تتردد في عالمنا المعاصر إمامنا دوما عبارة الفضاء الافتراضي كما نلمس وجودها في النظام الحقيقي للسياسة العالمية مما يشير إلى الدرجة العميقة لتغلغل الإنترنت فيها ورغبة مجتمعات الإنترنت الوطنية في إتقانها، وان كل ما يميز النظام السياسي في العالم الحقيقي هو سمة من سمات الحياة السياسية الافتراضية...

تتردد في عالمنا المعاصر إمامنا دوما عبارة "الفضاء الافتراضي" كما نلمس وجودها في النظام الحقيقي للسياسة العالمية مما يشير إلى الدرجة العميقة لتغلغل الإنترنت فيها ورغبة مجتمعات الإنترنت الوطنية في إتقانها، وان كل ما يميز النظام السياسي في العالم الحقيقي هو سمة من سمات "الحياة السياسية الافتراضية" وكل ذلك عبر وجود التسوية غير المتكافئة وانعدام المساواة في السيادة وكذلك الاختلافات على أسس وطنية وإقليمية.

فالعلاقة بين السلطة والأرض هي واحدة من الموضوعات الرئيسية للعلوم السياسية، وقد اجتذبت تأثيرات ودور المساحة المعلوماتية للشبكة العالمية للمعلومات على هذه العلاقة اهتمامًا متزايدًا لذا تستخدم الدول الحديثة المساحات الإقليمية السياسية والقانونية داخل الحدود الوطنية لكنها ومع تطور التكنولوجيا تم إضافة مساحات جديدة وهي كل من المساحات الجغرافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو القانونية أو الرقمية والتي لا وجود لها على التوازي ولكنها متشابكة بشكل وثيق، وأن مجمل المجالات الوطنية هي منصات للنمو الاقتصادي الوطني والمؤسسات الوطنية للمجتمع الاجتماعي يتم نقلها عبر الإنترنت.

كما أن مجالات الإنترنت الوطنية هي الخلايا الأساسية لوجود أنظمة سياسية رقمية، ولذلك تشكل مناطق النطاق المزعومة أساس الفضاء السياسي الافتراضي ونظام أسماء النطاقات البنية التحتية الحيوية للمعلومات الرقمية والتي يعتمد تشغيلها على ما إذا كان الموقع يتم تحميله أو ما إذا كان قد تم تسليم البريد الإلكتروني إلى المرسل إليه والذي يشير تسجيله هو واسم النطاق إلى اهتمام الشخص الذي يسجل الاسم في الحصول على رؤية الإنترنت مما يعد مؤشر مهم على تطور الشبكة.

كما إن أحد العناصر الأساسية للفضاء الافتراضي هو الكود ومن ذلك نرى انه لا يؤدي وجود النطاقات الوطنية القائمة على رموز البلدان إلى تقسيم مساحة الشبكة إلى مناطق جغرافية فحسب بل تثير أيضًا اهتمامًا طبيعيًا في هذه المناطق بين حكومات البلدان المعنية، ولذلك تعد النطاقات الوطنية مورداً وطنياً قيماً ينبغي إدارته كمحتكر طبيعي في المصلحة العامة، لذا علينا إن نعرض ونناقش ونحلل بعض محاورها الاهم والتي تبرز بماهية التساؤلات في هل كل الدول لها مجالاتها الوطنية الخاصة؟ وهل تدير كل دولة دوما نطاقها الوطني؟ وهل هي تمتلك حقا السيادة على مجالها؟ ومن وكيف ومع أية عواقب تستخدم المجالات الوطنية؟ وهل تصرفها وتعاملها في جميع المجالات هي متشابهة؟ وما هي وظائف سياستها الافتراضية في الجوانب الداخلية والخارجية؟

ولأجل العثور على إجابات لهذه الأسئلة فيجب إن لا يتم إدخال جميع الدول على قدم المساواة في الشبكة العالمية للسيادة الافتراضية مما سيكشف عن عدم تناسق الفضاء السياسي الافتراضي، وعندما يتعلق الأمر بالبحث في دور الدول على الإنترنت فتكمن الصعوبة الرئيسة في تحديد حدودها في فضاء بلا حدود.

لذا يبدو أن الإنترنت ولفترة طويلة سيبقى كتقنية قادرة على إنشاء مساحة معلومات عالمية لا ترتبط بالجغرافيا ولا تخضع للمؤسسات المحلية ولا حتى الدولية، ومع ذلك أثبتت الدراسات الحديثة وبثقة أن الإنترنت وباعتباره امتدادًا لمجالات النشاط البشري فهو ليس له مساحة عالمية واحدة إنما هو مساحة غير متجانسة ولا محددة فيكون تواجده حتى في المناطق غير مأهولة بالسكان، والأهم من ذلك له قابلية حقيقية في إعادة إنشاء ونشر وتعميق المجالات والثقافات والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحقيقية القائمة.

