في هذه الأيام تمر على المسلمين وعلى البشرية كلها، ذكرى ولادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وهنا يتبادر لكثيرين هل اغتنم المسلمون هذه الولادة العظيمة، وهل استثمروا صفات الرسول صلى الله عليه وآله كما يجب، وهل استفادوا من السيرة الأخلاقية العظيمة لصاحب هذه الذكرى...
(الاحتفال بميلاد الرسول (ص) يجب أن يشمل توزيع الكتب والنشرات الثقافية
بين الطلاب والمثقفين) الإمام الشيرازي
في هذه الأيام تمر على المسلمين وعلى البشرية كلها، ذكرى ولادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وهنا يتبادر لكثيرين هل اغتنم المسلمون هذه الولادة العظيمة، وهل استثمروا صفات الرسول صلى الله عليه وآله كما يجب، وهل استفادوا من السيرة الأخلاقية العظيمة لصاحب هذه الذكرى، حيث ورد في القرآن الكريم: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)، سورة القلم، الآية 4.
في الحقيقة عندما نكون منصفين ودقيقين في الإجابة، سوف نقول بأن المسلمين لم يستثمروا السيرة النبوية المعطّرة كما ينبغي، ولم يستفيدوا من الصفات الأخلاقية النبوية التي قدمها الله تعالى على كل الصفات الأخرى للرسول (ص)، وذلك ما يعدّ من أكبر حالات الإهمال عند أمة الإسلام، كونهم فقدوا مراكز القوة والتقدم بسبب تخليهم أو إهمالهم لهذا الدرس العظيم.
مع أننا يجب أن نغتم هذه المناسبة المباركة ولادة أبي القاسم محمد (ص)، وكذلك عند ولادة أحد أئمة أهل البيت عليهم السلام، فالمطلوب هو البحث والاطلاع على سيَرهم، ومعرفة صفاتهم جيدا والتحلي بها، كونهم نماذج أخلاقية تربوية علمية ودينية لا يصح الجهل بها مطلقا، لذا علينا أن نفرح في هذه المناسبة المباركة وأن نتحلى بأخلاق صاحبها، ونحييها كما يجب.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (المولد النبوي الشريف):
(عند إطلالة ذكرى مناسبة جليلة ويوم عظيم كيوم ولادة الرسول صلى الله عليه وآله، أو ولادة أحد الأئمة المعصومين عليهم السلام، علينا أن نغتنم المناسبة المباركة والفرحة الكبرى للإشارة إلى أمرين هامين الأول: يدور حول إحياء المراسم والشعائر الخاصة بذلك. والثاني: يدور حول أخلاقيات صاحب المناسبة وكيف نقتفي أثره ونسير على خطاه).
وما ينبغي التذكير به، أن هذه المناسبة أحقّ أن تكون المناسبة الأهم في حياة المسلمين، بل عند البشرية كلها، لما يتحلى به الرسول صلى الله عليه وآله، وأئمة أهل البيت عليهم السلام، من صفات وسمات وملَكات، هي أقرب إلى التكامل الأخلاقي الإنساني التام، ومن يحذو حذوهم لن يخيب ولن يضل، طالما تمسك بأهل البيت عليهم السلام.
التمسك بأخلاق صاحب الذكرى
خصوصا أننا نعيش في عصر متقلّب سريع متذمر، يكاد لا يثبت على قرار، لهذا ينبغي التمسك بأخلاق صاحب هذه الذكرى المعطّرة، وإبداء الاهتمام والاحتفال بها كما يجب، وهنا يتبادر سؤال آخر أيضا، هل نحن كمسلمين نفعل كما يحتفل المسيحيون في ولادة المسيح عليه السلام؟
بالطبع الوقائع التي عايشناها ورأيناها بأعيننا تؤكد بأننا كمسلمين مقصّرون في هذا الجانب، وأننا لم نحتفل ونهتم بهذه المناسبة كما ينبغي، بل أننا عاجزون عن الإتيان بأقل ما يقوم به المسيحيون في ولادة نبيّهم المسيح عليه السلام.
يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة:
(الحقيقة إن يوماً كيوم ولادة منقذ البشرية صلى الله عليه وآله وعترته الأطهار عليهم السلام، لهو أحقّ أن يكون أهم يوم في حياة البشرية ككل.. وللمسلمين على وجه الخصوص.. فهل يفعل المسلمون جزءاً مما يفعله المسيحيون في ولادة المسيح عليه السلام!!، وهل عاتب المسلمون أنفسهم على ذلك؟).
وهناك تنبيه أو إشارة لابد من التذكير بها، وإعادتها في جميع المناسبات، وهي التأكيد على حتمية وأهمية الاحتفال بهذه المناسبة وأمثالها للائمة الأطهار بأفضل الاحتفالات، وإحياء المراسيم اللازمة، بالإضافة إلى إقامة الأنشطة التثقيفية التي ترفع من مستويات الوعي عند المسلمين بالأخص أولئك الذين يجهلون المنظومة الأخلاقية النبوية الخالدة.
ولابد من العمل المستمر على إحياء هذه المناسبة (ولادة الرسول) ومثيلاتها، حتى يتعرف شباب اليوم على تفاصيل تلك السيرة المباركة، ولكي يتم بناء منظومة أخلاقية عظيمة يتحلى بها المسلمون والعالم أجمع.
حيث يقول الإمام الشيرازي:
(في مثل أيام مواليد العظماء يجب أن يقف الجميع وقفة إجلال وإكبار لهذه المناسبات ولأصحابها؛ لأن ذلك يعكس شيئاً مهماً جداً وهو قوة تمسّك وارتباط أجيالنا الحالية بعظمائهم كما يدلل على العلاقة الوثيقة بين الناس وبينهم).
