q
لماذا يخيم التشاؤم من الوضع السياسي على معظم أبناء الشعب العراقي الذين يعتقدون ان الأوضاع لا يمكن ان تتغير مهما حصل؟، وعلى الرغم من ان التشاؤم واحد من الامراض التي تصيب الفرد على خلفية تراكمات بفترات زمنية طويلة افضت الى هذه النتيجة المؤسفة...

لماذا يخيم التشاؤم من الوضع السياسي على معظم أبناء الشعب العراقي الذين يعتقدون ان الأوضاع لا يمكن ان تتغير مهما حصل؟، وعلى الرغم من ان التشاؤم واحد من الامراض التي تصيب الفرد على خلفية تراكمات بفترات زمنية طويلة افضت الى هذه النتيجة المؤسفة.

نظرة التشاؤم من النظرات التي راج سوقها في السنوات الأخيرة، وعلى وجه التحديد بعد ان كثرت المضادات في المجتمعات، وزادت الانحرافات التي ترافق السلوكيات الفردية في الجوانب السياسية، فلعّل من الغريب ان يصاب الشخص بنوع جديد من التشاؤم غير المعتاد عليه، بعد رحلة من اليأس قادت الى ظهور اعراض هذا المرض الذي يمكن ان نصنفه من الامراض الخطيرة التي تفتك بالمجتمعات وتحولها الى مجتمعات بائسة.

حتى أصبحت عبارة انظر الى النصف الممتلئ من القدح لا تثير انتباه الكثير، ولا تحرك ساكنا لدى الافراد الذين لا يفضلون سماعها او تقبلها، نتيجة ما يجري حولهم من سوء التقدير لما سيحدث وما يفترض ان يحدث، لتغيير حياة المجتمع من الأسوأ الى الأفضل، بعد طول انتظار ومعاناة وتعايش مع الازمات وعدم البحث للخروج من عنق الزجاجة.

اليأس الذي استقر في ذهن الافراد نابع من جدلية العلاقة بين المواطن والحلول الواقعية للمشاكل التي يعاني منها العديد، اذ يفضل شريحة واسعة البقاء منهزمين امام هذه المشاكل في الوقت الذي تصبح فيه المواجهة امر واجب لاعتدال المسار الذي انحرف عن الجادة والمنطق الصحيح الذي يحكم الموجودات فيصبح التشاؤم هو قرص الدواء الوحيد لما يجري.

المواطنون في سيارات النقل العام والأماكن الترفيهية يتحدثون عن سوء الأوضاع القائمة، وهم يعرفون ان الدول الأخرى تمكنت من تصنيع أطراف اصطناعية تحاكي مشاعر الفرد، ودولة ما صنعت سيارة يمكنها التحليق في الأوقات الحرجة والازدحامات المرورية، وأخرى وصلت الى القمر واكتشفت إمكانية العيش هناك وغيرها من الاكتشافات المبهرة التي اهتدت اليها الإنسانية.

بينما يشعر الافراد بخيبة وانتكاسة امل عندما يشاهدون أوضاعهم ذاهبة نحو الانحدار وليس صوب الرقي والازدهار، فبلدهم لا يمكنه تصنيع أدنى الحاجات الفردية، ويعتمد على سد النقص فيها على دول الجوار او الدول المصنعة الكبرى.

الشخص المتشائم من الفعل السياسي له الحق بان يذهب الى اقصى درجات التشاؤم، ففي السابق كان العراق من البلدان التي تمتلك مكانة اقتصادية مؤثرة، وجيشا يأتي في مقدمة جيوش المنطقة من حيث العدة والعدد، وكذلك ازدهار الزراعة بمختلف صنوفها، وعلى الضفة الأخرى ينمو التعليم والإنتاج الفكري، والادبي الإبداعي، كل هذه الثروات خُسرت وأصبحت من بقايا الزمن السحيق.

لماذا عدم التشاؤم؟، وانت ترى خلق الله في البلدان الأخرى يمارسون حقهم في الحياة، فبعد انتهاء ساعات العمل يفسح المجال للنزهة والتمتع بالطيبات، ومزاولة الاعمال التي تزيح الهم وتنسي الغم، بينما يحلم هو برحلة داخلية لمنطقة في جنوب بلاده او شماله، وحتى هذه الفسحة البسيطة يفتقد لها ملايين العراقيين، فمن لديه عمل يسد رمقه يُصنف من المحظوظين، كون الغالبية تبحث عن الابرة في اكوام القش ولم تظفر بها لحد الآن.

وكيف لا يكون متشائما وهو لا تزال تراوده أحلام اليقظة بأن يكون له بيتا يحفظ كرامته، ويتخلص من مطاردة خوف آخر يوم من الشهر، كونه يترقب طرق ابوابه مطالبينه بدفع الإيجار الذي اشبه ما يكون الى النزيف ومن الصعب إيقافه وأصبح يخشاه كما يخشى افعى ستبتلعه في ليلة دامسة.

وحتى الخيال يتعذر ان يمر بهذه الاحلام فيجسدها اذ لا يسمح له ان يعيش بنعيم في عالم اللاوعي، فينظر الى ما حوله خشية ان يراه أحدا غارقا بدموع الحيرة، مما يضطر الى ضغط زر الخروج من هذه الدوامة الطويلة.

وإذا سألتني هل من الممكن مكافحة آفة التشاؤم؟ أقول لك ممكن جدا، والحل هو النظر الى الجزء المملوء الذي رفضنا النظر اليه في الوهلة الأولى، على ان يكون هذا النصف مزدحم بالإنجازات التي حققتها الدولة للمواطن، على الرغم من انخفاض نسبتها مقارنة بما يجب تحقيقه، ومن ثم الطلب من المواطن النظر اليها، ذلك لخلق نوع من التوازن الداخلي، ومن ثم اخراج المشاعر السلبية، والابتعاد عن النظر الى الجزء الفارغ المملوء بالخيبة والحرمان واليأس والقمع، وكل ما يسبب المرارة والقهر.

اضف تعليق