لذا يتم الكشف عن عدم التماثل الخارجي عند مقارنة نظام المجالات الوطنية بالنظام السياسي الحقيقي وذلك لتحديد هذا النوع من عدم التماثل فيتم استخدام قواعد البيانات المفتوحة على الإنترنت، ويمكن القول إن مساحة المجال الافتراضية تعيد إنشاء التقسيم الإقليمي وفقًا لمبدأ الدول القومية وهي بمثابة إسقاط لنظام دولي حقيقي، فلذلك لا تتمتع جميع الدول بمجالاتها الوطنية الخاصة مما يعني أنه لا تتمتع جميعها برؤية على الخريطة السياسية للإنترنت.

يمكننا أن نستنتج أن وجود المجال الوطني لنظام اية دولة يمنحها وضع ذو سيادة على الإنترنت، غير إن السيادة الافتراضية لفرنسا، تساوي السيادة الافتراضية لفلسطين، ولكن مثل هذا الاستنتاج سيكون تبسيطًا قويًا لذلك سيكون التحليل الخارجي كافياً إذا كنا نرغب في قصر معلوماتنا على تعيين الفضاء الإلكتروني السياسي إما إذا أردنا معرفة اوسع فمن الضروري إجراء تحليل إضافي للتنظيم الداخلي لمناطق ومجالات صلاحية الدولة على الإنترنت، واجراء تحليل كامل لمكانة البلد في الواقع الافتراضي مما سيساعد في تحديد درجة وأسباب تطوير وتخلف في الإمكانات السياسية والاقتصادية للمجالات الوطنية وبالتباين الداخلي للفضاء الافتراضي فلا يستند تحليل التباين الداخلي إلى علامات خارجية وإنما بناءً على المعلمات في مناطق المجالات واستخدام النطاقات الوطنية وقواعد إدارتها.

ولأغراض التحليل السياسي يمكن اعتبار المجال الوطني كحدود وطنية تحدد المنطقة الافتراضية للدولة وعلى الرغم من أن نظام السيادة الافتراضية هو نظام هرمي مثل نظام السيادة الحقيقية إلا أن التسلسل الهرمي في معالجة الفضاء العالمي مختلف على الرغم من أن الإنترنت اليوم هو نظام معلومات عالمي مع تنظيم معقد وبدون مركز تحكم واحد، ويوضح تحليل هذه الاختلافات أن عدم تناسق السيادة في العالم الحقيقي يمتد إلى الفضاء الإلكتروني فإذا كان فجر إنشاء شبكة الإنترنت لم يكن متناسقا ولا يهم الساسة فنحن نتحدث اليوم عن البنية التحتية للمعلومات الهامة للدولة وإمكانيات تطوير المنبر الرقمي لصالح الدول والمجتمع.

وعلى كل حال فيمكن تفسير التباين الداخلي للحيز السياسي الافتراضي من خلال اتساق صلاحية الدولة المطابق للمجال الوطني وقد بدأت الدول المتقدمة في تطوير الإنترنت بشكل أسرع مما اوجد لديها أيضًا نطاقات وطنية ترتبط ذلك بعدد السكان وكلما زاد عدد سكان البلد زادت إمكانية "تسوية" المساحة الوطنية الافتراضية.

وإذا كان السكان والأعمال لا يرغبون في ربط أنفسهم بهذه الحالة لسبب أو لآخر أي عدم إظهار الولاء فلن يتم تسجيلهم لأنه على عكس العالم الحقيقي يكون التواجد على الإنترنت اختياريًا فيشير التنافر بين الظاهري والجغرافي في هذه الحالة إلى وجود مشكلة "تحديد المواطنين بالدولة" وتحديد تواجدهم على الإنترنت، كما لدينا يتضح أن الفضاء الافتراضي في الغالبية العظمى من الحالات يكرر النظام الحقيقي للسياسة العالمية فيشير إلى تغلغل الإنترنت العميق في أنظمة الدول ورغبة المجتمعات بالسيطرة عليه.

لدرجة إن بعض البعض الذي يقوم بفرض الانقطاع بشكل سطحي على شبكة الإنترنت في بلاده فلا تفسير لعمله إلا إن يكون بمثابة تهميش لمكانة الشعب وانتقاص لمكانة البلاد بالوجود في النظام العالمي الافتراضي، ومع أن البلدان الافتراضية تختلف في العديد من المعايير وتتفاوت بعدد السكان وعدم المساواة في السيادة إلى جنب الاختلافات في الخصائص الوطنية والإقليمية، غير أنها تعد جميعا سمة من سمات الفضاء الافتراضي بكل ما يميز النظام السياسي في العالم الحقيقي، ولذلك نعتقد إن توفر النطاقات الوطنية على الإنترنت ما هو إلا فتح للباب ألرقمي والذي لا يمكن إغلاقه أبدًا.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق