q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

كيف يكون الحجاب أماناً للمجتمع؟

قراءة في محاضرة صوتية لسماحة الإمام السيد محمد الشيرازي –طاب ثراه-

ارتداء الحجاب من قبل المرأة بناءً على تشريع اسلامي، يتميز عن سائر التشريعات والاحكام العبادية كونها تخرج عن إطار السلوك الفردي، لتكون صلة وصل بين هذا السلوك، وصاحبه، وبين المجتمع، وإلا فان الصلاة والصوم وحتى الحج يتم بمشاركة جماعية حاشدة، وغيرها من الفرائض تعني بالانسان نفسه، يرتبط من خلالها مع الله –تعالى- وأي خلل فيها لن يترك آثاراً مباشرة وعميقة كالذي تتركه فريضة حجاب المرأة.

إن عدم بلورة فلسفة موحدة للحجاب هو الذي جعل البعض يميل يميناً وشمالاً في تفسير هذا الحكم وتطبيقاته ومصاديقه، الى درجة أن نشهد انضمام الحجاب في عديد البلاد الاسلامية الى خانة الألبسة النسائية الخاضعة للموديل والكسب التجاري، وايضاً استجابة لدوافع نفسية و رغبات شريحة واسعة من النساء، بينما ينقلنا سماحة الامام الشيرازي في هذا المقطع الصوتي الى عالم أوسع لهذا النوع من اللباس النسوي، فهو ليس مجرد حجاب يستر بدن المرأة، بقدر ما هو وسيلة لتنظيم سلوك الفرد والمجتمع، الى درجة أن يضمن له الأمن والاستقرار من الناحية النفسية، ويحدّ من احتمال نشوب فوضى في العلاقات الاجتماعية وتحديداً العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة.

وينطلق سماحته في رؤيته من صميم التشريع الاسلامي أو ما يسمى في الحوزة العلمية بـ "علل الشرائع"، ويقول: "لمن يتأمل في تعاليم الدين الاسلامي يجد أنه يحرص أشد الحرص على توفير أكبر قدر من الاستقرار والسلامة للمجتمع؛ فكما تحرص منظمة الصحة العالمية على توفير الوقاية من الامراض البدنية في العالم، فان هذه التعاليم توفر الوقاية من الامراض الخلقية.

ان الاسلام يتابع الانحرافات لدى الانسان والمجتمع بشكل دقيق ومذهل، ولعل أبرز مثال؛ حجاب المرأة، وقد ورد مفهوم الحجاب في ثلاث آيات قرآنية: {...وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}، (سورة الأحزاب، 53)، والآية الثانية: {... وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ }، (سورة النور، 31)، وهو الخمار الذي يخفي الوجه والرقبة والصدر، وثمة آية أشد من الآيتين السابقتين؛ {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}. (سورة النور، 31).

يشير القرآن الكريم الى طريقة من المشي لدى بعض النسوة، بحيث يحدثن أصواتاً تثير انتباه المارة، وقد ذهب المفسرون الى قولين حول معنى {ليُلعم ما يخفين من زينتهن}؛ الأول: هو صوت المصوغات الذهبية التي تلبسها المرأة، والذي يعلو من خلال ضرب الأرجل بقوة على الارض، والتفسير الثاني، وهو الأكثر دقة، بان ضرب المرأة الارض برجلها يحدث هزّة في جسمها، وهذا الاهتزاز يسبب تموّج العباءة، وهو ما يغري الشباب.

ولا ننسى أن المرأة بشكل عام عبارة عن زينة، وقد خلقت زينة، وهذا مصداق حديث الامام علي، عليه السلام، عندما وصف المرأة بانها "ريحانة" وهو تشبيه مذهل، فالرياحنة بمعنى الرحيق، والشذى، فهي كلها جمال وإثارة، ولكن يجب ان لا يتجه نحو الإغراء".

الحجاب وظاهرة اللصوصية!

تتداول الفتيات والنسوة سؤالاً جوهرياً ودقيقاً؛ لماذا يتم الربط دائماً بين ما ترتديه المرأة، وبين الإثارة الجنسية للرجل؟ ويستشهدن في ذلك بالمرأة خارج حدود البلاد الاسلامية، هل تثير فضول الرجال والشباب وهي غير محجبة؟! وهل ان الحجاب يمنع العيون الزائغة من التلصص هنا وهناك؟

قبل البحث عن الاجابة وفق رؤية دينية، من الجدير تبيين حقيقة تكوين الانسان؛ فهو مكون من العقل والعاطفة، وهذه العاطفة تنتج الشهوات والرغبات والنزعات النفسية، وتأتي الغريزة المودعة في نفس كل انسان، لتثير هذه العاطفة، فاحياناً تكون بشكل منظم ومنتج وايجابي، واحياناً اخرى تكون بشكل فوضوي ومخرب للعلاقات الاجتماعية، بينما العقل تثيره الحكمة، لذا يقول القرآن الكريم عن دور الحكمة بأن {...وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}، (سورة البقرة، 269)، وكلما ساد النظام هذه المعادلة التكوينية، كلما استمتع الانسان بغرائزه وسعد في حياته، لانه يتعامل مع أمور طبيعية ومن صميم تكوينه.

