استندت المحكمة إلى أنه نظرا لأن "البيئة النظيفة والصحية والمستدامة شرط أساسي للتمتع بالعديد من حقوق الإنسان، وبما أن الدول الأعضاء أطراف في العديد من معاهدات حقوق الإنسان بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة فإنها مُلزمة بضمان التمتع بهذه الحقوق من خلال معالجة تغير المناخ...
أصدرت محكمة العدل الدولية، يوم الأربعاء، رأيا استشاريا حول التزامات الدول بشأن تغير المناخ. وقضت المحكمة في فتواها بأن الدول ملزمة بحماية البيئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبالعمل بالعناية الواجبة والتعاون للوفاء بهذا الالتزام.
ويشمل ذلك الالتزام بموجب اتفاق باريس بحصر ارتفاع درجة الحرارة في حدود 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وقضت المحكمة – التي تتخذ من مدينة لاهاي في هولندا مقرا لها – أيضا بأنه في حال انتهاك الدول لهذه الالتزامات، فإنها تتحمل مسؤولية قانونية، وقد يُطلَب منها التوقف عن السلوك غير المشروع، وتقديم ضمانات بعدم التكرار، ودفع تعويضات كاملة، حسب الظروف.
واستندت المحكمة إلى التزامات الدول الأعضاء بكل من معاهدات البيئة وحقوق الإنسان لتبرير هذا القرار. وأوضحت أن الدول الأعضاء أطراف في مجموعة متنوعة من المعاهدات البيئية - بما فيها معاهدات طبقة الأوزون، واتفاقية التنوع البيولوجي، وبروتوكول كيوتو، واتفاق باريس، وغيرها الكثير - والتي تُلزم الدول بحماية البيئة من أجل الناس في جميع أنحاء العالم والأجيال القادمة.
واستندت المحكمة كذلك إلى أنه نظرا لأن "البيئة النظيفة والصحية والمستدامة شرط أساسي للتمتع بالعديد من حقوق الإنسان"، وبما أن الدول الأعضاء أطراف في العديد من معاهدات حقوق الإنسان - بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة - فإنها مُلزمة بضمان التمتع بهذه الحقوق من خلال معالجة تغير المناخ.
وخلصت المحكمة إلى أن الدول التي تنتهك التزاماتها المناخية ترتكب فعلا “غير قانوني” وقد تكون عرضة لطلبات تعويض من أكثر الدول تضررا، وفق ما ورد في رأي استشاري رائد يهدف إلى التأثير على الفقه القانوني العالمي.
خلفية القضية
وفي هذا الرأي الصادر في دعوى يقف خلفها طلاب من أرخبيل فانواتو الصغير في المحيط الهادئ، أقرّت أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة ومقرّها لاهاي، بالإجماع تفسيرا قانونيا للقانون الدولي بات في إمكان المشرعين والمحامين والقضاة حول العالم استخدامه لتغيير القوانين أو مقاضاة الدول على تقاعسها عن اتخاذ إجراءات بشأن المناخ.
ففي أيلول/سبتمبر 2021، أعلنت دولة فانواتو - وهي دولة جزرية في المحيط الهادئ - أنها ستطلب رأيا استشاريا من المحكمة بشأن تغير المناخ. واستُلهِمت هذه المبادرة من مجموعة شبابية باسم: "طلاب جزر المحيط الهادئ يكافحون تغير المناخ"، والتي أكدت ضرورة العمل على معالجة تغير المناخ، لا سيما في الدول الجزرية الصغيرة.
وبعد أن ضغطت فانواتو على الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة لدعم هذه المبادرة في الجمعية العامة، اعتمدت الجميعة في 29 آذار/مارس 2023 قرارا يطلب رأيا استشاريا من محكمة العدل الدولية بشأن مسألتين:
ما هي التزامات الدول بموجب القانون الدولي بضمان حماية البيئة؟
وما هي العواقب القانونية المترتبة على الدول بموجب هذه الالتزامات عندما تُلحق ضررا بالبيئة؟
يسمح ميثاق الأمم المتحدة للجمعية العامة أو مجلس الأمن بطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية. ورغم أن الآراء الاستشارية غير مُلزمة، إلا أنها تحمل سلطة قانونية وأخلاقية كبيرة، وتساعد في توضيح وتطوير القانون الدولي من خلال تحديد الالتزامات القانونية للدول.
