q
الغاية من التشريع هو رفع القيود السياسية والاجتماعية التي تغل حركة الإنسان

 

ان اثبات الحرية التكوينية يقودنا إلى ضرورة الحرية كقاعدة أساسية للتشريع والقانون، إذ ان: لازم هذه الحرية (التكوينية) حرية أخرى تشريعية في حياته الاجتماعية وهو ان يختار لنفسه ما شاء من طرق الحياة وليس لأحد ان يستعبده أو يتملك إرادته فان أفراد هذا النوع أمثال لكل منهم ما لغيره من الطبيعة الحرة. (كما في تفسير الميزان)

ان ما يهدف إليه التشريع والقانون بالدرجة الأولى هو تنظيم الحياة الاجتماعية للناس وإيجاد التكامل السليم بين فئات المجتمع للوصول إلى السعادة والكمال. ويعتمد نجاح هذا الأمر على مدى تلبية الشريعة لحاجات الناس وفهمها لمتطلبات الواقع لان من شروط نجاح الشريعة والقانون هو تفاعل الإنسان مع القانون تفاعلا إيجابيا واعيا يرتكز على القبول المتبادل والإقناع الهادئ عبر اعتماد أساسي وهو حرية الفرد واحترام رأيه وكرامته، لذلك تفشل الشرائع والقوانين التي تفرض نفسها بالقوة والقسر على الناس.

وعلى هذا يرى البعض ان: قوة القانون في تحديد أساليب السلوك الاجتماعي تعتمد لدرجة كبيرة على مقدرته في خلق شعور عام بالاستحسان والقبول وكل ما يسعى لعمله يجب ان يتميز باستناده على أسس معقولة تقنع أولئك الذين ستسيطر مبادئه على حياتهم، والتشريع الذي لايحقق هذا الشرط لابد ان يفشل دائما بل ويؤدي دائما إلى ازدراء نظرية القانون نفسها.(1) لذلك فان التشريع الذي لا يقف على قاعدة الحرية كمصدر أساسي وفطري للتشريع لا يستطيع ان يحقق غاياته المنشودة في تحقيق العدالة والسعادة.

وقد قام التشريع الإسلامي على اصل الحرية واعتمد اسلوب الاقناع من اجل غاية اولى وهي تحرير البشر من عبودية الظلم والاستبداد والشهوات، حيث يقول تعالى في كتابه الكريم: (الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم)الاعراف157، فالآية توضح أهداف الشريعة الإسلامية وان الغاية والفلسفة من التشريع تنصب في رفع القيود السياسية والاجتماعية التي تغل حركة الإنسان وتقيده عن ممارسة دوره الطبيعي في الحياة، ورفع الاصار النفسية التي تستعبد الإنسان في ظل شهواته ورغباته وخوفه ورعبه.

لان التشريع الذي لا يسير في إطار تحرير الإنسان لا يستطيع ان يؤهل الإنسان اجتماعيا وسياسيا وإنسانيا تأهيلا سليما. ذلك ان: الاستبداد يفيض بسهولة من تراكم التقييدات التافهة ولذلك فمن الضروري التأكد ان كلا منها له ضرورة اجتماعية، لكنني لا أستطيع الاقتناع بخدمة مبادئ تدعي الصواب والعدل إذا كان نتيجتها هي تحويل معبد الحرية إلى سجن لخفقات الناس.(2)

وقد وضع الدين الإسلامي بالإضافة إلى سائر التشريعات والقوانين قواعد أساسية تنظم الحرية في إطار عملي توسع المجال للفرد ان يشارك ويساهم بفعالية في صنع القرار مثل قاعدة الشورى التي وردت في آيات قرآنية منها: (وشاورهم في الأمر)، حيث تدل هذه الآية القرآنية على ان التنظيم الاجتماعي والسياسي يتم عبر المداولة الحرة للأفراد في التعبير عن آرائهم والالتزام برأي الأكثرية لإيجاد التماسك والوحدة والتجمع حول القائد عبر الإرادة الجماعية. وبعبارة أخرى فان الشورى تمثل البعد القانوني والدستوري لتطبيق مفهوم الحرية بصورة سليمة في إطار التعاقد الذي يتم بين الأمة والدولة.

ويمثل مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أسلوبا اخر في ممارسة الفرد لحرياته ومشاركته في أداء مسؤولياته في الرقابة المشتركة على المجتمع ومحاسبة الدولة على أدائها، وهذا يمثل أرقى أدوات الحرية والتعبير عن الرأي في مجتمع يتحول فيه الفرد إلى مسؤول ناضج يمارس دوره بوعي والتزام. وعن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) في رسالة الحقوق: وحق السلطان ان تعلم انك جعلت له فتنة وانه مبتلى فيك بما جعله عزوجل له من السلطان وان تخلص له في النصيحة وان لا تماحكه وقد بسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه.

فممارسة الفرد حريته في نقد الحاكم والتعبير عن رأيه هو من الحقوق الاساسية في التشريع الإسلامي ولايمكن للفرد ان يضيعه.

وعن الإمام علي بن أبى طالب (عليه السلام) في إحدى خطبه: ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي.. فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست بفوق ان اخطىء ولا آمن ذلك من فعلي إلا ان يكفي الله من نفسي ما هو املك به مني، فإنما انا وانتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره.

فالحرية والشورى والأمر بالمعروف هي من أولويات ممارسة الحكم الإسلامي لإحقاق العدل والتزام الحق، فالكل يتساوى أمام الله وهو يمارس حقه المشروع في التعبير والنقد والمشاورة.

* مقتطف من مقال نشر في مجلة النبأ العدد 64 تحت عنوان: الحرية المدخل لحياة أفضل

..............................
(1) الحرية في الدولة الحديثة، هارولد لاسكي، ص94.
(2) الحرية في الدولة الحديثة، هارولد لاسكي، 98.

اضف تعليق