q

هل يمكن أنْ تصبحَ المرأةُ الخاملةُ فاعلةً؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

أيهما أفضل المرأة الحيوية الفاعلة، أم تلك التي تميل إلى الكسل والبقاء في حدود العجز الذاتي باحثة عن مبررات لخمولها؟، بالطبع المرأة المنتِجة تربويا وفكريا وإعلاميا والمساهِمة في تطوير المجتمع، هي أفضل بكثير من المرأة الخاملة، وجزء كبير من خمول النساء يقع على أزواجهن فليتنبّهوا إلى ذلك...

(لم يحرّم الإسلام على المرأة علماً ولا عملاً، بل فرض عليها أحياناً العلم والعمل) المرجع الشيرازي

يوجد اختلاف تكويني فسيولوجي بين الرجل والمرأة، هذا التباين يمكن ملاحظته في شقّين، الأول في طبيعة الجسم والقوية العضلية وما يدخل في هذا الإطار، أما الاختلاف الثاني فهو يدخل في إطار التكوين النفسي والعقلي والعاطفي، وهذا له تناسق مع الشق الأول، فخشونة الرجل جسديا وعضليا جعلت منه يفضّل العقل على العاطفة، ونعومة المرأة جعلت منها أكثر قربا وانسجاما مع العاطفة.

وتبعا لهذا الاختلاف الجسدي والنفسي بين الرجل والمرأة، اختلفت طبيعة الأعمال والواجبات المخصصة لكل منهما، بما يتلاءم مع قدرات ومؤهلات كل واحد منهما، فالأعمال التي تتطلب جهدا عضليا كبيرا ومضنيا أحيلت على الرجل كونه يمتلك جسما ذا عضلات قوية تتيح له إنجاز الأعمال الصعبة والخشنة والمتعبة.

فهل يصحّ أن تُحال مثل هذه الأعمال التي تتطلب جهدا عضليا كبيرا على المرأة؟، بالطبع هذا خير ممكن تبعا للمؤهلات والمزايا الجسدية للاثنين، وفي ذات الوقت لا يمكن إحالة الأعمال التي تتطلب حضورا فاعلا للعاطفة إلى الرجل الذي يميل إلى العقل أكثر من العاطفة، لكن المرأة تنجح أكثر في إنجاز الأنشطة التي يكون للعاطفة دور فيها مثل مجالات الحضانة والتربية.

هذا الاختلاف بين طبيعة الرجل والمرأة يجب مراعاته، مع أهمية أن لا يكون مبررا لتعطيل فاعلية المرأة في المجتمع، فالمرأة الفاعلة أفضل بكثير من المرأة الخاملة، لكن من الأفضل أن تكون الأعمال والنشاطات المسنودة للمرأة منسجمة مع قدراتها، لاسيما في الجانب العضلي، إذ ليس من المعقول أن تصبح المرأة (عاملة بناء) حالها حال الرجل الذي يمتلك جسدا قويا وعضلات تسمح له بالقيام بمثل هذه الأعمال الشاقة.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، أشَّر هذه الحالة بأسلوبه الواضح والمبسَّط حين قال سماحته:

(من الطبيعي أن تختلف واجبات المرأة عن واجبات الرجل بسبب الاختلاف الموجود في طبيعتهما) المصدر كتاب من عبق المرجعية.

لكن تبقى المرأة مطالَبة بالمثابرة والتميز في المجالات التي تتوافق مع طبيعتها التكوينية، ولا يصح أن تحصر المرأة دورها في الحياة في حيّز محدّد، فهي تمتلك العقل والموهبة مع العاطفة أيضا، ولها القدرة في تطوير ذاتها وقدراتها ومواهبها، ويمكنها أن تعكس ذلك في مساهماتها بتطوير المجتمع بدءاً من بيتها وعائلتها.

يمكنها أن تبني شخصية طفلها علميا وتربويا وسلوكيا بما يجعل منه مؤهلا لأدوار مهمة في الحياة، ولا تكتفي بذلك، فهناك نساء حققنَ براعة ملحوظة في العمل الفكري الإعلامي والتعليمي والصحي وسواه، وقد ثبت ميدانيا وبالأدلة والبراهين الفعلية أن هناك نساء تفوقن وأصبحن متميزات في نشاطات كثيرة أسهمت بتطوير المجتمع، لكن كل هذه النشاطات تراعي الطبيعة التكوينية والنفسية للمرأة.

تفاوت الأدوار بين الرجل والمرأة

وهذا ما أشار إليه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:

(لو أردت أن تساوي بين المرأة والرجل في كل الأمور، تكون كمن يحمّل أطناناً من الحديد في سيارة صغيرة، ويحمّل الشاحنات الكبيرة بضعة كيلوات من أجهزة دقيقة، فلا السيارة الصغيرة ستكون قادرة على حمل تلك الأطنان، ولا الشاحنات تستفيد منها بالوجه الصحيح).