أما طبيعة احتفالات المسلمين بهذه المناسبة، فمن الأصحّ أن تُقام الاحتفالات والأنشطة التي تضاهي وترتفع إلى مستوى هذه المناسبة، فالمسيحيون مثلا عندما يحتفلون بالمسيح عليه السلام، فإن أول شيء يقومون به هو إيقاف جميع أعمالهم وأنشطتهم، ويتفرغون بشكل كامل لإحياء هذه المناسب أفضل إحياء.
كذلك تقوم الشركات بغلق أبوابها وإيقاف أعمالها لأربعين 40 يوما، حيث يتم تخصيص هذه الأيام التي تفوق الشهر للاحتفال بمناسبة ولادة المسيح عليه السلام، وإحياء الشعائر الخاصة بهذه المناسبة، وعلينا أن نتصور تعطيل كل شيء لمدة أربعين يوما من أجل الاحتفال بمناسبة ولادة المسيح.
الإمام الشيرازي يقول:
(المسيحيون يوقفون جميع مشاريعهم لما بعد الميلاد.. ويعطلون الأسواق والمدارس، وتغلق أبواب الشركات والمؤسسات العامة اللهم إلا بعض ما كان خدمياً منها. أي أن مرافق الحياة العامة شبه متوقفة لمدة أربعين يوماً إحياء لهذه الذكرى التي يعتبرها المسيحيون عيداً عالمياً).
وعند الاحتفال بهذه المناسبة المباركة (ولادة الرسول الأكرم)، يجب أن لا يقتصر الاحتفال على توزيع الحلوى والعصائر، وأن لا يركن الناس إلى إظهار بشائر الفرح فقط، وإنما يجب أن ترافق هذه المراسيم أنشطة ثقافية عديدة وعميقة تركز على رفع المستوى الثقافي للناس عموما وللشباب على وجه الخصوص.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله:
(مما تجدر الإشارة إليه هو أن الاحتفال لا يعني توزيع الحلوى والمرطبات ونصب المصابيح والنشرات والأشرطة الملونة وغيرها من أدوات الزينة في الشوارع في أسبوع الاحتفال فحسب، بل يجب أن يتعداه إلى أن يشمل توزيع الكتب والنشرات الثقافية بين الطلاب والمثقفين).
تعميم الاحتفالات ونشر الأعمال الخيرية
وكذلك يقوم المسيحيون في مناسبة ولادة نبيّهم عليه السلام، ببناء أكبر عدد من الكنائس والمستشفيات والمرافق والمنشآت الخاصة بتطوير مواهب الأطفال، وتبني المستشفيات وتكثر من العمل الخيري وتهتم بذوي الاحتياجات الخاصة أو كما يُطلَق عليهم بذوي الهمم العالية.
كذلك يقوم المسيحيون بالاهتمام بمراكز الأمومة والإكثار من دور العاجزين، وإقامة حفلات التزويج الجماعية لمساعدة الشباب على تكوين الأسر الصالحة، وتذليل تكاليف الزواج والمساهمة بجمع الأموال اللازمة لذلك، كل هذه وسواه يعمله المسيحيون بمناسبة ولادة المسيح عليه السلام، وحري بنا أن نقوم بما يلزم أيضا في هذه المناسبة التي نعيشها هذه الأيام.
يقول الإمام الشيرازي:
(البلدان المسيحية مثلاً، تكون في عمل مستمر نحو بناء أكبر عدد ممكن من الكنائس في هذه المناسبة، بالإضافة إلى المستشفيات ومراكز الأمومة والطفولة ومعاهد الصم والبكم، ودور الحضانة وملاجئ الأيتام ودور رعاية المسنين ومراكز رعاية ذوي العاهات المستديمة، وإقامة حفلات الزواج الجماعية لتشجيع الزواج، ومختلف الأعمال الخيرية).
ولهذا يطرح الإمام الشيرازي سؤالا مشروعا، بل ومهما أيضا، على المسلمين كافة، ويقول لهم، هل المسيحيون وهم يتصدون لتفاصيل الاهتمام والاحتفال بمناسبة ولادة نبيهم، أفضل من المسلمين؟، ثم ألا يجدر بنا كمسلمين أن نقوم بمثل أو أفضل بما يقوم به المسيحيون؟
بالطبع على المسلمين أو يحفلوا بهذه المناسبة بما يليق بها وبما يوازي ويرتفع إلى مستواها من حيث الأهمية والرمزية العالية، حيث تعود الولادة إلى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله، لذا يجب أن نبني المساجد والحسينيات والمكتبات، ونقوم بتنشيط المؤسسات الخيرية وننشر العمل الخيري في كل مكان بما يُسهم في بناء أمة تتخذ من سيرة نبيها مثالا تطبيقيا لها، يرتفع بها إلى مصاف الأمم المتنورة.
لذا يتساءل الإمام الشيرازي:
(ألا يجدر بنا كمسلمين أن نقوم بأكثر من هذه الأعمال في مولد نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله، وهو سيد الكائنات، ونبني المساجد والحسينيات وننشئ المكتبات والمؤسسات الخيرية بكافة أنواعها، وكل ما يخدم الناس تكريماً لهذه الذكرى العظيمة؟).
وهكذا فنحن حين نعيش هذه الأيام الولادة المباركة لأبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله، وطالما أننا نتمي لهذه الرسالة وننتمي للإسلام، فإن الواجب يقتضي علينا القيام بما يُظهر إحيائنا للشعائر الخاصة بهذه المناسبة، والاحتفال بها، وتنشيط العمل الثقافي، والخيري بحيث يشعر عامة الناس، أطفالا وشبابا وكهولا وشيوخا، بأن هذه المناسبة تشكل حدثا عظيما في مسيرة حياتهم ألا وهي ولادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
اضف تعليق