q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

الشباب وسبل الاستقامة في زيارة الأربعين

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

يقع على الجميع مسؤولية دعم المبادئ الحسينية، فالجميع مطالَبون بتشجيع الآخرين على المشاركة في إحياء شعيرة الأربعين الحسيني، لكن المسؤولية الأكبر والأهم تقع على عاتق الشبيبة الأذكياء، كونهم الأقدر من غيرهم على نشر الفكر الحسيني ووقائع الزيارة الأربعينية وما يتمخض عنها من قيم تعزز روح التآخي والتآلف والتراحم...

(علينا أن نسعى إلى تعظيم الزيارة الأربعينية، كل حسب طاقته ولغته وقلمه وأمواله)

سماحة المرجع الشيرازي

الملايين يحيون هذا اليوم زيارة الأربعين، منتصرين للمبادئ التي خرج من أجلها الإمام الحسين (ع)، لمواجهة سلطة يزيد، هذا الحاكم الطائش النزق الذي سعى بكل يمتلك من وسائل وصلاحيات لحرف الإسلام عن طريقه الذي أرساه النبي الأكرم عبر تضحيات عظيمة، جعلت من المسلمين أمة تقف في مقدمة الأمم ودولة عظمى رسخت أركانها على قيم العدل والإنصاف والرحمة واللين وكل القيم الراقية.

اليوم يعيد المسلمون إحياء الأربعين الحسيني مستلهمين الفكر العظيم الذي قامت عليه وقفة الحسين (ع) ومبادئها الخالدة، وهذا يتطلّب من الجميع تعظيم الزيارة الأربعينية بكل الممكنات وبكل ما نمتلك من وسائل الدعم المختلفة، فالغاية من هذا الانتصار للقيم العظيمة والفكر المتوقّد بالسلام والعدالة هي إنعاش القيم الإنسانية، وتمكين الإنسان من صنع واقع أفضل، لاسيما أن البشرية تعاني اليوم من مشكلات وعقبات أخلاقية سببها استفحال المادية وتراجع نقيضها.

التمسك بإحياء الشعيرة الأربعينية المقدسة، هو تمسك بالمبادئ والأخلاق والقيم التي تصنع مجتمعات مزدهرة عادلة، أما الدعم المطلوب فيمكن تقديمه بالكلمة واللغة والأموال، أو بكل ما يمتلك الإنسان من قدرات مادية أو معنوية أو فكرية، مقال التوفيق والنجاح والتميّز، فمن يدعم قضية الإمام الحسين (ع) ويجرّب حظه في هذا النوع من الدعم، سوف يلمس نتائج التوفيق بيده.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في محاضرته السنوية القيّمة بمناسبة حلول الزيارة الأربعينية:

(ليجرّب كل واحد منّا توفيقه مع الإمام الحسين صلوات الله عليه. فعلينا أن نسعى إلى تعظيم الزيارة الأربعينية، كل حسب طاقته ولغته وقلمه وأمواله. فبعضنا يمتلك القدرة على التشجيع للزيارة بمواقفه).

لهذا يجب على الإنسان أن يحذر كل الحذر من إبداء أيّ موقف سلبي تجاه قضية الحسين (ع)، لأنه سوف يخسر التوفيق الحسيني الضامن لحياة منصفة، فضلا عن ضمان سعادة الآخرة، فهذا الأمر أشبه بالامتحان الذي يجب علينا اجتيازه بنجاح، ومن يخفق في دعم الفكر الحسيني والإيمان بمبادئه والانتصار للحسين (ع)، إنما يغامر بتدمير حياته وتاريخه فضلا عن سمعته.

الحذر من المواقف السلبية تجاه الشعائر

لا يمكن أن يبرر أحدنا موقفه السلبي تجاه القضية الحسينية بسبب جهله أو قصوره، فهذا لن يشفع له، لذلك لابد من النجاح في اختبار الانتصار للإمام الحسين (ع)، فالحذر يجب أن يؤخَذ على محمل الجد، وعدم خسارة التوفيق والسعادة التي ينالها الإنسان بمواقفه الإيجابية تجاه القضية الحسينية.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(لنحذر من الموقف السلبي تجاه قضية الإمام الحسين صلوات الله عليه لأنّه يدمّر دنيانا وآخرتنا، ولا يستثنى أحد في هذا الامتحان وإن كان قاصراً، أو مشتبهاً).

وهناك أمثلة أوردها سماحته عمّا يتعرض له أصحاب المواقف السلبية تجاه القضية الحسينية، وتلك المحاولات الشاذة التي سعى أصحابها من خلالها إلحاق الإساءة بإحدى الشعائر المقدسة، فمثل هذه المواقف السلبية لا يمكن أن تكون مبرّرة أو سليمة التوجّه، كونها تهدف إلى تدمير القيم الناجحة، وهذا يعني بالمحصلة تدميرا للمجتمع وتمزيقا للإنسانية ونعقيد الواقع المزري لها.

لهذا ينبغي اتخاذ الحذر الجاد، والتنبّه الشديد، والالتزام الكلّي بعدم إطلاق الشبهات بالشعائر، أو محاولة تشويهها، فالنتيجة سوف تكون مؤلمة لأصحاب مثل هذه الشبهات أو التشويه أو التشكيك بقيمة الشعائر ومكانتها عند المسلمين، وقدرتها على دفع الناس نحو التمسك بالقيم الأخلاقية الحافظة للنسيج المجتمعي، والداعمة لقيم الخير والتكافل والتعاون وتعزيز السلم الأهلي.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يورد مثالا عن ذلك فيقول:

(لقد ذكرت في بعض المجالس أمثلة على ذلك وقلت أنّ الرجل حتى وإن كان قاصراً قطعاً ولم يكن مقصّراً إلاّ أنّه دمّر تاريخه، وكان هذا الرجل من الفقهاء ومن المتديّنين. فلقد دمّر تاريخه بسبب اشتباه واحد، وهو أنّه ضرب مثالاً غير مناسب بخصوص إحدى الشعائر الحسينية).