وتعد هذه أكبر قضية تنظر فيها محكمة العدل الدولية على الإطلاق، كما يتضح من عدد البيانات المكتوبة والتي بلغت 91، والدول التي شاركت في المداولات الشفوية، ووصل عددها إلى 97 دولة.
يذكر أن محكمة العدل الدولية، المعروفة بشكل غير رسمي باسم "المحكمة العالمية"، تسوي النزاعات القانونية بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتصدر آراءً استشارية بشأن المسائل القانونية التي تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها.
وهي إحدى الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة إلى جانب الجمعية العامة، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مجلس الوصاية، والأمانة العامة. ومن بين الهيئات الست، فإن محكمة العدل الدولية هي الهيئة الوحيدة التي يقع مقرها خارج نيويورك.
انتصار لكوكب الارض
وعلّق الأمين العام للأمم المتحدة في بيان بالقول “إنه انتصار لكوكبنا وللعدالة المناخية ولقدرة الشباب على تحريك الأمور”.
وأشار إلى أن شباب جزر المحيط الهادئ بادروا بهذه الدعوة الإنسانية للعالم، مشددا على أنه يجب على العالم أن يستجيب.
وكما أوضحت محكمة العدل الدولية اليوم، أكد غوتيريش ضرورة أن يكون هدف 1.5 درجة مئوية المنصوص عليه في اتفاق باريس أساسا لجميع سياسات المناخ، في ظل النظام الحالي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وقال وزير المناخ في فانواتو رالف ريغينفانو بعد الجلسة أمام درجات قصر السلام في لاهاي، مقر المحكمة، إنّ هذا الرأي القانوني “يمثل محطة تاريخية في التحرك المناخي”، مبديا ثقته في أنه سيشكل مصدر إلهام “للمزيد من العمل القانوني” في قضايا المناخ حول العالم.
وأشار في تصريح لوكالة فرانس برس إلى وجود “كثير من الأمور غير المتوقعة” والإيجابية في الرأي الاستشاري. وقال “سنستخدم بالطبع هذه الحجج في مناقشاتنا مع البلدان التي تصدر أكبر كمية” من غازات الدفيئة.
ورحّبت فرنسا على لسان وزيرة الانتقال البيئي أنييس بانييه-روناشير بـ”قرار تاريخي” وبـ”انتصار للمناخ”.
وأشار رئيس المحكمة القاضي يوجي إيواساوا خلال تلاوة استمرت ساعتين إلى أن تغير المناخ الناجم عن انبعاثات غازات الدفيئة يمثل “تهديدا داهما ووجوديا”.
ورفضت المحكمة الفكرة التي تؤيدها أكثر الدول تلويثا في العالم، والمتمثلة في أن معاهدات المناخ القائمة حاليا، خصوصا عملية التفاوض السنوية لمؤتمر الأطراف المناخي، كافية لمعالجة الوضع.
وقالت محكمة العدل الدولية إن للدول “واجبات صارمة لحماية النظم المناخية”. وفي موقف منسجم مع ما تنادي به الدول الجزرية الصغيرة، أكدت المحكمة ضرورة “حماية المناخ للأجيال الراهنة والمقبلة”، بينما ترفض الدول الملوثة الكبرى رفضا قاطعا الاعتراف قانونيا بحقوق الأفراد الذين لم يُولدوا بعد.
تعويضات
وينبع الجزء الأهم من الرأي الذي يُتوقع أن يثير ممانعة كبيرة من الدول الغنية، وفق المحكمة، من هذه الالتزامات، خصوصا التعويضات المستحقة للدول المتضررة من جراء المناخ.
وقالت المحكمة إن “العواقب القانونية المترتبة على ارتكاب فعل غير مشروع دوليا (…) قد تشمل جبرا كاملا للضرر الذي لحق بالدول المتضررة في شكل رد الحقوق والتعويض والترضية”.
لكن المحكمة لفتت إلى وجوب إثبات وجود علاقة سببية مباشرة ومؤكدة “بين الفعل غير المشروع والضرر”، وهو أمر يصعب إثباته أمام المحكمة، ولكنه “ليس مستحيلا”، كما خلص قضاة محكمة العدل الدولية الخمسة عشر.
وهذا الرأي هو الخامس بالإجماع للمحكمة خلال 80 عاما، وفق الأمم المتحدة.
وقال الطالب الفيجي فيشال براساد البالغ 29 عاما لفرانس برس في لاهاي إن “تغير المناخ ليس مجرد تمرين أكاديمي… نحن نعيشه كل يوم”. وقد أطلق براساد الحملة عام 2019 مع طلاب آخرين من جامعة جنوب المحيط الهادئ في فانواتو.
وتابع “يا لها من نهاية مثالية لحملة بدأت في قاعة دراسة”، وأضاف “لقد أصبحت لدينا الآن أداة قوية جدا لمحاسبة القادة. لقد قدّمت محكمة العدل الدولية كل ما هو ممكن”.
وسيستغرق الأمر وقتا حتى يستوعب علماء القانون الرأيَ الكاملَ الواقع في 140 صفحة، وثمة حاجة أيضا لوقت أطول لمعرفة ما إذا كانت المحاكم الوطنية ستعتمده.
لكنّ أصواتا كثيرة، من خبراء وناشطين، أثنت على الطابع التاريخي للنص.
وقال المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان والبيئة ديفيد بويد لوكالة فرانس برس “إنه انتصار تاريخي للعدالة المناخية”.
وأضاف أن تفسير المحكمة لواجبات الدول “سيُحفّز على تسريع العمل المناخي”.
ويتشارك علماء مناخ محبطون من ضعف العمل السياسي العالمي في هذا المجال، الرأي نفسه.
ووصف يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ، أحد أشهر معاهد المناخ في أوروبا، لوكالة فرانس برس، الرأي الصادر الأربعاء بأنه “قرارٌ حاسم”. وأشار إلى أن كل دولة يُمكن محاسبتها أمام المحكمة، حتى لو لم تكن طرفا في معاهدات الأمم المتحدة.
وأسف جون كيري، موفد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لشؤون المناخ، لتطلّب الأمر “ثقل القانون الدولي” لتحفيز الدول على القيام بما هو في جوهره في مصلحتها الاقتصادية.
ومن غير المحتمل أن تغيّر الولايات المتحدة وغيرها من الدول الكبرى الغنية والمصدرة لغازات الدفيئة التي لم تبد رد فعل بعد، مسارها بشأن النفط والطاقات الأحفورية بناء على هذا الرأي فقط.
وتوقع الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة فيرمونت بات بارينتو لوكالة فرانس برس أن يشكل هذا الرأي موضع “اختبار” أمام المحاكم في الولايات المتحدة. وقال “لن ينجح ذلك في ظل المحكمة العليا الحالية، لكن هذا الوضع لن يدوم إلى ما لا نهاية”.
ويتطلّع أرخبيل فانواتو إلى الخطوة التالية وهي الطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة تطبيق رأي المحكمة.
انتصار ساحق للمدافعين عن البيئة
بدوره قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فوكر تورك إن الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية حول التزامات الدول بشأن تغير المناخ "يمثل انتصارا ساحقا لجميع الذين يناضلون من أجل حماية مناخ وكوكب آمنين للبشرية جمعاء".
وأكد السيد تورك في بيانه اليوم الخميس أن هذا الرأي الصادر عن أعلى محكمة في العالم "يمثل تأكيدا قاطعا وواضحا لا يقبل الجدل على الآثار بعيدة المدى لتغير المناخ، وعلى النطاق الواسع لالتزامات الدول، بموجب قانون حقوق الإنسان وما يتجاوزه، بالتحرك العاجل لوقف الضرر".
