q
هل ان الفقر علة ام معلول، نتيجة ام سبب؟ وتوصلت الى جواب لهذه السؤال اتمنى ان يكون موضع قبول وهو: ان الفقر علة لكثير من الظواهر المؤلمة والمؤسفة في المجتمع، كما انه معلول لعدد من الاسباب والعوامل والعلل، والامر يقتضي ان نعالج الفقر بوجهيه...

لا اخفي على القراء انني ما زلت افكر كثيرا في اطروحة استاذنا الكبير غالب الشابندر "الاسلام العملي". والسبب المباشر هو رغبتي في ان اجد اين تلتقي او تختلف هذه الاطروحة مع اطروحتي في الدولة الحضارية الحديثة.

ليس عندي موقف نظري او شخصي سلبي مسبق من اطروحة الاسلام العملي، فهي كما نقرأ من عنوانها دعوة الى العمل بما هو متوفر من امكانيات وقدرات، لتقديم علاجات انقاذية مباشرة لما هو متوفر من مشكلات ملحة، يقف على رأسها الفقر. انه مشروع اغاثة عاجل حتى وان اتصف بالفردية من حيث الجهة المستهدفة.

وهذه دعوة صائبة. ذلك ان معدل الفقر في العراق، وخاصة في المحافظات ذات الاغلبية الشيعية، يكسر الظهر. وانا مطلع بحكم طبيعة عملي على حالات اجتماعية كثيرة يشيب لها الطفل سببها الفقر.

ولا شك ان الغيرة الشيعية تلح على الانسان ان يشبع الجائع ويكسو العريان ويغني الفقير، حفاظا على الكرامة، وصونا للعرض.

ولا شك ان اي جهد يبذل في هذا المجال، كما يفعل استاذنا الشابندر وغيره من الاغيار في مجتمعنا سواء على شكل فردي او مؤسساتي، هو جهد مبارك لن يضيع ثوابه واجره عند الله. وحسب علمي هناك الكثير من المبادرات الناجحة في هذا المجال.

وكما نفكر في سلاسل العلة والمعلول، سألت نفسي: هل ان الفقر علة ام معلول، نتيجة ام سبب؟ وتوصلت الى جواب لهذه السؤال اتمنى ان يكون موضع قبول وهو: ان الفقر علة لكثير من الظواهر المؤلمة والمؤسفة في المجتمع، كما انه معلول لعدد من الاسباب والعوامل والعلل.

والامر يقتضي ان نعالج الفقر بوجهيه.

نعالج الفقر اولا بوصفه سببا، وهذا ما يقدمه استاذنا الشابندر في مشروعه الخيري العملي. وهو مشروع يستحق الدعم والتأييد والمباركة.

ونعالج الفقر ثانيا بوصفه نتيجةً من خلال معالجة الاسباب والعوامل التي انتجت الفقر، بعد تشخيصها.

والفقر ظاهرة اقتصادية، وعليه فان اسبابه بدورها اقتصادية على الاكثر.

والاسباب الاقتصادية متعلقة بالانتاج والتوزيع.

والانتاج والتوزيع مرتبطان بالمركب الحضاري المؤلف من خمسة عناصر هي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل.

واذاً من اجل معالجة الفقر بوصفه نتيجة فنحن بحاجة الى نظام اقتصادي قادر على تشغيل هذه العناصر الخمسة بطريقة تحقق وفرة في الانتاج وعدالة في التوزيع. وهذا ما ازعم ان اطروحة الدولة الحضارية الحديثة قادرة على تحقيقه.

في بلد كالعراق متعدد الثروات الطبيعية وكبير المساحة نسبة الى عدد السكان فانه بالإمكان اقامة نظام اقتصادي انتاجي تعددي، يحول البلد الى ورشة مزدحمة بالنشاط البشري في مختلف المجالات، من الزراعة والصناعة والخدمات والتجارة، اذا تمكن هذا النظام الاقتصادي من خلق بيئة محفزة للنشاط الاقتصادي الخاص، واذا تمكنت منظومة القوانين من تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة وفرص العمل والتأهيل للايدي العاملة من النساء والرجال، واذا تمكنت الدولة من اقامة علاقات دولية تكاملية تخدم النمو الاقتصادي والرفاهية لمواطنيها. عند ذاك يمكن ان يكون النشاط القائم باسم الاسلام العملي حلقة مهمة من سلسة النشاطات الاجتماعية الاقتصادية التي تتم اسلاميا تحت عنوان التكافل الاجتماعي والعمل لوجه الله، وهو مما يدعو اليه الاسلام (بدون الحاجة الى صفة إضافية).

بناء على هذا وصلت الى نتيجة مضمونها: دعهم يعملون. من يعمل على معالجة الفقر كنتيجة ومن يعمل على معالجة الفقر كسبب. الاول علاج مرحلي عاجل، والثاني علاج يقيم حياة لا تسمح بالفقر. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ".

وبذا يلتقي مشروع الاسلام العملي مع اطروحة الدولة الحضارية الحديثة على اساس علاقة التكامل وليس علاقة التزاحم.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق