q
مئة عام بالتمام والكمال مرت على نهاية الحرب العالمية الأولى التي حصدت ملايين الجنود والمدنيين الاوربيين، كما ترملت ملايين النساء، وباضعاف هذا العدد يتم أطفال اوربا، انها حرب الأنظمة الفاسدة التي لا تؤمن بالاخر، حيث تخترق حدود الدول ليس لفتح افاق التواصل انما لالغاء الاخر.

مئة عام بالتمام والكمال مرت على نهاية الحرب العالمية الأولى التي حصدت ملايين الجنود والمدنيين الاوربيين، كما ترملت ملايين النساء، وباضعاف هذا العدد يتم أطفال اوربا، انها حرب الأنظمة الفاسدة التي لا تؤمن بالاخر، حيث تخترق حدود الدول ليس لفتح افاق التواصل انما لالغاء الاخر وسحقه الى الابد.

سيطرت الحكومات الديكتاتورية على بعض الدول فتضخمت ماكنتها العسكرية وبحثت عن وسيلة لتجريبها، في المقابل أصيبت الدول الديمقراطية بالفساد وضعف الإدارة ما جعلها عرضة للاجتياح كما انها استغلت الحرب للهروب من الفشل وذلك عبر تركيز الجهود على العمليات الحربية.

بدأت المعركة بتزييف الوعي، وتصاعدت الى ان صارت رقابة مشددة وانتهت الى تبني خطاب واحد عنوانه الحرب على كل شيء خارج نطاق الدولة، وكل دولة تزاحم الأخرى على مصالحها حيث تشابكت ولم يعد للحدود معنى لتنهار كل الاتفاقيات تحت ضغط الخطاب العدواني.

اليوم وفي احتفالات مئوية تلك الحرب التي دمرت كل ما يقف امامها، تعود النسخة الجديدة من زعماء الحرب، بنفس الخطاب العنصري، يقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون في باريس حيث تقام الاحتفالات، جاء فلادمير بوتين أيضا من روسيا وانجيلا ميركل من المانيا، وعشرات من الأمراء والملوك والرؤساء ورؤساء الحكومات من أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط ومناطق أخرى.

والمراسم التي تشهدها باريس هي محور فعاليات عالمية لتكريم نحو عشرة ملايين جندي قتلوا خلال الحرب التي دارت رحاها بين عامي 1914 و1918. وتأتي إحياء لذكرى لحظة دخول الهدنة التي جرى توقيعها في شمال شرق فرنسا حيز التنفيذ في الساعة الحادية عشرة صباحا من يوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر من عام 1918.

كان الصراع أحد أكثر الصراعات دموية في التاريخ وأعاد صياغة سياسات أوروبا وتركيبتها السكانية. غير أن السلام لم يدم طويلا فبعد 20 عاما غزت ألمانيا النازية جيرانها.

وأمضى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أسبوعا في الإعداد لاحتفالات الأحد فجاب بلدات كانت ساحات قتال في الحرب على الجبهة الغربية لفرنسا. وأثناء الجولة حذر من مخاطر عودة النزعات القومية في أوروبا قائلا إنها تشكل تهديدا للقارة - وهو موضوع تطرق إليه مرة أخرى في كلمته يوم الأحد. فقال "الوطنية هي النقيض الدقيق للقومية. القومية هي خيانة الوطنية".

وأضاف "الشياطين القديمة تبعث من جديد مستعدة لنشر الفوضى والموت" محذرا من كيف يمكن استغلال الفكر والدين وتجاهل الحقائق. وقال "التاريخ يهدد في بعض الأحيان بتكرار أنماطه المأساوية وتقويض ميراث السلام الذي كنا نعتقد أن وقعناه بدماء أسلافنا".

ما قبل الحرب

وفي الولايات المتحدة الامريكية التي خسرت مئة الف شخص بالحرب قال ماثيو نايلور الرئيس والرئيس التنفيذي للمتحف الوطني للحرب العالمية الأولى في كانساس سيتي بولاية ميزوري إن الدروس المستفادة من الحرب العالمية الأولى لها صلة بالأوضاع الراهنة في العالم أكثر من أي وقت مضى.

