q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

معالجة الإرهاب بمنهج الشورى والتعددية

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

لا توجد حلول للإرهاب إلا عبر منهج الشورى والتعددية، وإشراك الجميع في صنع القرار السياسية، وفسح المجال الأوسع للمشاركة السياسية، وفي حال إقصاء التعددية، فإن النتيجة هي الإرهاب والعنف المتبادَل بين الأقوياء والضعفاء، فالضعيف الذي يتم اضطهاده لن يستكين ولا يركن إلى اليأس تماما لذا تجده يبادل العنف بعنف مضاد...

(الإرهاب هو فعل يستعمل العنف أو يهدد باستعماله) الإمام الشيرازي

الإرهاب والاستخدام المنهجي للإرهاب، هو عبارة عن وسيلة من وسائل الإكراه في المجتمع الدولي. والإرهاب لا يوجد لديه أهداف متفق عليها عالميًا ولا ملزمة قانونًا، وتعريف القانون الجنائي له بالإضافة إلى تعريفات مشتركة للإرهاب تشير إلى تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف والقلق وربما من الفوضى أيضا.

الإرهاب يمكن أن يكون موجهاً ضد أتباع دينية وأخرى سياسية معينة، أو هدف أيديولوجي، وفيه استهداف متعمد أو تجاهل سلامة المدنيين. بعض التعاريف تشمل الآن أعمال العنف غير المشروعة والحرب. يتم عادة استخدام تكتيكات مماثلة من قبل المنظمات الإجرامية لفرض قوانينها، وهناك أنظمة سياسية تلجأ للترهيب والتعنيف ضد معارضيها وهذه الأفعال تعد من الإرهاب أيضا كونها تسلب الإنسان حق الرأي ولا توفر حماية كافية لحقوق.

يحدث الإرهاب غالبا في ظل أنظمة سياسية مستبدة، وهذا النوع يستخدم ضد المناوئين سياسيا لاسيما حين تكون السلطة محصورة بشخص الحاكم، أو للجهة الحزبية الواحدة التي غالبا ما تقصي الآخرين، فيكون العنف والإرهاب السياسي أسلوبا لحماية السلطات الدكتاتورية، مع استخدام أنواع وأشكال كثيرة من الترهيب المنظَّم.

هناك خصائص معروفة للإرهاب، وهي جميعا مرفوضة من الناحية الشرعية، وهنالك قوانين وضعية تحرّم الإرهاب بكل أنواعه سواء كان إرهابا فرديا، أو جماعيا، سياسيا أو غيره، فكل أنواع الإرهاب هي نتيجة للاستبداد ولحصر الحكم في أيد قلة من الأفراد أو فرد واحد، ومن ثم حصر صنع القرار والمشاركة السياسية بأقل عدد ممكن من الناس، وهو ما يسمى بالدكتاتورية والتفرّد بالسلطة والاستئثار بالحكم وامتيازاته.

الحل كما هو معروف يكمن في استبدال العنف المنهجي باعتماد الشورى وحكم التعددية الذي يسمح لأكثر عدد ممكن من الشعب بالمشاركة السياسية، مع حماية الحريات والحقوق المكفولة، وغالبا ما ترافق الإرهاب خصائص معينة ومعروفة.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يشير في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: السلم والسلام/ الجزء الثالث) إلى أن هناك خصائص للإرهاب:

(يرفضها الشرع المقدس، ومنها أن الإرهاب قد يكون فرديا، وقد يكون جماعيا سياسيا، وهو من أشكال الصراع السياسي، ومن مظاهره زرع الرعب والخوف في نفوس الناس، بالقيام بأعمال العنف من قتل وخطف وتفجير وما أشبه).

نتائج غياب العدالة الاجتماعية

وطالما أن الأنظمة السياسية المستبدة تحتكر القرار السياسي، وتستأثر بمزايا السلطة، وتُلحق الظلم بالناس، نتيجة لغياب العدالة الاجتماعية، فمن الأمور المؤكدة أن الناس لا يتوقفون عن مناهضة السلطة حتى لو كانت تحكمهم بالنار والحديد.

لذا تتشكل المعارضة العلنية والسرية، وتلجأ إلى استخدام أساليب مختلفة من بينها الأساليب العنيفة التي تسعى من خلالها إلى إرهاب السلطات غير العادلة، أو قد يكون الحكم مقبولا إلى حد ما لكن مغانم السلطة وامتيازاتها قد تدفع ببعض الجماعات إلى زعزعة الحكم عبر أساليب مختلفة من العنف، وفي كل الأحوال فإن الشرع لا يجيز العنف والإرهاب الذي يلحق الأذى بالناس وبالممتلكات وما شابه.

يقول الإمام الشيرازي:

(كذلك من مظاهر الإرهاب زعزعة الحكم والقائمين به عبر أعمال العنف. والسعي لنشر عقيدة خاصة يراد تطبيقها بالعنف، ويكون منه القمع الطائفي وما أشبه. وهذا كله مرفوض شرعاً).

ومما يشكل مظهرا من مظاهر الإرهاب وخصائصه، اللجوء إلى استخدام العنف لتحقيق مآرب معينة، وقد يحدث ذلك عبر شن الحروب، وحتى العصابات يمكن أن تعمل على إشعال حروب أهلية في المجتمع الواحد، وهذا كله يدخل من ضمن الإرهاب الذي يهدف إلى مغانم بعضها، أو معظمها ليس مقبولا كونه يعتمد العنف أسلوبا له، وهذه ظاهرة سياسية يمكن ملاحظتها في الواقع المعاش.

الإمام الشيرازي يؤكد ذلك بالقول:

(من خصائص الإرهاب أنّه وسيلة من الوسائل العنيفة الفعّالة التي يلجأ إليها من لهم أهداف معينة، سواء كانوا رأس القضية أو فروعها، وأنه ظاهرة سياسية تندرج في لائحة الظواهر المماثلة لها، كالحروب والثورات وحروب العصابات والحروب الأهلية وما إليها).

لذا فإن الدول التي تعاني من الإرهاب، غالبا ما تكون هشة، أو أنها مخترقة، ومنها قد تكون العلة في النظام السياسي الذي يدير الحكم وفق مناهج غير سليمة، فأما أن يكون مستبدا قمعيا، لهذا يتعرض للزعزعة دائما وإن كانت قبضته قوية، وأما أن يكون ضعيفا ومسلوب الإرادة السياسية بسبب التبعية للقوى الخارجية الإقليمية وحتى الدولية، لهذا فإن أشكال الإرهاب جميعها تستعمل العنف كأداة لبلوغ الغايات.

وهذا ما يؤكده الإمام الشيرازي في قوله:

(خلاصة هذه الصورة في الإرهاب هو فعل يستعمل العنف أو يهدد باستعماله، وفي كلا الحالين يبدو العنف محورا رئيسيا بفعل الإرهاب).

مطلوب رؤية حقيقية لمواجهة العنف

لقد عانى العراق عقودا طويلة من الاستبداد ومن الإرهاب بأنواعه، لاسيما في الحقبة العسكرية أو الدكتاتورية، حيث غاب المنهج التعددي، وتم تهميش منهج الشورى بشكل مقصود كونه يضمن العدالة في إدارة الحكم وفي صنع القرار، وفي حجم المشاركة السياسية وعدالتها، لذلك قد يلجأ الإرهاب إلى أساليب أكثر عنفا.

هناك القتل، والتصفية، والاغتيالات كما كان يحدث في الحكم الدكتاتوري بالعراق حيث تتم ملاحقة المعارضين حتى خارج العراق وتتم تصفيتهم واغتيالهم، ومن أساليب الإرهاب أيضا التفجيرات العشوائية بغض النظر عن الأهداف سواء كانت مدنية أو عسكرية، بريئة ومسالمة، أو تابعة للقوات الرسمية، المهم هو القتل وإلحاق الذى بالناس عبر العنف.

يقول الإمام الشيرازي عن هذه النقطة:

(من خصائص الإرهاب أنه لم يتخذ صورة معينة وإنما يتخذ أشكالا أخرى كالقتل الاعتباطي والتفجير وبتر الأعضاء والجرح وهتك الأعراض وسلب الحريات وإذهاب القوى وتلف الأموال وغير ذلك، من المجرم وغير المجرم، والذي يحدث أنّ المجرم قلّما يعاقب بمقدار جرمه).

لا توجد حلول للإرهاب إلا عبر منهج الشورى والتعددية، وإشراك الجميع في صنع القرار السياسية، وفسح المجال الأوسع للمشاركة السياسية، وفي حال إقصاء التعددية، فإن النتيجة هي الإرهاب والعنف المتبادَل بين الأقوياء والضعفاء، فالضعيف الذي يتم اضطهاده لن يستكين ولا يركن إلى اليأس تماما لذا تجده يبادل العنف بعنف مضاد.

وهكذا ندخل في دوامة عنف وإرهاب قد لا يتوقف، وقد يشغل الناس، ويشغل الدولة ويضعفها، ويبقى المستفيد الأول هو الأعداء الذين يحرضون على استمرار دوامة العنف بين القوي والضعيف، بين الشعب والحكومة أو نظام الحكم، لهذا يجب اللجوء إلى منهج الشورى والتعددية، وهو منهج الإسلام الذي حث على العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ودعا إلى مشاركة الجميع في القضايا الإدارية والسياسية للدولة.

لذا يؤكد الإمام الشيرازي قائلا:

(الغالب إن إرهاب الضعفاء يكون رد فعل الأقوياء، وكثير من الإرهاب هو نتيجة الظلم والطغيان، ومن هنا ينبغي حل مشكلة الإرهاب والعنف حلاً جذرياً، وذلك بتطبيق قوانين الإسلام من الحرية والتعددية والشورى والأخوة وما أشبه).

في النهاية لابد أن يتوقف العنف، كونه لا يفيد الدولة ولا الحكومة ولا الشعب، ولا يفيد العالم الذي يضج اليوم بالأزمات المختلفة، من هنا يجب أن تكون هناك رؤية حقيقية وجدية لمجابهة كل أنواع الإرهاب، بالسياسة الحكيمة، وبما يتفق مع الشرع، ومع الأنظمة والقوانين الوضعية، فهذه المنظومة الشرعية القانونية التنظيمية، يمكنها تحييد العنف، ومحاصرة أنوع العنف وإطفاء جذوته سواء في دول تعاني من الإرهاب، أو في العالم المحاصر بشتى أشكال الإرهاب.

اضف تعليق