أهداف الإمام الحسين التي وضعها في نهضته، وأراد من خلالها تقويم المسلمين أولا ومن ثم شمول البشرية كلها بهذا الهدف الكبير، فمن يقول إنه حسيني عليه أن يعرف هذه الأهداف ويعظّمها ويلتزم بها بل ويقاتل من أجل رسوخها، فالهدف الأول والأخير دحر الظلم والاستبداد، والقضاء على الفساد بكل أنواعه...
(تعلمت البشرية من الإمام الحسين عليه السلام عبر نهضته المباركة
كيف تثور ضد الظلم والظالمين) الإمام الشيرازي
أفصحت النتائج الفعلية لنهضة الإمام الحسين عن جملة من الأهداف الكبيرة التي تحققت، بعد قيام الإمام الحسين (عليه السلام) بالوقوف ضد بني أمية بعد أن انحرفوا بالإسلام في طرق ومنحدرات خطيرة، كان هدفها تحريف الإسلام المحمدي، وإضاعة القيم الفاسدة الجوفاء بين المسلمين، وحين وصلت الأمور إلى حد لا يمكن السكوت عنه، أو القبول به، جاءت نهضة الإمام الحسين عليه السلام لذلك حدا لهذا الانحراف الخطير.
لقد تضخّم الغرور في نفوس الطغاة، وكانت كثرة الأموال والسلاح والنفوذ قد جعلتهم يوغلون أكثر في الظلم والجور ونشر الفساد، ونسف أسس العدالة الاجتماعية التي رسّخها الإسلام منذ ظهوره، لكن السلطة ومغرياتها دفعت بحكام بني أمية إلى السير في سبل الانحراف وكان هدفهم هو القضاء على الدين الإسلامي، فأوقد الإمام الحسين عليه السلام مشعل التحرر ورفض تحريف الإسلام وخرج لإصلاح الأمور وإعادتها إلى نصابها الحقيقي الصحيح.
الإمام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (رؤى عن نهضة الإمام الحسين عليه السلام):
(إن من أهداف الإمام الحسين عليه السلام في القيام بنهضة عاشوراء فضح الحكومة الأموية واجتثاث جذورها، وذلك لأن الأمويين كانوا قد تمادوا في طغيانهم وجبروتهم نتيجة ما توفّر عندهم من المال والسلاح والنفوذ والسلطان، فراحوا يفكرون بإنهاء الدين الإسلامي والقضاء عليه، ولم يكن المجتمع القائم حينها يسمح لنفسه بالتفكير في القضاء على الأمويين لعظم سلطانهم وشدة استبدادهم، فجاءت نهضة الإمام الحسين عليه السلام لتفتح طريق الفكر والعمل على الإطاحة بهم وبكل الظالمين).
وهكذا تبلورت هذه النهضة وأينعت ثمارها وبدأت باجتثاث جذور الخبث وإعادة الروح للإسلام الحقيقي، ولم ينعكس ذلك على حياة المسلمين فقط، بل شمل البشرية كلها، حيث أخذت ونهلت الدروس تلو الدروس من مشعل الحرية الذي أوقده الإمام الحسين عليه السلام، وظل نوره مضيئا في كل عهد وفي كل زمان ومكان، فأفادت من ذلك البشرية كلها وتعلمت كيف تحارب الجور والظلم والطغاة مهما كان ظلمهم وجبروتهم وتكشف زيفهم.
يقول الإمام الشيرازي:
(لم يكن فضح الأمويين واجتثاث شجرتهم الخبيثة من فوق الأرض تجديداً لحياة الإسلام والمسلمين فحسب، بل كان فيه أعظم خدمة للبشرية جمعاء حيث تعلمت البشرية من الإمام الحسين عليه السلام عبر نهضته المباركة كيف تثور ضد الظلم والظالمين وتكشف زيفهم وتجتث أصولهم في كل عصر وزمان).
التيه في مجاهيل العقائد المحرّفة
وهناك هدف كبير من نهضة الإمام الحسين عليه السلام، حيث تم تخريب العقائد من قبل الحكام الأمويين الظالمين، وتعمدوا على نشر صور وأقوال وحتى أحاديث مشوهة عن الإسلام، خدمة لأهدافهم، وإيغالا منهم في مسالك ومسارب الانحراف، والتيه في مجاهيل العقائد المحرفة، والقيم الهابطة، حيث انعكست على حياة الأمة آنذاك، فصار الفسق والفجور والظلم وضياع العدالة أمورا مألوفة في ذلك العهد.
من هنا انطلقت النهضة الحسينية لكي توقف هذا الانحدار السريع المريع، وتضع حدا لهذا الاستهتار بقيم الإسلام وتعاليمه، في حين كان الهدف من ذلك هو توطيد حكم بني أمية، على الرغم من أن يزيد كان ذا شخصية غير مؤهلة مطلقا لقيادة المسلمين، كما أنه كان مثالا للفسق والظلم والاستهتار بحقوق الناس، ونشر القيم المنحرفة وغير الشرعية.
وهذا ما أكده الإمام الشيرازي في قوله:
(من أهداف نهضة الحسين عليه السلام أيضا: تصحيح الاعتقادات الدينية للمسلمين، فإن من مفاسد الأمويين الذي كان مورداً لاهتمامهم هو قيامهم بعرض صورة مشوّهة من الإسلام والمعتقدات الدينية وذلك بغية إبعاد الناس من الخط الواقعي للإسلام والذي يمثله أهل البيت عليهم السلام، فكانوا يقومون من أجل توطيد حكمهم بوضع الأحاديث واختلاقها ونشر العقائد الباطلة، كالجبر والتفويض والتجسيم وما شابه، مما يرسي قواعد حكومتهم غير الشرعية).