وعندما نظم الاسلام العلاقة بين الرجل والمرأة لاحظ بدقة متناهية الخصائص التكوينية لكل من الرجل والمرأة، فهو يدفع نحو استثمار الغريزة الجنسية بأفضل ما يكون في الحياة ويعدها مصدر التكاثر البناء وأساس التحضّر والتطور، وهو ما يدعونا اليه رسول الله، صلى الله عليه وآله: "تناكحوا تناسلوا فاني أباهي بكم الأمم يوم القيامة"، وجاء تشريع الحجاب ليكون أحد عوامل النجاح في بناء مجتمع متحضر ومتقدم، وقد جاءت الروايات التي تعزز ثقافة الحجاب بالدعوة الى العفّة، والتقوى، وغضّ البصر، وأوضح حقيقة علمية باهرة في الفوارق التكوينية بين الرجل والمرأة، بأن الشهوة عشرة حالات، تسع عند النساء، وواحدة فقط عند الرجال، في اشارة واضحة الى دور المرأة في إثارة غريزة الجنس وتقديمها ناضجة للرجل، ثم كشف الامام علي بن أبي طالب، عليه السلام، لأول مرة، عنوان شخصية المرأة وهي أنها "ريحانة وليست بقهرمانة"، بما تنطوي عليه مفردة الريحانة من دلالات يشير اليها سماحة الامام الشيرازي في المقطع الصوتي من محاضرته، بأنها "الرحيق والشذى"، وكل ما من شأنه الجذب وشدّ الانتباه، فيما عبّر علماء آخرون بأنها "الجوهرة الثمينة"، فكيف يا ترى يجب التعامل مع صفات من هذا النوع؟ هل يكون بشكل نعرض هذه الجوهرة للسرقة واللصوصية، ونترك هذا الشذى يُداس تحت الاقدام؟!

أحد الاسباب التي تدفع اللصوص لارتكاب جريمة السرقة، وجود الثمين معروضاً امامهم مع حاجتهم الشديدة اليه، فعندما يتعرض بيت فخم للسرقة او سيارة فارهة وقد ارتكب صاحبها خطأ عدم الحصانة من أعين الذين في قلوبهم مرض، فيجب ان لا نستغرب الخبر، ولعل هذا يكون مصداق الآية الكريمة حول فلسفة الحجاب، وهي تخاطب بالدرجة الاولى؛ نساء النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله بأن {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ...}، وقد فسر العلماء فعل الخضوع على أنه نوع من الميوعة في طريقة الحديث بما يثير كوامن الرجل، ولعل هذا يحدث في كثير من الاحيان من غير قصد من المرأة، لاسيما في اوساطنا الاجتماعية المحافظة، بيد أنه الخطأ الكبير الذي تقع فيه البعض، كما يخطئ صاحب الاشياء الثمينة ويخسر أمام حفنة من اللصوص من نكرات المجتمع.

والى ذلك يشير سماحة الامام الشيرازي في تفسيره للزينة التي يأمر القرآن الكريم المرأة بإخفائها، فهي ليست فقط المصوغات الذهبية التي يسمع صوتها او يبين شكلها خلال مشي المرأة كما جاءت في الآية الكريمة {...ولا يبدين زينتهنّ}، وإنما تشمل تضاريس جسم المرأة التي تهتزّ عندما تكدّ الأرض برجلها فتحرك العباءة وأي نوع من الحجاب الدارج، والحجاب عبارة عن قماش رقيق – عادة- وليس بسميك، فيتحرك بفعل حركة الجسم، بما من شأنه إثارة الغريزة على حين غفلة من المرأة، واحياناً تكون سبباً للغواية.

وفي كل الاحوال؛ أي توصية أو دعوة للحجاب والستر للمرأة، إنما مؤداه سلامة نفسها والمجتمع في آن. فالقضية لا تتعلق بالمال والعقار والسيارة التي تتعرض للسرقة، وإنما القضية تتعلق بكرامة انسان رقيق عندما تنتهك وتداس بالاقدام، حينها لن يسلم أحد في المجتمع، حتى المرأة المحتشمة قلباً وقالباً تكون عرضة لما يسمى اليوم بـ "التحرش الجنسي"، لان الغريزة الجنسية ذات الحدّين القاطعين، بدلاً من ان تكون وسيلة للخير والبناء والتقدم، يستحيل سكيناً ينهش جسد المجتمع، كما يقتل صاحبه معنوياً وربما مادياً ايضاً.

اضف تعليق