وأضاف أن هذا الرأي يُمثل أيضا دليلا على قوة "حركة طلاب جزر المحيط الهادئ الملهمة، والعديد من النشطاء الآخرين، الذين قادت مبادرتهم فانواتو ودول جزر المحيط الهادئ الأخرى إلى بدء عملية طلب هذا الرأي في الجمعية العامة للأمم المتحدة".
وأوضح المفوض السامي أن هذا "الموقف القانوني التاريخي" يؤكد الدور المركزي لقانون حقوق الإنسان في معالجة العواقب المدمرة لأزمة المناخ، ويخلص إلى أن الأضرار المناخية - على الرغم من جميع تعقيداتها - "قابلة للمساءلة بموجب مبادئ القانون الدولي المألوفة".
وأضاف: "لقد قدمت المحكمة خارطة طريق للشعوب والحكومات للسعي إلى التغيير التحويلي والمساءلة التي نحتاجها في مكافحة تغير المناخ، الآن وفي المستقبل".
دعا السيد تورك الدول إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وفعّالة من خلال التشريعات، وتغيير السياسات، وتعبئة الموارد، والتعاون الدولي، "لمنع تفاقم أزمة المناخ، وفتح آفاق التعويضات المستحقة للمتضررين".
وأكد التزام مكتبه بالعمل مع الدول، والشركات، والمجتمع المدني، والشعوب في كل مكان، للدفع بحلول مناخية تراعي حقوق الإنسان. كما دعا السيد تورك الدول إلى مراعاة هذا الرأي في إجراءاتها المناخية المستقبلية، بما في ذلك ما يتعلق بمساهماتها الوطنية المحددة المستحقة في أيلول/ سبتمبر، والمفاوضات المقبلة في المؤتمر الثلاثين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، المزمع عقده في البرازيل في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
أي عواقب على قطاع الوقود الأحفوري؟
قد يؤدي الحكم التاريخي بشأن المناخ الصادر عن أعلى محكمة في العالم إلى جعل أنشطة النفط والغاز أكثر تعقيدا من الناحية القانونية، بدءا من توسيع عمليات الحفر، وفق ما يؤكد خبراء في القطاع.
واعتبرت المحكمة أن “تقاعس دولة ما عن اتخاذ التدابير المناسبة” لحماية المناخ من الآثار الضارة لغازات الدفيئة، “ولا سيما من خلال إنتاج أو استخدام الوقود الأحفوري أو منح تصاريح التنقيب أو دعم الوقود الأحفوري، قد يُشكل فعلا غير مشروع دوليا يُنسب إلى تلك الدولة”.
وتؤكد صوفي مارجاناك، القانونية البارزة في مشروع Polluter Pays project (“المُلَوِّث يدفع”) أن “هذا أمر بالغ الأهمية … وهذه استنتاجات رائدة حقا”.
ويرى خورخي فينوياليس، المحامي الذي ساعد في عرض القضية على محكمة العدل الدولية، أن الخلاصات المتعلقة بالوقود الأحفوري ستُعتمد على الأرجح من المحاكم الوطنية والدولية، حيث تتزايد الدعاوى القضائية ضد منتجي النفط والغاز.
ويقول هذا الأستاذ في القانون بجامعة كامبريدج لوكالة فرانس برس “إذا كان الأمر على هذا النحو، فقد يكون لذلك تبعات كبيرة”.
ويضيف أن بإمكان شركات النفط والغاز والدول المنتجة تجاهل محكمة العدل الدولية، “لكن ذلك ينطوي على مخاطر قانونية ويفتح أبوابا للتقاضي”.
وتلفت مارجاناك إلى أنه يمكن الاستشهاد بهذا الرأي، على سبيل المثال، لمعارضة توسيع منجم فحم، أو في نزاع بين مستثمر ودولة تلغي ترخيصا له، أو في مفاوضات تعاقدية تضم بين أطرافها مصرفا يستثمر في قطاع الوقود الأحفوري.
وتقول “يمكن أن يحدث ذلك بشتى الطرق وفي أي مكان تقريبا. التأثير لا حدود له حقا”.
ويصح ذلك خصوصا في البلدان التي يُمكن فيها دمج القانون الدولي في الإطار القانوني الوطني من دون أي تحويل، حتى وإن كان ذلك مشروطا أحيانا.
في هذه البلدان، مثل فرنسا والأرجنتين وهولندا، قد يضطر القضاة قريبا إلى مراعاة رأي محكمة العدل الدولية عند النظر في قضايا مرفوعة ضد شركات النفط.
حتى في الدول التي تنتهج نظاما “مزدوجا”، حيث يكون دمج القانون الدولي أكثر تعقيدا، غالبا ما اتبعت المحاكم الدستورية وغيرها من الهيئات القضائية حججا معينة في آراء محكمة العدل الدولية.
في هذه القضية، “يفتح الرأي الأخير الباب أمام الطعون على التصاريح الممنوحة لمشاريع الوقود الأحفوري الجديدة”، وفق مارجاناك.
قرار تخطى التوقعات
تعتقد جوي ريس من كلية لندن للاقتصاد أن المحكمة “تخطت التوقعات” بتسليطها الضوء على مسؤولية الحكومات عن التلوث الناجم عن شركات النفط والغاز العاملة تحت ولايتها القضائية. وفي هذه القضية، “تتحدى المحكمة كلا من الدولة والقطاع الخاص”.
تقول هذه الخبيرة في قضايا المناخ في مقابلة مع وكالة فرانس برس “سيتعين على الدول أن تكون أكثر حذرا في ما يتعلق بمنح التصاريح واعتماد سياسات عامة بشأن الوقود الأحفوري، لأن ذلك قد يعرضها للمساءلة في المستقبل”.
وتوضح صوفي مارجاناك أن هذا الرأي قد يسمح أيضا للدول الصغيرة بطلب التعويض من كبار الملوثين أمام المحاكم الدولية.
أما الدول المهددة من شركات النفط بسبب تغيير سياساتها المناخية بصورة تضر بمصالحها، فقد حصلت على دعم جديد لتعزيز دفاعها. في عام 2022، أصدرت محكمة أمرا لإيطاليا بدفع 200 مليون يورو لحساب شركة النفط البريطانية “روك هوبر” لرفضها منحها تصريح حفر.
ويوضح لورينزو كوتولا، الخبير القانوني الدولي في معهد الأبحاث IIED، أنه سيكون من الصعب الآن على شركة صناعية “الادعاء بأنّ توقعها مشروع بتشغيل مشروع وقود أحفوري من دون عوائق”.
إدارة ترامب هل ستواجه دعاوى قضائية؟
وفي سياق متصل تستعد إدارة دونالد ترامب لإلغاء القرار الذي يشكل الأساس لمكافحة انبعاثات غازات الدفيئة المسببة لاحترار المناخ في الولايات المتحدة، ثاني أكبر دولة مصدرة لهذه الغازات في العالم.
ما هو هذا القرار الصادر عام 2009، ولم تسعى واشنطن الى إلغائه، وهل هو قابل للتطبيق قانونا؟
في العام 1970، منح الكونغرس الأميركي من خلال “كلين إير آكت” (قانون الهواء النظيف) وكالة حماية البيئة في البلاد صلاحية وضع ضوابط لخفض “تلوث الهواء الذي توجد أسباب معقولة للاعتقاد بأنه يشكل خطرا على الصحة العامة”.
على مدى عقود، كانت لوكالة حماية البيئة صلاحية مراقبة الملوثات السامة مثل الأوزون والرصاص والسخام، لكن ليس بالضرورة الغازات المسببة لاحترار المناخ.
لكن مع تراكم المعرفة العلمية حول دور الغازات في هذه الظاهرة المناخية، واجهت وكالة حماية البيئة ضغوطا متزايدة لإدراج هذه الغازات في القائمة.
ووصلت القضية إلى المحكمة العليا التي حكمت عام 2007 بأن غازات الدفيئة هي ملوثات، وبالتالي يجب على وكالة حماية البيئة أن تدرجها في صلاحياتها.
ونتيجة لذلك، أعلنت وكالة حماية البيئة غازات الدفيئة خطرة على الصحة العامة في العام 2009، ما سمح لها بتنظيمها وفرض قواعد استخدامها.
وبالتالي، أصبح القرار المعروف باسم “إندينجرمنت فايندنغ”، يشكّل الأساس القانوني للعديد من القواعد الفدرالية التي تهدف إلى مكافحة احترار المناخ.
وقالت ميريديث هانكينز، المحامية في مجال المناخ والطاقة في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية لوكالة فرانس برس “أصدرت بموجب تقرير عام 2009 العديد من اللوائح الفردية” كتلك التي تنظم ما يتعلق بانبعاثات عوادم السيارات وانبعاثات مداخن محطات الطاقة” سواء العاملة بالغاز أو بالفحم.
وصمد قرار “إندينجرمنت فايندنغ” في وجه العديد من التحديات القانونية، ونظرت إدارة ترامب الأولى في إلغائه، لكنها تراجعت في نهاية المطاف عن ذلك.
ومنذ عودته إلى السلطة، وضع دونالد ترامب هذا القرار نصب عينيه.
وفي آذار/مارس، قال لي زيلدين، رئيس وكالة حماية البيئة عند إعلانه عن إجراء مراجعة لقرار 2009 “لن تضحي إدارة ترامب بازدهار أمتنا وأمن الطاقة وحرية شعبنا من أجل برنامج يخنق صناعاتنا وحركتنا وحرية الاختيار لدى المستهلكين”.
وأرسل اقتراحه إلى البيت الأبيض في 30 حزيران/يونيو للموافقة عليه، ومن المتوقع إعلان ذلك رسميا في وقت قريب.
ويتوقع أن تجادل الحكومة بأنه تم التقليل من شأن الكلفة الاقتصادية للإجراءات المختلفة وبأن التلوث الناجم عن المركبات الأميركية يمثل نسبة ضئيلة للغاية من انبعاثات غازات الدفيئة على مستوى العالم.
ومع ذلك، فإن قطاع النقل هو المصدر الأكبر للانبعاثات الملوثة في الولايات المتحدة.
وحذّرت دينا أدلر، أستاذة القانون في جامعة نيويورك، قائلة “إذا لم تُعَد انبعاثات المركبات مساهما في تغير المناخ، فمن الصعب أن أتخيل ما يمكن اعتباره كذلك”.
منذ العام 1970، تجاوزت الانبعاثات الصادرة عن المركبات في الولايات المتحدة الانبعاثات الإجمالية للدول التسع التي تأتي بعدها في قائمة الدول الأكثر تلويثا، وفقا لتحليل أجراه معهد “نزاهة السياسات” (بوليسي إنتغريتي).
مواجهة دعاوى قضائية
إذا ألغت إدارة ترامب القرار الصادر عام 2009، من المرجح أن تواجه دعاوى قضائية.
في آذار/مارس، سعت وكالة حماية البيئة تحت إدارة ترامب بالاستناد إلى حكم صادر عن المحكمة العليا عام 2024 لتقليص سلطات الوكالات الفدرالية.
لكن العديد من المحامين يقولون إن النجاح في ذلك غير مضمون أمام المحكمة.
وقالت أدلر إن “الأمر سيستغرق سنوات” للوصول إلى المحكمة العليا. وإصدار حكم لصالح إدارة ترامب هو بمثابة نقض لقرارها الصادر عام 2007 وهو في أساس “إندينجرمنت فايندنغ”.
لكن لا شيء مستحيل، فقد ألغت المحكمة العليا الحق الفدرالي في الإجهاض عام 2022، ما شكل تحولا تاما عن القرار الصادر في العام 1973.
وحتى لو نجحت إدارة ترامب وألغت القيود التنظيمية، فإن القطاعات لن تغير ممارساتها بين ليلة وضحاها.
وقال جون توبين دي لا بونتي، أستاذ إدارة الأعمال في جامعة كورنيل، إن شركات الكهرباء على سبيل المثال “لن تتخذ قراراتها” بشأن استثمارات كبرى استنادا إلى “تغييرات قصيرة الأجل في السياسات”.
اضف تعليق