يتطلب إصلاح صورة الجامعات الأهلية إصلاحًا شاملاً لمنظومة التعليم بأكملها، بدءًا من نظام القبول المركزي وانتهاءً بمراجعة معايير الجودة، كما أن على الجامعات الأهلية نفسها أن تسعى لإثبات كفاءتها عبر تعزيز البحث العلمي، والتشبيك مع جامعات دولية، وتوفير بيئة تعليمية حقيقية لا تُختصر في الشهادة فقط...

في الوقت الذي يستعرض فيه المسؤولون في الصف الأول بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي الإنجازات المتحققة في السنوات الماضية، فيما يخص الأتمتة الرقمية والاهتمام بالمستوى التعليمي ورصانة التعليم وتجويده، يتغافلون عن الوضع الحقيقي الذي عليه الجامعات الأهلية التي تحولت وكأنها تجمع للطلبة السيئين والكسالى في المراحل الإعدادية.

تكثر الحالات غير المرضية في الجامعات الأهلية، وكأن الضوابط والشروط المتبعة داخل الحرم الجامعي لا تكفي لتكون رادعة لبعض الأفعال غير الأخلاقية والتي لا تتفق مع القيم والعادات الاجتماعية.

الحديث هذه المرة بالتصريح بعيدًا عن التلميح، فالجامعة الأهلية أصبحت هي المهرب ذات الصبغة العلمية، فمن تقبل الطالب بمعدل 50 أو 60، عليها ألا تتفاجأ بحصول بعض الممارسات الخارجة عن المقبول أو المنطق، وهذا ليس تقليلاً لشأن المتخرج، بل توجد شواهد تحكي الواقع الحالي.

والسؤال في هذا السياق يقول: هل تحولت الجامعات الأهلية ملاذًا للكسالى أم فرصة لمن لم يلحق بالركب الأكاديمي؟

رغم التوسع الكبير في أعداد الجامعات الأهلية في عموم المحافظات العراقية خلال العقدين الأخيرين، لا تزال نظرة المجتمع تجاه هذه المؤسسات التعليمية محاطة بالكثير من التوجس والشكوك. فالشكوك تأتي من الصورة النمطية المترسخة في أذهان كثيرين يرون في الجامعة الأهلية مجرد مكان أو محيط يجتمع فيه ذوو المعدلات المنخفضة، يقابل ذلك الجامعات الحكومية التي تُقدم بوصفها معقل التفوق والجدية الأكاديمية، وهي في بعض الأحيان ليس كذلك.

لا نريد مجانبة الحقيقة أو إخفاء جزء منها، لذا فالجامعات الأهلية كانت في وقت مضى جزءًا من حل لبعض الإشكاليات المتعلقة بندرة الاختصاصات في الجامعات الحكومية. ومن المعروف أن طيلة الفترة الماضية، أي العقدين السابقين، لم تُستحدث أي جامعة حكومية ما عدا بعض الأقسام العلمية التي لا تلبي الطموح والحاجة الفعلية لسوق العمل.

ومن هنا كان الحل الأمثل من وجهة نظر المستثمرين أن يكون التعويض عن التقصير الحكومي بفتح التخصصات النادرة أو زيادة عددها لتغطي الحاجة الوطنية، وبالفعل تحقق الهدف المقصود. لكن ثم أخطاء أو خلل رافق استحداث الجامعات الأهلية، الخطأ الأول: هو التعامل مع الورق بوجود ألقاب علمية، مع غيابهم في الواقع ويقتصر الأمر على أصحاب الشهادات العليا ممن تنقصهم الخبرة في الحقل التدريسي والإداري، ومن المؤكد أن ذلك سينعكس على مخرجات تلك الكلية أو الجامعة الأهلية.

أما الخطأ الآخر فهو فقر بناها التحتية، -ما عدا نسبة قليلة جدًا من الجامعات الأهلية لديها رصيد مالي وفير تمكنت من الانطلاق بصورة صحيحة-، فالكثير من الجامعات تفتقر إلى المختبرات العلمية التي تُعد من الأركان المهمة في العملية التعليمية، لكنها حصلت على موافقات بطرق معروفة لدى الجميع.

هذه الحال جعلت من الجامعات الأهلية توصم بوصمة اجتماعية، بأنها خيار من لا خيار له، ومن لفظته الكليات الحكومية استقطبته الجامعة الأهلية، وهذا التصور لم يأتِ عن فراغ بل جاء نتيجة تجربة وواقع فعلي، يفيد بأن أصحاب المعدلات الضعيفة جدًا وجدوا من رحب بهم ووفر مقعدًا دراسيًا لهم. وتعزز هذه الوصمة تقارير وشهادات تشير إلى ضعف الانضباط الأكاديمي في بعض الجامعات الأهلية، إلى جانب اتهامات – من السهل إثباتها – بوجود تهاون في منح الدرجات أو قبول طلبة بدفع مبالغ إضافية.

إلا أن هذه الصورة لا يمكن تعميمها على جميع المؤسسات الأهلية، خاصة أن كثيرًا منها يعمل تحت إشراف وزارة التعليم العالي ويخضع لضوابط مماثلة لتلك المطبقة على الجامعات الحكومية.

وفي النهاية، يتطلب إصلاح صورة الجامعات الأهلية إصلاحًا شاملاً لمنظومة التعليم بأكملها، بدءًا من نظام القبول المركزي وانتهاءً بمراجعة معايير الجودة، كما أن على الجامعات الأهلية نفسها أن تسعى لإثبات كفاءتها عبر تعزيز البحث العلمي، والتشبيك مع جامعات دولية، وتوفير بيئة تعليمية حقيقية لا تُختصر في الشهادة فقط.

اضف تعليق