNT) قد استُخدمت.

يتحرك لوند وزملاؤه سريعًا كي يحددوا كم عدد الانفجارات التي وقعت بالضبط استنادًا إلى ما لديهم من بيانات ارتجاجية، لكن لوند ينوه بأن التعقيد الجيوغرافي للقشرة الأرضية في المنطقة الواقعة بين الدنمارك والسويد يصعّب مهمتهم؛ إذ يضيف قائلًا: «ثمة تغيُّر كبير جدًّا في سماكة قشرة المادة الصخرية».

اضف تعليق