الأنترنت مثلما قلتها مرارا، هو أرقى ديمقراطية منحها العصر الرقمي للانسان، تجاوزت الديمقراطية العريقة في البلدان التي تتعامل بها، لكن من عيوبنا، نخلق من هذه النعمة نقمة، وكأننا نحكم على حياتنا، بالنكد والكدر والعقد، ولا نرغب العيش في فضاء السعادة والأمل...

لمجرد أن تبادلنا السلام في الصباح، بمفردات اللهجة العراقية «أشلون أحوالك، شكو ماكو، إن شاء الله بخير، وين ما وين» حتى انفجر غضبا، وردة فعله، تتدفق بسخرية حادة، أسعفت نفسي بالهدوء وقتا ليس قليلا، قبل رد السؤال له، خير لماذا هذا الانزعاج، هل من أمر مزعج حصل لك؟.

جاءني رده، دمرونا يا أخي، والله دمرونا، ونحن نعيش النفس الأخير من حياتنا، ألا تنصحوهم، ألا تكتبوا عنهم، ألا تثقفوهم، ألا تناقشوهم، ألا ترسموا لهم وعيا إيجابيا بالإعلام؟ غريب أمر هذا الإنسان الهادئ الرائع الودود، ان أجده بهذا الانفعال، وهذه السخرية والعصبية، وقت يشغله كلاما بأعنف درجات العصبية، بينما لا أملك من نصيبي سوى الاستماع لضجيج لم أعهده من صديقي سابقا؟

سرقت منه وقتا ثمينا، بعد أن منحته وقتا أفرغ ما بداخله من ثورة نفسية، ومعركة كلام تعكس مديات تلك الثورة، صديقي الغاضب يحاول أن ينتصر على خصم له، بينما انتصار الغاضب لا يعد سوى صناعة فوضى، وقتل خلايا بجسمه، ورد فعل على ما تركته في نفسه سلوكيات وأفعال الآخرين.

كلمته أهدأ يا عزيزي، من الذي أزعجك، تطمن سأقف بجانبك، ولن أتخلى عنك، وأعرف أنك لا تحب الأذى، ولا ضجيج الكلام واللغو، أن الفوضى ليست عنوان شخصيتك، هنا نظر لي بشيء من التعقل الذي كان يفتقده فخاطبني (الناشرون على صفحات الفيسبوك) في كل صباح يحفر بعضهم لنا قبورا في المقابر، وبعض آخر منهم يحجزون سريرا في المستشفيات، وبعض آخر يجعلنا نرقد في منازلنا عندما لا تتوافر الأموال والذهاب للمستشفيات، أنهم في حقيقة الأمر يقتلون في داخلنا أملا كاد الأضعف، في زمن كورونا والأزمات والمصائب والابتلاءات.

واستمحني عذرا لسماع قصته، نعم ينشرون أخبار الوفيات، نعزيهم، نواسيهم، لكن ليس حقهم أن يفرضوا احزانهم على الاخرين.

لماذا الأحزان فقط؟

ولماذا تكرارها علينا؟

هل الحياة قصة حزن أم هي قصص من الواقع والخيال، من الابداع والعطاء، من الفرح والحزن، من السعادة والمعاناة؟ الحياة يا صديقي لا تعني أن نبكي، وننبش في صفحات الماضي المؤلم، الحياة حكمة تحتاج فهمها وأخذ العبر المفيدة منها، لا أن ننتج أحزانا تتراكم على طبقات الذاكرة، ودون أن ندرك، أننا نسهم بجريمة سجن سعادتنا، وإبداعنا بالأحزان وفقدان الأمل.

قلت له، أجمل ما أجده فيك، روحك المتطلعة للحياة، ومحاولة صناعتها بشكلها الحقيقي، الهدوء جعلك تتغنى بأنشودة الحياة الجميلة، عندما عاد لك الهدوء، أشاطرك الرأي، أن الأصدقاء تمسكوا بالأحزان، وتركوا نعمة السعادة، وينبغي أن ننظر للحياة بعين الأمل للتغلب على تعاسة النفس من الأحزان، فأستذكرت رأي، يورغن كلوب: «الحياة هدية علينا أن نتعامل معها بعناية ونستمتع بها» ومن هنا أخاطب الأصدقاء والناشطين على صفحات الفيسبوك.

يكفينا نزيد من صعوبات حياتنا، ففي كل يوم يأتينا نبأ وفاة عزيز علينا، ومن الوفاء أن نكتب عنه، ونواسي أنفسنا واحبتنا، ومن يشاطرنا الأحزان بغيابه، لكن كثيرا من التجاوزات تمارس ضدنا من دون وعي، فالأنترنت مثلما قلتها مرارا، هو أرقى ديمقراطية منحها العصر الرقمي للانسان، تجاوزت الديمقراطية العريقة في البلدان التي تتعامل بها، لكن من عيوبنا، نخلق من هذه النعمة نقمة، وكأننا نحكم على حياتنا، بالنكد والكدر والعقد، ولا نرغب العيش في فضاء السعادة والأمل.

يا أيها الأصدقاء، كفوا عن نشر صور أحبتكم في لحظات الموت والمرض، فأنها إساءات لهم، وليس وفاء، ويمكنكم الاستعاضة بتكوين كروبات خاصة بالأقارب والأصدقاء، ونشر صور الذين فارقوكم في زمن مضى، كما يفعل كثير من الناشطين الذين يحترمون حقوق القراء على فضاء الفيسبوك.

أفعالكم هذه تذكرني بذات الأذى الذي حصل لأبناء حطموا أجهزة السونار والقلب والأشعة والمفراس والأجهزة الموجودة بيد الأطباء، لمجرد أن غابت روح والدهم؟ هؤلاء حطموا بجهلهم أجهزة ثمينة، لكنكم بهذا الجهل تقتلون في كل لحظة حياة الناس.

عذرا يا صديقي الغاضب أهدأ، رسالتك وجهتها للناشطين الذين لا يعرفون حقوق الآخرين عندما يكتبون وينشرون، وأجدد دعوتي لوزارتي التربية والتعليم العالي بإدراج مادة «التربية الإعلامية الرقمية» في المناهج الدراسية، لسبب بسيط، أن الإعلام لم يعد نصا ينتجه الإعلامي

فحسب.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق