إن كل إنسان شابا كان أو في مرحلة عمرية أخرى، يقع عليه عبء كبير في مواجهة شهواته الباطلة، فالحقيقة هو صراع شديد ومؤلم ولا يفوز به إلا من آمن بالله تعالى، وتمسك به، ووضع في حسبانه أن يرضي ربه ويلتزم بالأحكام الشرعية، ويراعي حقوق الناس...
(يجب على كل شخص أن يمتلك إرادة وعزما وتصميما، فيكون مثابراً ومجاهداً)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
يُقصَد بمفردة (تحييد)، إفراغ الشيء من قدراته، وعدم منحه الفرصة للتأثير، وتحييد شهوات الإنسان، بمعنى إبطالها، وإيقافها عن الفعل والتأثير، ولكن كما هو معروف، هناك شهوات مسموح بها إذا كانت متوازنة، وإذا استخدمها الإنسان بشكل مقبول، وفق الأحكام الشرعية، والأعراف والتقاليد، وما يقبله العقل السليم.
لذا من الأفضل لكل فرد أن يهيمن على شهواته، ويقودها، وليس العكس، فهناك شهوات هي التي تهيمن على صاحبها، وبالتالي هي التي تتحكم به، وهذه مشكلة كبيرة يتعرض لها الإنسان إذا كان تابعا لشهواته، حيث تأخذه إلى مآربها، فينحرف شرّ انحراف، وتغدو شهواته باطلة، كونها تسوق صاحبها إلى ما لا يقبل به الله تعالى.
لذا فإن الأعمال التي يسعى الإنسان من خلالها إلى التقرب لله تعالى، سوف تتضمن هداية له، لأن العمل الذي يُنجَز تقرّبا إلى الله، لابد أن تكون فيه هداية، لذا أي شيء نقيض للهداية يعني أنه من فعل الشيطان، وأقرب إلى إبليس من سواه، ولهذا فهو عمل ملعون، والشهوة المنحرفة غالبا ما تجعل من صاحبها تابعا للشيطان ومؤتمِرا بأمره.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول في سلسلة نبراس المعرفة: محاضرة الهداية:
(إنّ كل جهد ليس لله تعالى ليست ورائه هداية، ولا يكون طريقاً إلى الله تعالى، بل هو مجرد شيطنة وطريق إلى إبليس عليه لعنة الله).
بالطبع ليس أمام الإنسان في قاعة الحياة سوى الحركة والفعل والإنجاز، ومن غير المقبول أن يبقى ساكنا جامدا في مكانه، ولا يُقبَل منه الكسل أو العجز والخمول، لأنه مطالَب بالعمل والحركة، على أن يكون هذا العمل والحركة معروفة الهدف مسبقا، بعد أن يفهم مغزاها، وما المطلوب منها، بمعنى عليه أن يفهم ثم يتحرك بعيدا عن الكسل.
الاستجابة لأحكام الله تعالى
والشرط الأهم في هذا النوع من الحركة والفعل والعمل، أن يكون في سبيل الله، وليس عكس ذلك، حتى لا تكون للشيطان أو الباطل حصة فيه، فهناك الكثير من الأعمال التي يبذل خلالها الإنسان جهدا واضحا وكبيرا، ولكن قد لا تؤتي أُكُلها، لأنها ببساطة لا تُرضي الله تعالى، وبالتالي لا فائدة منها كونها تضر من يقوم بها أكثر مما تنفعه.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(لا شك أن على الإنسان أن يبذل جهده وأن لا يكون كسولاً، لكنه عليه أن يعرف هدفه من وراء ذلك البذل، هل هو في سبيل الله تعالى؟!).
وهناك مشكلة ظاهرة للعيان في المجتمع، يرتكبها الأفراد، عندما تكون حركتهم والجهد الذي يبذلونه بعيدا عن القبول الإلهي، ولا يستجيب لأحكام الله تعالى، بل يهدف الاستجابة لشهواتهم، حيث تأمرهم بسلوك المسالك الباطلة فلا يترددون عن ذلك، ويصبح الإنسان في هذه الحالة عبدا لشهوته المريضة الباطلة.
لذا من المؤسف حقا أن يقدم الإنسان جهودا مهمة لكنها تذهب هباءً أو تضيع سدى، لأنها تهدف إلى إشباع شهوات باطلة، فتضيع جهودهم سدى.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(هنالك الكثير من الناس يبذلون جهدهم، لكنهم يبذلونه في تحقيق شهواتهم وملذّاتهم).
لهذا فالمطلوب من كل إنسان أن يكون ذا إرادة قوية، وذا عزم كبير، وتصميم لا يلين، فيكون من المثابرين الذين يخوضون الصراع المرير مع أنفسهم أولا، فالصراع أو خوض الحرب ليس في ساحة المعركة فقط، وإنما هناك ميادين أخرى للحرب، وهي المعركة ضد شهوات النفس، حيث تدفع بصاحبها نحو الدرك الأسفل.
