q
استخدم علماء فيزياء حاسوبًا كميًّا لتحقيق نوع جديد من الانتقال الآني الكمّي. ويقصد بذلك القدرة على نقل الحالات الكمّية بين نقطتين متباعدتين، كما لو أمكن نقل المعلومات آنيًا، وصحيح أن الانتقال الآني ثبت إمكان تحقيقه في مجال تقنيات الكم، الا ان هذه التجربة هدفت إلى محاكاة سلوك ممر يسمى الثقب الدودي...
بقلم: دافيديه كاستلفيكي

استخدم علماء فيزياء حاسوبًا كميًّا لتحقيق نوع جديد من الانتقال الآني الكمّي. ويقصد بذلك القدرة على نقل الحالات الكمّية بين نقطتين متباعدتين، كما لو أمكن نقل المعلومات آنيًا. وصحيح أن الانتقال الآني ثبت إمكان تحقيقه في مجال تقنيات الكم، إلا أن هذه التجربة، الأحدث في هذا الصدد، هدفت إلى محاكاة سلوك ممر يسمى «الثقب الدودي»، وذلك في كون افتراضي.

ويفيد الفريق البحثي القائم على هذه الدراسة، التي نُشرت نتائجها في دورية Natureفي الثلاثين من نوفمبر الماضي ((D. Jafferis et al. Nature 612 , 51–55; 2022، أن التجربة تمثِّل خطوة نحو استخدام ميكانيكا الكم التقليدية، لاستكشاف مدى صحة عدة فرضيات بخصوص أكوان نظرية، يبدو أن قواعد ميكانيكا الكم وقواعد الجاذبية تتناغمان فيها ولا تتعارضان معًا. وقد تُساعدنا الحواسيب الكميّة على وضع نظريات كميّة عن الجاذبية في هذه "الأكوان اللُعبة". (تجدر الإشارة إلى أن وضع تفسير نظري لآليات الجاذبية باستخدام علوم الكم، يُعد أحد أكبر المعضلات التي لا تزال إلى اليوم تشكِّل لغزًا في علم الفيزياء).

تعقيبًا على تلك التجربة، تقول ماريا سبيروبولو، عالمة فيزياء الجسيمات من معهد كاليفورنيا للتقنية في مدينة باسادينا الأمريكية، التي قادت الدراسة: "إنه اختبار لصحة التصوُرات عن الجاذبية الكمّية، يُجرى على منصة اختبار تجريبية حقيقية".

أنفاق في الزمان المكاني

عام 1935، طَرح عالما الفيزياء ألبرت آينشتاين، وناثان روزِن فكرة الثقوب الدودية، وهي ممرات عبر الزمان المكاني يمكن أن تَصل بين مركزي ثقبين أسودين. ووفقًا لحساباتهما، وبناءً على نظرية النسبية العامة التي وضعها آينشتاين، التي تفسر الجاذبية على أنها أثر لانحناء الزمان المكاني على نفسه، يمكن أن تتحقق الثقوب الدودية. (سرعان ما أدرك علماء الفيزياء أن الثقوب الدودية، حتى إن وجدت، فمن المستبعد أن تتيح إمكانية السفر بين النجوم على النحو الذي تعرضه أعمال الخيال العلمي).

انبنت تجربة الانتقال الآني الأخيرة هذه على فرضية لكونٍ لعبة عجيبًا. فلم تستهدف على الإطلاق محاكاة الثقوب الدودية، التي قد نتصور وجودها في كوننا، وفقًا لما أشار إليه آينشتاين وروزِن. ومع ذلك، يمكن تأويل نتائج التجربة على أنها تصنع مناظرًا للثقوب الدودية في المنظومة التي افترض آينشتاين وروزِن وجودها، فالمعلومات التي أُدخلت في أحد جانبي الثقب الدودي ظهرت على الجانب الآخر منه.

في ذلك الصدد، يقول واضعو الدراسة في مقال مصاحب لها، نُشر مؤخرًا في قسم «أنباء وآراء» News and Views بدورية Nature ( A.R. Brown and L.Susskind Nature 612, 41-42; 2022) ، إن "المفاجأة الحقيقية ليست أن الرسالة قد وصلت بشكل ما إلى الجانب الآخر، وإنما أنها وصلت على أتم وجه". غير أنه يَسهل فهم ذلك، من وصف الورقة البحثية للجاذبية في التجربة، الذي ورد فيه: أن الرسالة وصلت إلى الجانب الآخر على أتم وجه لأنها عبرت الثقب الدودي.

خصائص فيزيائية عجيبة

استلهم الباحثون فكرة التجربة من أبحاث سابقة، ربطت بين الخصائص الفيزيائية لأكوان غريبة، وصورة الجاذبية بها، ومنظومات كميّة قياسية، تبقى منظومات افتراضية. وتقوم فكرة التجربة الرئيسية على أن نمطًا نظريًا من الزمان المكاني ينشأ عن السلوك الجمعي للجسيمات الكمية العادية الموجودة فيما يُمكن وصفه بما يشبه «عالم ظل»، وذلك على غرار الآلية التي يوحي بها هولوجرام ثنائي الأبعاد على نحو خادع بصورة ثلاثية الأبعاد. وهذا السلوك "الهولوجرامي" يحدد شكل انحناء الزمان المكاني على نفسه لتَنتج تأثيرات الجاذبية.

ورغم أن علماء الفيزياء لم يتوصلوا بعد إلى آلية يمكن بها أن يطرحوا تفسيرًا نظريًا مباشرًا قائمًا على فيزياء الكم لظواهر الجاذبية في الأكوان، إلا أنهم على يقين بأن تلك الظواهر من المحتم أن تتجسد في فيزياء عالم الظل، أي إن ظواهر الجاذبية مثل الثقوب السوداء، التي لا تزال مليئة بألغاز محيرة لعلماء الفيزياء النظرية، أو الثقوب الدودية، يجب أن تتسق مع النظريات الكمّية.

وتسير هذه التجربة على نهج كان قد أرساه سابقًا أحد المشاركين في وضع الدراسة، هو دانييل جافِرس عالم الفيزياء النظرية من جامعة هارفارد في مدينة كامبريدج في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، وذلك بالتعاوُن مع فريق من العلماء في عام 2017. (P. Gaoet al. J. High Energy Phys. 2017, 151; 2017). وقد ركّزت أبحاث هذا الفريق آنذاك على أبسط نموذج هولوجرامي مكافئ لعالم الظل، وهو نموذج يعرف باسم «ساتشيف – يي – كيتاييف» (اختصارًا SYK، نسبة إلى الأحرف الأولى من أسماء مبتكريه)، والفضاء في نموذج الكون اللعبة هذا، يتسم ببُعد واحد فقط عوضًا عن ثلاثة.

أما في أحدث الدراسات في هذا الصدد، فقد حاكى جافِرس وسبيروبولو، وفريقهما البحثي نسخة هولوجرامية أبسط حتى من تلك، مستخدمين البِتّات الكميّة بالمعالج «سيكامور» Sycamore، من شركة جوجل. وتوقع الفريق البحثي أن الجسيمات الكمّية في نموذج المحاكاة الذي استخدمه ستظهر سلوكيات تنم عن جاذبية في هذا الكون الافتراضي، إلا أن قدرات الحواسيب الكميّة الحالية حدّت إمكانيات النموذج. وعن ذلك، تقول سبيروبولو: "اضطررنا أن نبحث عن نموذج محاكاة يحتفظ نوعًا ما بخواص الجاذبية، يمكن كتابة الأكواد المُشفِّرة له على حاسوب كمّي ذي عدد محدود من البِتَّات الكمّية، وقلصنا حجمه إلى نموذج مصغر وتأكدنا أنه يحتفظ بديناميكيات الجاذبية نفسها".

ويضيف جافِرس: "لم يكن من الجليّ لنا قبل أن نعمل على هذا المشروع أن نظامًا كميًا يحتوي على هذا العدد الضئيل من البِتَّات الكمّية يُمْكن أن تنشأ به هذه الظاهرة]الجاذبية[.

ويرى بعض الباحثين أن اتجاه البحث يُعد واعدًا لوضع تفسير نظري كمي للجاذبية في كوننا، بينما يراه البعض الآخر يشكل طريقًا مسدودًا. على سبيل المثال، يقول بيتر شور، عالم الرياضيات من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بمدينة كامبريدج، إن هذه النظرية التي اختُبرت صحتها على معالجات جوجل "بالكاد ترتبط بأي تفسير نظري كمي لآليات الجاذبية في كوننا".

اضف تعليق