q
وفي تلك اللحظة المباركة يجتمع أفراد الأسرة الوالدين والعيال بنات وأولاد وزوجاتهم ومع الأحفاد، على المائدة الرحمانية في ضيافة الله، في أجواء إيمانية جميلة ورائعة. انها من أجمل اللحظات العائلية ومن أجمل العادات والتقاليد الاجتماعية للاجتماع في ظل الحياة المادية السريعة في العصر الحديث حيث الكل مشغول في...

شهر رمضان المبارك من أفضل الأوقات بركة، لتطوير العلاقة بين العبد وربه، وبين المرء مع أفراد أسرته، فالأوقات خلال شهر رمضان الكريم الأيام والليالي مباركة، انها أوقات خير وبركة ومحبة.

من أهم رسائل ونفحات شهر رمضان تنمية وتطوير الجانب الإيماني الروحي والاجتماعي، وحماية الأسرة من سهام الأعداء، أصحاب الأفكار الهدامة من قبل أعداء الإنسانية والأديان السماوية وأعداء منهج شهر رمضان الكريم.

أجمل اللحظات في شهر رمضان

من الأوقات المباركة في شهر رمضان الفضيل-وكل أوقاته مباركة-وقت تناول وجبة الإفطار، حيث يجتمع أفراد العائلة جميعا في وقت واحد للمشاركة لتناول الطعام معا، بخالف بقية أيام السنة عادة، وهي لحظة فرح وبركة وسرور بعد صيام لساعات طويلة، كما جاء عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنهُ قَالَ: "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ:فَرْحَةٌ عِنْدَ إِفْطَارِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ".

وفي تلك اللحظة المباركة يجتمع أفراد الأسرة الوالدين والعيال بنات وأولاد وزوجاتهم ومع الأحفاد، على المائدة الرحمانية في ضيافة الله، في أجواء إيمانية جميلة ورائعة.

انها من أجمل اللحظات العائلية ومن أجمل العادات والتقاليد الاجتماعية للاجتماع في ظل الحياة المادية السريعة في العصر الحديث حيث الكل مشغول في عمله أو عبر متابعة برامج التواصل الاجتماعي التي لا تنتهي، حيث لدى كل فرد من العائلة جهازا -هاتف او كمبيوتر- يتابع برامجه للعمل أو المعرفة أو اللعب أو التسلية أو الترفيه في عالمه الافتراضي، والبعض بالنسبة له البيت مجرد مكان للنوم فقط، مما يحدث الانشغال، لدرجة عدم وجود حوار مشترك بين أفراد العائلة ومناقشات والتعرف على أحوال أفراد العائلة!!.

الاجتماع العائلي

الاجتماع بين أفراد الأسرة نعمة من النعم الإلهية التي لا تعد ولا تحصى من بركات هذا الشهر الكريم، يستحق العناية والاهتمام عبر وضع برامج بمشاركة جميع أفراد الأسرة كبار وصغار نساء ورجال خلال أوقات شهر رمضان المبارك في المنزل، مثل قراءة القرآن الكريم والأدعية المستحبة، وحضور المجالس - مجالس القرآن والمأتم الحسينية- وقراءة كتب حول السيرة النبوية الشريفة والأئمة الأطهار أو حول الأخلاق أو حول المسائل الفقهية أو العقائدية أو كتاب ثقافي..أو مناقشة قضايا تهم الجميع.

رمضان والتواصل العائلي

المطلوب في شهر رمضان إحداث تغيير حقيقي في التواصل العائلي، عبر المزيد من التواصل والتزاور والود والمحبة. ويجب أن لا تشغلنا همومنا وأعمالنا اليومية عن صلة أرحامنا، فينبغي التواصل لصلة الرحم ولو بالسلام بالكلمة الطيبة والعطاء، والابتسامة، وقد أكد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) على أهمية التواصل وصلة الرحم بقوله (ص):"صلوا أرحامكم ولو بالسلام". وقال الإمام علي (عليه السلام): "صلوا أرحامكم ولو بالسلام، يقول الله تبارك وتعالى:((واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)). وقال الإمام الصادق (عليه السلام):"صل رحمك ولو بشربة من ماء وأفضل ما يوصل به الرحم كف الأذى عنها".

تطوير العلاقة العائلية

شهر رمضان المبارك فرصة لأحداث تغيير في فن التواصل، ولحظات ثمينة لتطوير العلاقة الأسرية مع الوالدين والجد والجدة، وبين الزوج والزوجة، والابناء والبنات والاحفاد او الاخوة والاخوات وذرياتهم، والاعمام والعمات، والاخوال والخالات وذرياتهم..؛ فالجميع ضيوف عند الخالق عز وجل.

من المهم جدا الاهتمام والتقرب إلى أفراد الأسرة بشكل كبير، وخاصة بين الزوجين فالزوج أو الزوجة هما عمود وروح الاسرة، ونجاح المؤسسة العائلية تعتمد على نجاح العلاقة الزوجية بينهما وهي علاقة بحاجة إلى اهتمام كبير ورعاية لتطوير العلاقة، والبداية تكون عبر وجود حوار وتفاهم وتقدير واحترام ومحبة ومودة ورحمة، وهذا الشهر "شهر رمضان" هو شهر المحبة والرحمة.

الاهتمام بالذرية أبناء أو بنات، وضرورة إظهار لهم المحبة والاهتمام مهما كانت أعمارهم، والتقرب منهم، كالعلاقة مع البنات بالاهتمام والرعاية والمحبة، وكذلك مع البنين، واذا كان العيال يعيشون في سكن منفصل ينبغي التواصل معهم وزيارتهم؛ فشهر رمضان شهر التواصل وصلة الرحم.

التخطيط للتواصل العائلي

مطلوب من الوالدين والعيال الذين يسكنون معهما أو من يسكنون مستقلين، أن يخططوا ويضعوا برنامج في هذا الشهر الكريم للزيارات العائلية الجد والجدة، والقيام بزيارة البنات المتزوجات أو الابناء المتزوجين في منازلهم، أو زيارة الاخت او الاخ او ذرياتهم.

حتما قيام الأهل؛ الوالدين أو الأخوة والاخوات أو الأعمام والعمات أو الأخوال والخالات بزيارة الابنة أو الأبن.. سيجعلهم يشعرون بالفرح والسرور، وتقوي من العلاقة العائلية، وستشعر البنت بالفخر أمام زوجها بانها مهمة ومحل التقدير والاهتمام لدى أهلها وكذلك الزوج أمام زوجته، ومن خلال هذه الزيارات تشيع النفحات الإيمانية للشهر الفضيل؛ لذا مهم جدا تشجيع العيال بزيارة والديهم واعمامهم وعماتهم واخوالهم وخالتهم او ذرياتهم، وتبادل الزيارات بين الأخوة والاخوات..؛ وتحسس أحوالهم المعيشية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية، فهناك مرضى وهناك من يعاني من أزمة إقتصادية، وهناك من لديه مشكلة في العمل والسكن، وهناك من ليس في توافق مع زوجته أو مع زوجها بحاجة إلى مصلح، وهناك الأرملة أو المطلقة.. ولديها أطفال بحاجة إلى المساندة والاهتمام من الأهل. وهناك من في السجن نتيجة متطلبات مادية أو ظلم، وهناك من هو أسير وهناك المعتقل وهناك الشهيد، كما هناك عوائل وأبناء لهم بحاجة للرعاية والاهتمام.

لا مشاكل ولا قطيعة

من المؤسف أن يدخل شهر رمضان المبارك، ويوجد هناك مشاكل وأزمات في العلاقة الزوجية أو الأسرية، وقطيعة بين الأخوان والاخوات، وبين الاعمام والعمات والأخوال والخالات، وعدم التواصل مع أبناء وبنات الأخ والاخت، هناك تقصير.

في شهر رمضان المبارك الكل في ضيافة الله، فينبغي احترام صاحب الضيافة، والعمل حسب أوامره لما يحب ويرضاه، عبر السعي في حل المشاكل وتطوير العلاقة الزوجية ومع أفراد الأسرة، والمبادرة والتسابق لفعل الخيرات منها التواصل والتزاور من باب صلة الرحم والقيام بالزيارة والدعوة والضيافة، وبذلك يتم نقل أفضل الدروس العملية في التواصل للابناء والبنات والاحفاد.

المحافظة على الأسرة

مهمة المحافظة على الأسرة مسؤولية الوالدين وكل فرد اخوة واخوات وأحفاد، اعمام وعمات، وخوال وخالات وذرياتهم، ومن أجل ذلك ينبغي استثمار بركات شهر رمضان ليكون بداية لتطوير العلاقة بالاهتمام والزيارة، ليكون الجميع أكثر قربا من الله واعطاء قوة في العلاقة مع الله -عز وجل- ومع الأسرة والمجتمع.