ليس هناك تضارب أو تناقض بين المرأة والعمل، بل هي مطالَبة بمغادرة التردد والخمول والكسل، والدخول في المجالات الإنتاجية التي تتواءم وطبيعتها، على أن يكون دورها التربوي وعملها البيتي من ضمن ما تتميز به من نشاطات وإنجازات، وكثيرا من النساء اليوم استطعن الموازنة بين الأعمال المنزلية وغيرها، لاسيما تلك التي تتعلق بالتطوير الفكري والتربوي والإسهام في تطوير الآخرين.

ولكن من المهم أن لا يحدث خلط في طبيعة الأعمال الموكولة للمرأة والرجل، فهناك قضية شرط الالتزام بالتخصص، وفي حال إهمالها سوف تفشل المخرجات، ولا يمكن للمرأة أن تخلص للنجاح حين تقتحم ميادين وأنشطة الرجال بحجة المساواة أو غيرها، هذه القضية لا علاقة لها بالمساواة، بل تتعلق بطبيعة قدرة المرأة على إنجاز الأعمال، ومن المحال أن نحيل عليها الأعمال الثقيلة.

إذا فعلنا ذلك فإننا كمن يريد أن يشل حركة الحياة، ويجعل التناقض منهجا في إدامتها، هذا لا يجدي نفعا، ولا يسهم في تطوير المرأة ولا المجتمع، لكن هذه القضية لا يصح أن تكون مبررا لتجميد المرأة وحصر نشاطها في حيّز ضيّق يقضي على قدراتها الفكرية والتربوية والإعلامية.

يوجد لدينا مثال على ذلك نجده في إحدى الجمعيات النسوية وهي (جمعية المودة والازدهار) المتخصصة بتطوير مهارات المرأة المختلفة، ومساعدتها على إظهار مواهبها وقدراتها في مجالات الفكر والثقافة والإعلام والتنمية البشرية، وقد خرجت من هذه الجمعية طاقات نسائية متميزة أثبتت أن المرأة يمكنها أن تقوم بدور تثقيفي تنموي يساعد المرأة والمجتمع على التطور والنهوض.

دعم المرأة كي تتميز اجتماعياً

هذه الأنشطة أثبتت أن المرأة يمكن أن تنجح وتتميز ليس على المستوى الشخصي فقط، وإنما يمكنها أن تعكس تطورها وتميّزها على الآخرين من النساء والأطفال وحتى الشباب والرجال الكبار، المهم في هذا الجانب أن المرأة لا تزج نفسها في أنشطة وأعمال لا تنسجم مع قدراتها، وأن لا نسعى بدفعها إلى مثل هذه النشاطات التي تستهلك طاقاتها دون جدوى، فسوف يسهم ذلك في إصابة الحياة بالشلل.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(إذا أردنا أن ندخل النساء المعامل الثقيلة أو نسكّن الرجال البيوت للقيام بالمهام المنزلية، فكلا الفرضين شلل للحياة، والدليل على ذلك ما نلاحظه في الحياة الغربية).

العلم والعمل مطلوبان من المرأة، ولا يصح أن تبقى جامدة، وعليها أن تعطّل قدراتها في دفع المجتمع إلى أمام، وقد طالب الإسلام المرأة بتطوير نفسها، وحثها على العلم والعمل بعيدا عن كل ما يمس كرامتها، ومما يمنح المرأة قوة ومكانة بين الآخرين حين تتمسك بعفتها، وتبتعد عن الابتذال، وتركّز على المعطيات والجوانب التي تجعل منها متميزة منتجة وفاعلة في محيطها.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) أكد ذلك في قوله:

(لم يحرّم الإسلام على المرأة علماً ولا عملاً، بل فرض عليها أحياناً العلم والعمل، وحبّذهما لها أحياناً أخرى، وإنما حرّم عليها الابتذال والميوعة، والتبرّج والخلاعة، كما حرّم عليها أن تقوم بأعمال تنافي عفّتها وشأنها).

ومع أهمية حث المرأة على الإنجاز والنشاط الحيوية، هناك شرط لابد منه يقع علينا تطبيقه، فالمرأة كائن رقيق كما قال عنها الإمام علي عليه السلام: (المرأة ريحانة)، وهذا يشترط على الجميع أن يحترم المرأة ويساندها ويجعلها في مكانة رفيعة تليق بها، وأن يكون التعامل معها من هذا المنطلق.

فقد (أعطى الإسلام المرأة مكاناً رفيعاً، ومحلاً شامخاً، حتى وصفها الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه بقوله: (المرأة ريحانة), فيلزم على المجتمع الإسلامي اعتبارها ريحانة والتعامل معها على هذا الأساس في شتّى مجالات الحياة) كما أكدّ ذلك المرجع الشيرازي (دام ظله).

في النهاية نحن أمام سؤال واضح ومختصَر، أيهما أفضل المرأة الحيوية الفاعلة، أم تلك التي تميل إلى الكسل والبقاء في حدود العجز الذاتي باحثة عن مبررات لخمولها؟، بالطبع المرأة المنتِجة تربويا وفكريا وإعلاميا والمساهِمة في تطوير المجتمع، هي أفضل بكثير من المرأة الخاملة، وجزء كبير من خمول النساء يقع على أزواجهن فليتنبّهوا إلى ذلك.

اضف تعليق