لذا يجب أن يكون الإنسان مقاتلا من الدرجة الأولى ضد شهواته الباطلة، وضد نفسه الأمارة بالسوء، وهنا لا يكون الأمر سهلا عليه، بل سيخوض صراعا مريرا مع شهواته وضد نفسه، قد لا يقل خطرا عن خوضه المعركة ضد أعدائه الفعليين، فالصراع ضد الشهوات قد يفوق أحيانا المعركة الحقيقية ضد العدو الشاخص أمامك، لأن الشهوة الباطلة يمكن أن تذهب بك إلى نتائج لا تليق بمكانة وقيمة الإنسان.
من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(يجب على كل شخص أن يمتلك إرادة وعزما وتصميما، فيكون أولاً مثابراً ويكون ثانياً مجاهداً، والجهاد هنا ليس جهاد الأعداء في ساحات الوغى والحروب فقط، بل هو أعم من ذلك، ومنه جهاد الإنسان مع شهواته الباطلة والضارّة، وجهاد الإنسان مع نفسه الأمارة بالسوء).
الإنسان المؤمن لا تثنيه العقبات
هناك خطوتان في غاية الأهمية على الشباب (من كلا الجنسين) الالتزام بهما، وتطبيقهما جيدا، لكي تكون النتائج في صالحهم، الخطوة الأولى على كل شاب أن لا تكون حياته عبارة عن وجود هشّ وفائض في هذه الحياة، بل يجب أن يحجز لنفسه وشخصه وكيانه الحيز العملي الحركي الإنتاجي المتميز في هذه الحياة.
وهذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا عزم الإنسان الشاب بالدرجة الأولى على أن يكون مثابرا، متحركا فاعلا لا تثنيه العوائق ولا الكسل عن الإنتاج والعمل، لهذا فإن الخطوة المهمة الأولى أن لا ينصاع الشاب للكسل، ولا يبقى أسير العدم والجمود، بل المطلوب منه أن يكون في حركة دائبة ومستمرة ومتواصلة لكي يحقق أهدافه، ولا ينبغي أن يمر عمره (ايامه، شهوره، وسنواته) مرور الكرام، فلا يعرف منها شيئا.
هذا ما يقوله سماحة المرجع الشيرازي دام ظله بوضوح:
(على الإنسان في الوهلة الأولى لاسيما الشباب والفتيات من المؤمنين والمؤمنات أن يقوموا بأمرين، الأمر الأول: أن يبذلوا جهدهم باستمرار لكي لا تكون حياتهم كسلا وتقاعسا، فالنهار والليل واليوم والأسبوع والشهر والسنة الذي يمرّ على هؤلاء شيئاً فشيئاً يجب أن يكون مقروناً بالعمل).
والخطوة الأهم الثانية، أن يكون كل عمل يقوم به الإنسان الشاب أو سواه، آتيا في سبيل الله تعالى، أو يأتي في طريق الله تعالى، هذا هو الهدف الأهم، وهذا هو المطلوب من الجميع، وهو أمر غير مختص بالرجل وحده، ولا بالمرأة وحدها، ولا بمرحلة عمرية معينة، جميع العباد مشمولين بهذه الخطوة الثانية المهمة.
ولنعلم جميعا أن كل من يضع أعماله في سبيل الله فهو من المحسنين، وهؤلاء عندهم مكانة كبيرة عند الله تعالى.
حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله على الأمر الثاني قائلا:
(أما الأمر الثاني: عليهم أن يركزوا في أن يكون الجهد مبذولاً في سبيل الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا) لأن الهدف الصحيح من وراء الجهد هو الله تعالى، ولا فرق يكون الإنسان المجاهد رجلاً أم امرأة، عالماً ام كاسباً، متزوجاً أم غير متزوج، فقيراً ام غنياً، فهذا التوفيق يكون من الله سبحانه وتعالى (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) وهذا التعقيب في الآية الكريمة لعله يُشير إلى هذا الإنسان المحسن الذي تظهر فيه مصادیق المحسنين).
من هنا فإن كل إنسان شابا كان أو في مرحلة عمرية أخرى، يقع عليه عبء كبير في مواجهة شهواته الباطلة، فالحقيقة هو صراع شديد ومؤلم ولا يفوز به إلا من آمن بالله تعالى، وتمسك به، ووضع في حسبانه أن يرضي ربه ويلتزم بالأحكام الشرعية، ويراعي حقوق الناس، ويحترم الأعراف والتقاليد، ويساهم في بناء المجتمع الملتزم الراقي الكريم.
اضف تعليق