العائلة مستهدفة في هذا الزمن اكثر من اي زمن آخر، من قبل اعداء الشريعة والانسانية والقيم، أصحاب الهفوات والآثام، يحاولون اسقاط أسوار قلعة العائلة لتكون سهلة للاختراق والتأثير والسيطرة عليها؛ الذي يعني السيطرة على أفرادها!.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق جميع الناس على التقرب أكثر وأكثر إليه، والتحصن بحصنه.

شهر رمضان وتنمية المجتمع

المجتمع يتكون من مجموعة من الناس -أفراد وعوائل- الذين هم أخوة في المنهج القرآني، فالإنسان أخو الإنسان، هم من نسل واحد لهم نفس الحقوق والواجبات قال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ".

وقال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "أيّها الناس إنّكم من آدم وآدم من طين، ألا وإنّ خيركم عند الله وأكرمكم عليه اليوم أتقاكم، وأطوعكم له، ألا وإنّ العربيّة ليست بأبٍ والد، ولكنّها لسان ناطق". وقال أمير المؤمنين -عليه السلام-: "فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق".

الإسلام المحمدي الأصيل يهتم بالفرد والعائلة من باب الاهتمام بالمجتمع للوصول للأمة الناجحة، فالغاية بناء مجتمع على مستوى عالي من الأخوة والمحبة والتضامن والتعاون كالجسد الواحد، يتحلى بالورع والتقوى، مجتمع محصن من الأمراض والأفكار الضالة التي تخالف الاديان السماوية والطبيعة الانسانية والاجتماعية.

مجتمع قوي في إيمانه وفكره، وشجاع ومقاوم، يتسلح بالعلم والمعرفة، والصبر والصمود والوفاء والتعاون والتضامن والمتكافل والمتماسك.

قوة المجتمع

مهما وصل الفرد وأفراد العائلة من الإيمان والعلم والمعرفة والقوة، في ظل التفكير على مستوى الفرد والعائلة، وعدم التعاون والتضامن والاهتمام بالمجتمع، فلا يمكن ان يحقق الامن والامان والسلام الاجتماعي الشامل.

الإنسان لا يعيش على مستوى شخصه والعائلة، وانما هو فرد من المجتمع، واذا المجتمع يفقد الإيمان والعلم والمعرفة..، فالمجتمع يتحول إلى غابة وجهل وفوضى، ويصبح الفرد ومهما كان مؤمنا وقويا ومثقفا.. فهو ضعيف على كافة المستويات.

لا قيمة للفردية الشخصية والأنانية، بل ينبغي ان يكون الفرد جزءا من المجتمع القائم على المحبة لافراد المجتمع من باب الأخوة، فالفردية والاهتمام بالعائلة والعشيرة فقط دون المجتمع ضعف مهما كان الشعور بالقوة الشخصية، بعكس الاتحاد والوحدة الاجتماعية فهي قوة للفرد والمجتمع، وقوة للجميع وتقدم وتحضر.

لقد حرص الشارع المقدس بالاهتمام بالمجتمع، وشهر رمضان المبارك محطة إيمانية وروحانية وعلمية وثقافية مهمة للتغيير ولبناء المجتمع وتطويره وتقويته، ليشعر أفراده بالقوة والحماية عبر العديد من تعاليم الشريعة السمحاء، ان قوة المجتمع من قوة أفراده، والقوة تكمن في الاتحاد والتعاون والمحبة الذي يقوم على التواصل والحوار والتفاهم بينهم يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" والتعارف لا يتم إلا عبر التواصل والتزاور والحوار بين جميع فئات المجتمع: الغني والفقير، الأبيض والأسود، الكبير والصغير.. وشهر رمضان الفضيل شهر التواصل والتزاور وتحسس أحوال أفراد المجتمع الجيران، والحارة والحي والمدينة والمنطقة والبلد.. ومشاركة الناس في مناسباتهم الاجتماعية، والمبادرة بالقيام بفعاليات اجتماعية تشجع الجميع على المشاركة، مثل إقامة المهرجانات الاجتماعية في المناسبات الأعياد والمواليد وكذلك الوفيات التي تتعلق بالمجتمع.

التكافل والتضامن الاجتماعي

يتحقق التكافل الاجتماعي، بان يبادر المقتدر -بالمال أو بأي طاقة في اي مجال- على تقديم العون والمساعدة للمحتاجين وللفقراء والمرضى، وقضاء حوائج المجتمع، والسعي في تسهيل أمورهم، والعمل على تفريج همومهم… -حسب القدرة ولو بالكلمة الطيبة- والمساهمة في تأسيس المشاريع التي تعود بالفائدة على المجتمع مثل المؤسسات التعليمية مدارس ومعاهد وجامعات، والمؤسسات الدينية، والمؤسسات الطبية والثقافية والرياضية والاجتماعية بالتشجيع وتسهيل الزواج وعقد الندوات التوعوية قبل الزواج، وفتح دار للاهتمام بالأيتام والاعتناء بعوائل السجناء والاسرى والمعتقلين والشهداء. الاهتمام بكل من يضحي لأجل المجتمع والمطالبة بحقوقه والتضامن معه ومع عائلته فهذه من صفات المجتمع الحي. فجميع أفراد المجتمع الغني والفقير … سيستفيد من هذه المؤسسات ويشعر كل فرد في المجتمع بانه ينتمي لهذه المؤسسات الاجتماعية، فمن خلال هذه المؤسسات سيتم القضاء على الجهل والفقر والمرض والضعف.. داخل المجتمع.

وفي شهر رمضان الفضيل يكون الاقبال على المساهمة في الأمور الاجتماعية في أعلى مستوى من العطاء والبذل والمشاركة وهذا التفاعل مهم جدا.. ليكون المجتمع على مستوى عالي من الوعي والعطاء.

الجار لبنة المجتمع

لقد اهتمت الشريعة السمحاء بالجار، ولهذا قيل اختيار الجار قبل الدار، لانه لبنة العلاقة الاجتماعية، والمجتمع مجموعة من الجيران، جار وجار الجار وهكذا بين الأخوة في الدين الإسلامي المحمدي..، بل لأي جار مهما كان دينه او كافر فله حق الجار روي عن رسول الله (ص) انه قال: ".. ومنهم من له حقّ واحد: الكافر له حقّ الجوار".

شهر رمضان الكريم يحرص على تقوية العلاقة مع الجيران، للشعور بالأمن والأمان والسلام للجميع، ومن النعم الإلهية أن يحصل الإنسان على جار مؤمن واعي متعاون، فان الله -عز وجل- قد وصى به، قال الرسول الأعظم (ص):"مازال جبرئيل عليه ‌السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه".

وقال أمير المؤمنين -ع- في وصيته الأخيرة: "..اللّه اللّه في جيرانكم، فإنّهم وصية نبيكم، مازال يوصي بهم حتى ظنّنا أنه سيورّثهم".

للجار حقوق، وقد جاء في رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) انه قال: "وأمَّا حقُّ الجار، فحفظُه غائباً، وكرامتُه شاهداً، ونصرتُه ومعونتُه في الحالين جميعاً. لا تتبع له عورة، ولا تبحث له عن سوأة لتعرفها، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلُّف، كُنتَ لما علمتَ حصناً حصيناً وستراً ستيراً، لو بحثتْ الأسنةُ عنه ضميراً لم تتصل إليه لانطوائه عليه. لا تستمع عليه من حيث لا يعلم. لا تسلمه عند شديدة، ولا تحسده عند نعمة. تُقيل عثرته وتغفر زلَّته. ولا تدَّخر حلمك عنه إذا جهل عليك، ولا تخرج أن تكون سلماً له. تردُّ عنه لسان الشتيمة، وتبطل فيه كيدَ حامل النصيحة، وتعاشرُه معاشرةً كريمةً، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله".

نعم للتواصل والتزاور مع الجيران وبقية أفراد المجتمع وخاصة في شهر رمضان المبارك، قال الإمام علي -ع-: "وعليكم بالتواصل والتباذل وإياكم والتدابر والتقاطع".

المبادرة بالتحية وافشاء السلام واطعام الطعام والعطاء والسعي في تقديم العون والمساعدة، والمشاركة في الأفراح والأتراح.

والبعد عن القطيعة لأنها تولد الخلافات الاجتماعية وتضعف المجتمع، وهو ما يخالف رسالة شهر رمضان المبارك.

اضف تعليق