استثمار قدرات الشباب بدعم القضية الحسينية

يقع على الجميع مسؤولية دعم المبادئ الحسينية، فالجميع مطالَبون بتشجيع الآخرين على المشاركة في إحياء شعيرة الأربعين الحسيني، لكن المسؤولية الأكبر والأهم تقع على عاتق الشبيبة الأذكياء، كونهم الأقدر من غيرهم على نشر الفكر الحسيني ووقائع الزيارة الأربعينية وما يتمخض عنها من قيم تعزز روح التآخي والتآلف والتراحم والتعاون لبناء منظومة قيم ناجحة تسهم بشكل فاعل في بناء إنسان أفضل ومجتمع أقدر على حفظ مكانة وكرامة الإنسان.

أما التركيز على الشباب فيأتي من باب قدراتهم على التعامل مع وسائل التوصيل الإعلامي المختلفة، كونهم يمتلكون أجهزة الموبايل الذكية التي تحتوي على مواصفات حديثة باهرة، يمكنها أن تسهم بقوة وسرعة لافتة في نشر القضية الحسينية، وتوضيحها بجلاء وتفصيل مدعوم بالبراهين، لأن هناك من تعوزه معرفة الفكر الحسيني ومن لا يعرف حتى الآن الهدف من وقفة الإمام الحسين (ع) ضد يزيد الطاغية المنحرف.

هذا الهدف لا يمكن تحقيقه في خضم صراعات المصالح الفردية أو الجماعية، فهذه الصراعات غالبا ما تفتقد للالتزام بالعدالة والإنصاف، وتسودها قاعدة القوي يصرع الضعيف، والغني يأكل حقوق الفقير، لهذا يكون دور القيم الحسينية ومبادئ الإمام الحسين مؤثرا وفاعلا في تحجيم مصالح الظلم، والانتصار للحق، ومقارعة السلطة الظلمة، سياسية كانت أو سواها، فالظلم في منظور المبادئ الحسينية مرفوض جملة وتفصيلا.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكّد:

(علينا أن نشجّع الآخرين لأداء زيارة الأربعين ولتكن أفضل من السنوات السابقة وأكثر أعدداً، وهذه المسؤولية تقع على الجميع ولاسيما الشباب الذين يمتلك أكثرهم الهواتف المحمولة، وأن لا يكون استخدامهم لها من أجل الترفيه وقضاء الوقت فقط).

إذاً نحن نقف أمام خطر التقصير في نصرة الإمام الحسين (ع)، وهذا الخطر يحيق بنا من كل جانب، فدنيانا التي غزتها القيم المادية، والصراع من أجل المال والسلطة ومغرياتها، ضاعفت من مخاطر الفشل في هذا الاختبار - لا سمح الله-، لذلك يجب علينا الحذر الشديد من هذا الفشل المحتمل، ولابد للإنسان أن يحمي نفسه، عقلا وسلوكا ونيّة، من السقوط في هذا الاختبار، وعلينا أن نلجأ إلى الدعاء الذي يمنع ويبعد عنّا خطر الانزلاق في الهاوية الدنيوية المادية.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، يدعو لنا جميعا بقوله:

(أسأل الله تعالى وببركة الإمام الحسين صلوات الله عليه وببركة جميع القدرات التي منحها الله عزّ وجلّ للإمام، ومنها (إِرَادَةُ الرَّبِّ فِي‌ مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تَهْبِطُ إِلَيْكُمْ وَتَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُمْ)، أن يبعدنا عن كل تقصير وقصور تجاه قضية الإمام سيّد الشهداء صلوات الله عليه، سواء كان ذلك القصور بتعمّد أو غير تعمّد).

ثم يؤكد سماحته الاستعاذة من أي موقف سلبي أو كتابة هابطة أو مشكّكة لا تليق بمكانة الشعائر الحسينية، ويدعو سماحته إلى أهمية السعي المستمر والمستدام إلى نصرة وتعظيم هذه الشعائر التي تجعل قلوبنا أكثر خشوعا ومحبة وانسجاما، ونبتعد عن الظلم أو إلحاق الأذى بالآخرين بل تدفعنا للتقارب والتراحم والتكافل المتبادَل.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(نستعيذ بالله تعالى من كلّ كلمة سلبية أو كتابة غير لائقة تجاه الشعائر الحسينية المقدّسة، ونسعى أكثر وأكثر في نصرتها وتعظيمها).

وهكذا تمّ إحياء مراسيم الأربعين الحسيني بما تستحقه هذه الشعيرة من تعظيم وإجلال، وسوف نحييها أبد الدهر، وسنبقى متمسكين بمبادئ الإمام الحسين (ع) كونها سبيلنا إلى الرفعة والسؤدد، وطريقنا إلى العيش المتوازن، وهي النموذج الذي يجعلنا أناساً منصفين عادلين مؤمنين، يحب أحدنا الآخر، فنبني أمة كريمة مؤمنة ومجتمعا معاصرا يستند إلى القيم الحسينية العظيمة.

اضف تعليق