وذكر في بيان "في عالم تتنامى فيه العولمة والتطرف والتوترات بين الدول.. من الواضح أن دروس الحرب العالمية مستمرة ليومنا هذا".

وتابع قائلا في إشارة للعام الذي اندلعت فيه الحرب "يشبه العالم اليوم ما كان عليه الحال عام 1914 أكثر من أي وقت مضى طيلة 104 أعوام. وبينما نحيي الذكرى المئوية لاتفاق الهدنة من المهم ألا نسير دون وعي صوب الكارثة".

لنبقى بحالة حرب

اما على مستوى المانيا فقد اعترض ألكسندر جولاند الزعيم المشارك لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف على مشاركة المستشارة أنجيلا ميركل في احتفالات فرنسان قائلا انه ينبغي عدم المشاركة في احتفال بفرنسا يوم الأحد بالذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى لأنه احتفاء بالمنتصرين في الحرب.

وأضاف جولاند أن ألمانيا خسرت هذه الحرب وبالتالي فإن مشاركة ميركل في احتفال الحلفاء السابقين يرقى إلى محاولة لإعادة كتابة التاريخ.

وقال "لا يمكن أن نضع أنفسنا في موقف تاريخي يحابي بوضوح المنتصر والسير إلى جانب السيد ماكرون عند قوس النصر" في إشارة إلى موقع إقامة الاحتفال في باريس.

ويسعى اليمين القومي الألماني لرد الاعتبار للامبراطورية الألمانية ودورها في الحرب العالمية الأولى، ليثير من جديد جدلا يعود إلى عقود، مع اقتراب ذكرى مرور مئة عام على الهدنة.

ونشرت مجلة "كومباكت" القريبة من الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" عددا خاصا كرس لمعاهدة فرساي الموقعة في 1919 والتي حملت الرايخ مسؤولية الحرب الكبرى وفرضت على البلاد دفع تعويضات هائلة.

ويحمل العنوان ""عار فرساي: كيف أخضعت الدول المنتصرة ألأمانيا" بحد ذاته مغزى كبيرا بتذكيره بالخطاب الانتقامي الذي استخدمه، في عشرينيات القرن الماضي، أولئك الذين يشعرون بالحنين إلى الامبراطورية والنازيين.

وتهدف المجلة، من خلال ذلك، الى تمجيد الامبراطورية الألمانية (19871-1918) التي تمثل لدى الوجدان الجماعي الألماني منذ عدة عقود أولى القوى المدمرة في القرن العشرين.

انصار حكم الرايخ

هذه الآراء المتضاربة حول الرايخ ليست جديدة ونجمت عن جدل هز الرأي العام منذ ستينات القرن الماضي وسمي "جدل فيشر". ويسعى الأستاذ في جامعة هامبورغ فريتز فيشر في كتابه "أهداف حرب ألمانيا الامبراطورية 1914-1918"، إلى إثبات أن ألمانيا كانت في عهد غيليوم الثاني أول من دفع باتجاه حرب منذ تموز/يوليو 1914 لتروي تعطشها للسلطة على الصعيد العالمي. وعزا المؤلف أصول صعود النازية لعدم تحقيق هذا الطموح.

وقال يورن ليونهارد الأستاذ في جامعة فريبورغ-ان-بريسغاو لوكالة فرانس برس إن "هذا التفسير لفيشر الذي يميل إلى تبنيه اليسار أكثر من اليمين، يستند إلى انتقادات حادة وجهت إلى الامبراطورية الألمانية بسبب نزعتها العسكرية والتوسعية، ويعتبر أن وحدها ديموقراطية قوية يمكن أن تعوض" عن الأذى الذي وقع قبل 1945.

أما حزب "البديل من أجل ألمانيا" فيرى أن هذا التفسير يعكس رأي المنتصرين في الحرب ويرى في الرايخ نموذجا إيجابيا. ويقول المؤرخ كلاوس بيتر سيك أن الأمر من وجهة نظر "البديل من أجل ألمانيا" يتعلق "بإعادة الاعتبار للامبراطورية (...) لأنها (تمثل دولة) حديثة بقوتها الصناعية وفي الوقت نفسه، محافظة جدا". بحسب فرانس برس.

ويشير إلى أن "قيم الرايخ الألماني" تتطابق مع قيم الحزب اليميني المتطرف وهي "الانضباط والنظام". لذلك يدرج ممثلو اليمين القومي في خطبهم إشارات إلى المستشار السابق في عهد الامبراطورية أوتو فون بيسمارك (1815-1898) أو إلى "عصر القصور البروسية" التي تشكل "مصدر فخر" للألمان.

وذهب الأمر بزعيم "البديل من أجل ألمانيا" الكسندر غولاند إلى حد اعتبار النظام الهتلري بأنه لا يقارن مع "الف سنة من التاريخ الألماني المجيد".

ويهدف اليمين المتطرف الى جعل "الألمان فخورين بتاريخهم وبالأمة الألمانية وألا يروا في ذلك شبح النازية" وبخاصة أن الأجيال التي شهدت الحربين العالميتين بدأت بالزوال.

جروح قديمة

وعاد الجمهور العريض من جهته للاهتمام من جديد بالحرب العالمية الأولى مع صدور كتاب "صيف 1914 كيف سارت أوروبا إلى الحرب" للمؤرخ كريستوفر كلارك في 2013. ويوضح المؤلف في كتابه أن ألمانيا وامبراطورية النمسا-المجر تتحملان بالتأكيد مسؤولية كبيرة في اندلاع النزاع، لكن قيصر روسيا وباريس ولندن لم تكن أفضل لانها لجأت إلى التصعيد ورغبت فيه.

وكتبت صحيفة "فرانكفورتر ألغمانيه تسايتونغ" حينذاك، أن هذا الكتاب الذي لقي نجاحا كبيرا "كشف عن حاجة متأصلة إلى التحرر من التأنيب والشعور بالذنب". لكن السلطات العامة، تنظر الى أهوال النصف الأول من القرن العشرين على أنها قضية حساسة.

وتقام احتفالات الذكرى المئوية، هذا العام، بحدها الدنيا. وفي برلين أقيم مؤتمر بعنوان "كسب السلام" في منتصف تشرين الأول/اكتوبر، لكنه لم يفتح للجمهور. كما لن تقام مراسم كبيرة في ألمانيا التي لا تضم إلا عددا ضئيلا من النصب المخصصة لقتلى الحرب العالمية الأولى.

ويرى ليونهارد أن "السياسات الألمانية تولي أهمية كبرى لعدم فتح الجروح القديمة"، مشيرا إلى أنها "رؤية (المستشارة) أنغيلا ميركل (...) وهذا جزء من شخصيتها المتحفظة جدا".

ولن تشارك ميركل سوى بمناسبة واحدة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر في ريتوند حيث تم توقيع الهدنة التي أنهت الحرب على الجبهة الغربية في أوروبا.

الحرب بالأرقام

وتتبعت وكالة فرانس برس تاريخ الحرب العالمية الأولى عبر مصادر تاريخية، وبينت انه حين اندلعت الحرب في صيف 1914، اقتصر عدد الدول المشاركة فيها على حوالى عشر دول مستقلّة. أما البقيّة فانضمّت إلى النزاع بصورة تدريجية، مثل إيطاليا في 1915 والولايات المتحدة في 1917. لكن عدد سكان تلك الدول بلغ 800 مليون نسمة أي نصف سكّان المعمورة يومئذ.

وعندما وضعت الحرب أوزارها، كانت هناك حوالى 20 دولة فقط تمكّنت من البقاء على الحياد طيلة سنوات النزاع الأربع غالبيتها في أميركا اللاتينية وأوروبا الشمالية.

70 مليون جندي

عندما اندلعت الحرب، تمّ حشد حوالى 20 مليون جندي، ولكنّ هذا الرقم استمر بالارتفاع، ليصل إلى ما مجموعه 70 مليون جندي على مدى سنوات حرب الأربع.

وحشدت فرنسا على مدار سنيّ الحرب أكثر من ثمانية ملايين جندي، وألمانيا 13 مليوناً، والنمسا-المجر تسعة ملايين، وبريطانيا تسعة ملايين (بما في ذلك مستعمراتها)، وروسيا 18 مليوناً، وإيطاليا ستة ملايين، والولايات المتّحدة اربعة ملايين. وتم تجنيد مليوني رجل في الإمبراطورية البريطانية، لا سيما في الهند، بينما جنّدت فرنسا 600 ألف رجل في مستعمراتها في إفريقيا.

10 ملايين قتيل عسكري

حصدت الحرب في صفوف العسكر عشرة ملايين قتيل وعشرين مليون جريح. وتوزّع القتلى والجرحى كالآتي:

- فرنسا: 1,4 مليون قتيل و4,2 مليون جريح

- ألمانيا: مليونا قتيل و4,2 ملايين جريح

- النمسا-المجر: 1,4 مليون قتيل و3,6 ملايين جريح

- روسيا: مليونا قتيل وخمسة ملايين جريح

- بريطانيا وإمبراطوريتها: 960 ألف قتيل ومليونا جريح

- إيطاليا 600 ألف قتيل ومليون جريح

- السلطنة العثمانية: 800 ألف قتيل.

نسبياً، تكبّد الجيش الصربي الصغير أفدح الخسائر، إذ سقط في صفوفه 130 ألف قتيل و135 ألف جريح أي ثلاثة أرباع عديده.

ووقعت أفدح الخسائر البشرية في معركتي فردان والسوم المفصليّتين في 1916. فقد حصدت معركة فردان في صفوف طرفي النزاع ما مجموعه 770 ألف عسكري بين قتيل وجريح ومفقود، بينما حصدت معركة السوم مليوناً و200 ألف عسكري بين قتيل وجريح ومفقود.

وكانت بدايات الحرب الأكثر إيلاماً، فقد قتل في 22 آب/أغسطس 1914 حوالى 27 ألف عسكري فرنسي في أكثر يوم دموية في تاريخ الجيش الفرنسي على الإطلاق.

وسقط 70% من القتلى والجرحى بالقصف المدفعي الذي تسبّب بتشويهات دائمة لدى ما بين 5 و6 ملايين عسكري.

أما الغاز الحارق الذي استخدم للمرة الأولى في 1915 فحصد 20 ألف قتيل، ولكنّه ترك بالمقابل إحدى أسوأ ذكريات الحرب.

ملايين القتلى المدنيين

يُعتقد أنّ العمليات العسكرية في بداية الحرب والهجرات والمجاعة والحرب الأهلية في روسيا والصراعات الإقليمية في فترة ما بعد الحرب حصدت أرواح ما بين 5 و10 ملايين مدني، وفقاً لتقديرات بعض المؤرّخين، وهو رقم يشمل ما بين 1,2 مليون و1,5 مليون أرمني - هذا الرقم محل نزاع- قتلوا في السلطنة العثمانية.

في نهاية الحرب، حصد وباء إنفلونزا عالمي أطلق عليه اسم "الإنفلونزا الإسبانية" عشرات الملايين من الضحايا في أوروبا.

أرقام أخرى

6 ملايين سجين.

20 مليون مدني تحت الاحتلال في 1915. هذا الاحتلال، سواء أكان ألمانياً أم نمساوياً-مجرياً أم بلغارياً، يتعلّق بشكل رئيسي ببلجيكا وفرنسا وبولندا وصربيا.

10 ملايين لاجئ في جميع أنحاء أوروبا.

3 ملايين أرملة و 6 ملايين يتيم.

1,3 مليار قذيفة أطلقت خلال الحرب.

10 مليارات رسالة وطرد تم تبادلها بين مقاتلي الجبهة الغربية وعائلاتهم.

بلغت تكلفة الحرب ما قيمته 3 إلى 4 أضعاف إجمالي الناتج المحلي للبلدان الأوروبية التي خرجت من الصراع مدمّرة تماماً.

اضف تعليق