هكذا جاءت ثورة الإمام الحسين واستشهاده لتعرّي حكام الزيف والجور وبطلان كل أهدافهم وانكشاف مشاريعهم، مما أدى إلى زلزلة العروش المحمية بالباطل، والمحاطة بالزيف والخداع والكذب والتجهيل، وكسب تأييد الناس عبر أساليب الترهيب والترغيب، لكن النهضة الحسينية أعادت للإسلام نصاعته ومكانته الخالدة في نفوس وعقول المسلمين.
هكذا هو دور النهضة الحسينية، وهذه هي الأهداف الكبيرة للإمام الحسين عليه السلام، فالمهم قبل كل شيء هو إنقاذ الإسلام من الاستمرار في مسلسل الانحدار نحو الرذيلة، وتدمير القيم النبيلة على أيدي حكام جهلة لا يفقهون شيئا من الحياة سوى المال الحرام والنفوذ الطائش والسلطة الجائرة.
يقول الإمام الشيرازي:
(لهذا جاءت نهضة الإمام عليه السلام واستشهاده حجة قاطعة تعلن عن بطلان ذلك التحريف الأموي، وتكشف زيف تلك الانحرافات العقائدية التي أشاعها بنو أمية في المسلمين، ودليلاً رصيناً على إبداء الصورة الناصعة للدين الإسلامي. وبذلك تجلّى الإسلام على واقعه الذي أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله).
انعكاس المآثر الحسينية العظيمة
وبعد انطلاق النهضة الحسينية، وظهور تلك المآثر العظيمة، عادت العقائد الصحيحة للظهور مرة أخرى لتطرد عقائد الزيف والظلم والفساد والفجور، وهذا هو المطلب الأهم الذي أعلنه قائد الثورة الحسينية، حينما أعلن على الملأ بأن خروجه هو لطلب (الإصلاح في أمة جدي)، لكن الذي حدث أن امتداد النهضة الحسينية شمل البشرية وصار خلاصا لها بعد أن اهتزت عروش الظلم وتساقطت على مر الأزمان وتعلم ثوار العالم من الإمام الحسين كيف يمكن أن مواجهة الطغاة وقهرهم وإلحاق الهزيمة بهم مهما كان جبروتهم وقوّتهم.
لهذا يقول الإمام الشيرازي:
(بسبب هذه النهضة المباركة انتشرت العقائد الصحيحة ومعارف الدين الإسلامي لدى مئات الملايين من المسلمين الشيعة وذلك من خلال الكتب والمنابر الحسينية وأشرطة الكاسيت وغير ذلك بلغات مختلفة وفي كل العالم. وترك ذلك الأثر الكبير في تعديل السلوك الإنساني لدى كل المسلمين، بل العالم كله، وساهم في خلاص البشرية من ظلم الاستبداد والطغيان).
كذلك كان من أهم أهداف الإمام الحسين تشذيب وتهذيب نفوس وقلوب الناس، وتخليصهم من عادات العنف التي سادت فيما بينهم، فمن أهم ما أعلنه الإمام الحسين عليه السلام ضمن أهدافه، تقويم سلوك الناس، وهو ما ينبغي أن ينعكس اليوم على سلوك المسلمين، وأن يترفعوا عن التجاوزات والانحرافات، وأن يحموا أنفسهم من هفوات النفوس وزلّاتها الكثيرة، لهذا تم تشذيب سلوكيات الناس، وصاروا يتعاملون بلطف فيما بينهم، وتركوا العنف بأنواعه خلف ظهورهم وسادت الرحمة والحوار والتسامح بينهم.
هذه هي مكارم الأخلاق التي سار عليها الإمام الحسين عليه السلام ضمن منهج جده رسول الله صلى الله عليه وآله، فعاد إلى الإسلام وجهه الحقيقي وجوهره الصادق الصحيح، وتم كشف وفضح الزيف والخداع شرّ هزيمة.
يقول الإمام الشيرازي:
(من أهداف نهضة الحسين عليه السلام أيضا، تصحيح سلوك الناس وتقويمه، بعد أن تلوّن سلوك الناس وأخلاقهم في ظل النظام الأموي بطابع العنف والاستبداد والوحشية والاستهتار مما لا يتناسب مع الخلق الإسلامي والإنساني، فأعاد الإمام عليه السلام نهضته الشريفة مكارم الأخلاق التي بناها جدّه الكريم صلى الله عليه وآله وقدّمها إلى البشرية ودعا الناس للتخلق بها في كل مراحل الحياة).
هذه إذن أهداف الإمام الحسين التي وضعها في نهضته، وأراد من خلالها تقويم المسلمين أولا ومن ثم شمول البشرية كلها بهذا الهدف الكبير، فمن يقول إنه حسيني عليه أن يعرف هذه الأهداف ويعظّمها ويلتزم بها بل ويقاتل من أجل رسوخها، فالهدف الأول والأخير دحر الظلم والاستبداد، والقضاء على الفساد بكل أنواعه، وهذا هو مطلب النهضة الحسينية منذ لحظة انطلاقها وإلى الآن وإلى ما قدّر الله تعالى.
اضف تعليق