q
هل تعتقدون أن الطالب الغشاش لا يعرف بهذا التطبيق؟ وهل تعتقدون أن هذا الطالب غافل عن التقنيات الكاسرة للحجب الحكومي؟ من يريد الغش سوف يفعل أي شيء لتجاوز ما تضعه الوزارات العراقية، لكن الأثر السلبي لهكذا إجراءات يتحمله المواطن الذي لا يمت للموضوع بصله...

إذا ارتكب عشرة مواطنين جريمة قتل في العراق، فهل نعاقب الشعب العراقي أم نعاقب العشرة فقط؟ بالتأكيد سنعاقب العشرة فقط، هكذا تخبرنا قواعد العدالة، أما إذا قام عشرة طلاب من طلبة المدارس بممارسة عمليات الغش الإمتحاني فهل نعاقب الشعب العراقي جميعاً، أم نعاقب الغشاشين فقط؟ قواعد العدالة تخبرنا بأننا سنعاقب من يغش فقط.

إذاً لماذا تعاقبني وزارة الاتصالات ومعي ملايين العراقيين بحجب مواقع التواصل الاجتماعي بسبب جريمة لم نرتكبها؟ وما علاقة الحجب التواصلي الالكتروني بالعقاب الجماعي للشعب العراقي؟

إذ أعلنت وزارة الاتصالات العراقية، (الاثنين 6 شباط فبراير 2023)، إنها تستمر بحجب الوصول لمواقع التواصل الاجتماعي من الساعة الرابعة فجراً إلى 12 ظهراً يومياً بسبب إجراء الامتحانات التمهيدية للصفوف المنتهية، وقالت الوزارة أن حجب مواقع التواصل الاجتماعي سيستمر إلى 13 من الشهر الجاري.

عملية الحجب جاءت بناء على طلب تقدمت به وزارة التربية بهدف السيطرة على محاولات الغش الامتحاني التي يقوم بها الطلبة، لكن هل يسهم هذا الإجراء فعلاً في إيقاف الغش الامتحاني؟ وما تأثيره على أعمال المواطنين؟ وهل يستند إلى القانون أم مجرد اجتهاد لا تدعمه النصوص التشريعية؟

الإجراء الذي تقوم به وزارة الاتصالات بشكل متكرر مع كل امتحانات وزارية لا يؤدي إلى وقف الغش الامتحاني، لأن الطالب الذي ينوي القيام بالغش لديه الأدوات اللازمة ليس للغش بل لتجاوز مصدات وزارة الاتصالات.

ومن المفارقات المضحكة بعد حجب وزارة الاتصالات لمواقع التواصل اتصل بي أحد الاصدقاء ينصحني بتحميل تطبيق مجاني عبر (كوكل بلاي)، ومن خلال هذا التطبيق الكاسر للحجب يمكنني التمتع بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، بغض النظر عما تقوم به وزارة الاتصالات وأجهزتها العتيدة.

هل تعتقدون أن الطالب الغشاش لا يعرف بهذا التطبيق؟ وهل تعتقدون أن هذا الطالب غافل عن التقنيات الكاسرة للحجب الحكومي؟

من يريد الغش سوف يفعل أي شيء لتجاوز ما تضعه الوزارات العراقية، لكن الأثر السلبي لهكذا إجراءات يتحمله المواطن الذي لا يمت للموضوع بصله، فما ذنب التاجر والكاسب وغيرهم الذين يعتمدون على الانترنت في كسب رزقهم، إنهم لا يشاركون في الامتحانات ورغم ذلك يتعرضون للعقاب الموجهة للطالب الغشاش، ويتأثر عملهم ليس بسبب خطأ ارتكبوه، بل لأن شخصاً ما يحتمل أن يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لممارسة الغش.

ما ذنب المواقع الاخبارية العاملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟ ألا يعد هذا جزءاً من تقييد حرية الإعلام المكفولة في المادة 37 من الدستور؟ إذ لم تركتب هذه المواقع الاخبارية أي ذنب يتيح لوزارة الاتصالات حجبها عن مواصلة عملها المكفول دستورياً، أم أن وزارة الاتصالات استسهلت شمول الجميع بالعقاب الجماعي؟

أي نظام عدالة هذا الذي يعاقب الانسان بدون أي سبب، إنها مخالفة صريحة لقواعد العدالة التي دعتنا الأديان السماوية والقوانين الوضعية إلى الإلتزام بها، فقد قال الإمام علي عليه السلام "عاقب المسيء بمكافأة المحسن"، لكن في العراق العملية معاكسة، نعاقب المحسن بسبب اساءة ارتكبها غيره، وبسبب فشل السلطة في وقف مخالفات غيره.

ولا يتعلق الأمر بوزارتي التربية الاتصالات فحسب، غالبية الوزارات العراقية تمارس نفس أسلوب "العقاب الجماعي"، فهم يعاقبون الجميع بسبب مخالفة يقوم بها جزء صغير جداً من المجتمع، خذ على سبيل التوضيح وزارة الداخلي التي تقطع الطرقات بحجة السيطرة على الوضع الأمني، بينما الإجراء السليم الذي يعرفه عامة الناس هو استخدام أساليب أكثر كفاءة لضبط الأمن وليس من بينها قطع الطرقات.

وتقوم مديرية المرور في بغداد والمحافظات بنصب سيطرات تتسبب بزحامات كبيرة للبحث عن المخالفين لقانون المرور، إنها "عقاب جماعي" للبحث عن المخالفين، بينما الإجراء الصحيح هو استخدام وسائل أكثر فاعلية لمتابعة المخالفين لقانون المرور وليس من بينها قطع الطرق.

أما بالنسبة للسند القانوني لإجراءات وزارة الاتصالات فهي ضعيفة، لم تبلغنا وزارة الاتصالات عن الضرورة الأمنية لقطع الانترنت، وحجتها في منع الغش ضعيفة لأن توافر وسائل أخرى لمنع الغش يجعل من حجب مواقع التواصل تضليل وتحايل على القانون والمواطنين على حد سواء.

والدستور العراقي كان صريحاً في المادة 40 التي تنص على ضمان "حرية الاتصالات البريدية والبرقية والهاتفية والإلكترونية وغيرها، ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها أو الكشف عنها إلا لضرورة قانونية أو أمنية وبقرار قضائي".

أجاز الدستور مراقبة الاتصالات في حالات خاصة، وبقرار قضائي، ولتبسيط المسألة فقد سمح الدستور بمراقبة شخصيات تهدد الأمن القومي مثل الإرهابيين وغيرهم، لكنه لم يعطي إجازة بحجب مواقع التواصل بشكل جماعي عن جميع المواطنين.

وزارة الاتصالات تخالف النص الدستوري بحجبها مواقع التواصل الاجتماعي عن مواطنين عراقيين لم يرتكبوا مخالفة يستحقون بها حجب التواصل، كما أن الوزارة لا يحق لها المحاسبة وفق تخميناتها، بل يجب عليها تقديم الأدلة القانونية وتفسير كل ذلك للشعب لا أن تحجب مواقع التواصل الاجتماعي وكأنها الوصي المنزل من السماء لفعل ما يشاء.

أي عدالة هذه؟ إنها عدالة الحكومة العراقية فقط.

اضف تعليق