تواجه أوروبا من جديد أزمة صحية غير مسبوقة بسبب الموجة الثانية من وباء كورونا \"كوفيد-19\" الذي دفع دول القارة العجوز إلى تشديد الاجراءات والقيود، وتشير البيانات الجديدة، إلى أن الوباء لا يزال خطيراً، والإلتزام بإجراءات السيطرة عليه على مدى الأسابيع القليلة المقبلة سيكون أمراً حاسماً...
تواجه أوروبا من جديد أزمة صحية غير مسبوقة بسبب الموجة الثانية من وباء كورونا "كوفيد-19" الذي دفع دول القارة العجوز إلى تشديد الاجراءات والقيود، وتشير البيانات الجديدة وكما نقلت بعض المصادر، إلى أن الوباء لا يزال خطيراً، والإلتزام بإجراءات السيطرة عليه على مدى الأسابيع القليلة المقبلة سيكون أمراً حاسماً في منع المستشفيات من الدخول في أزمة كبيرة للمرة الثانية هذه السنة، وذلك بعد المرة الأولى خلال أول موجة للوباء، إذ فقدت الكثير من المرافق الصحية الأوروبية قدراتها الاستيعابية جراء الأعداد الهائلة لمصابي "كورونا".
ووفقاً للتقارير، فإنّ أعداد إصابات "كورونا" الهائلة قد تثقل كاهل المستشفيات في أوروبا الأمر الذي يعرضها لخطر الإنهيار، علماً أن الحالات المصابة بالفيروس ترتفع بشكل كبير جداً. وقال برونو سيانسيو، رئيس مراقبة الأمراض في المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، أنه يشعر بالقلق من أن بعض البلدان الأكثر تضرراً الآن - بما في ذلك جمهورية التشيك وبولندا وبلغاريا- لم تتأثر كما الآن خلال الربيع الماضي، وربما لم تتم زيادة سعة المستشفيات أو وحدات العناية المركزة. ومع هذا، فقد أكد سيانسيو أنه من الضروري أن تقوم جميع الدول الأوروبية بإعداد مستشفياتها للتعامل مع الزيادة في الطلب.
وأمام هذا التفشي الخطير للفيروس يرى بعض المراقبين ان اوروبا، تعيش اليوم ازمة كبيرة خصوصاً مع عدم وجود حالة إجماع وتوافق مثل التي كانت خلال الموجة الأولى، حيث كان الجميع يساند القرارات الحكومية ويعمل على تطبيقها، كما ان العديد من الحكومات كانت في وضع جيد وأطلقت حزم مساعدات غير مسبوقة، اما اليوم وبعد الخسائر الكبيرة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي بسبب الإجراءات الصارمة للحد من تفشي الفيروس، فمن الصعب اعادة نفس الاجراءات خصوصا وان استطلاعات الرأي في العديد من الدول تظهر أن نسبة المؤيدين لإغلاق عام جديد تراجعت مقارنة مع الموجة الأولى التي كانت فيها الأغلبية الساحقة مؤيدة له. تجاوز عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد حاجز 43.3 مليون مصاب عالميا، وبلغ عدد الوفيات مليونا و158 ألفا و805، وفق آخر البيانات التي يقدمها موقع وورلد ميتر.
مليون إصابة
صارت إسبانيا أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تتجاوز عتبة المليون إصابة بفيروس كورونا المستجد، في حين تتخذ السلطات في أنحاء البلد مزيدا من التدابير لاحتواء الموجة الثانية للوباء. وإسبانيا التي يقطنها نحو 47 مليون نسمة هي سادس دولة في العالم تتخطى عتبة مليون إصابة، بعد الولايات المتحدة والهند والبرازيل وروسيا والأرجنتين. والوفيات الناتجة عن الموجة الوبائية الثانية في إسبانيا أقل من المسجلة خلال الموجة الأولى في آذار/مارس ونيسان/ابريل، حين تخطى عدد الوفيات اليومية 800. لكن تراجع في المقابل معدل أعمار المرضى.
وسعيا للسيطرة على فيروس كورونا في إسبانيا، قررت الحكومة إعلان حالة الطوارئ الصحية وحظر التجول في جميع أنحاء البلاد باستثناء جزر الكناري. ويتم حظر التجول من الساعة 11 مساء وحتى السادسة صباحا مع إتاحة المجال للمناطق لتقريب أو تأخير موعده ساعة واحدة تبعا للظروف المحلية. وفي حين تخشى الطواقم الطبية وصول المستشفيات إلى طاقة استيعابها القصوى، كشف وزير الصحة سلفادور إيلا أن الحكومة تدرس اتخاذ تدابير جديدة على غرار فرنسا وبلجيكا وسلوفينيا ومنطقتين في إيطاليا. ونبّه إيلا إلى أنه "ستأتي أسابيع صعبة جدا، الشتاء قادم، لم تعد الموجة الثانية مجرد تهديد، بل صارت واقعا في كل أوروبا"، وأضاف أن الحكومة "منفتحة على جميع المقترحات" لكبح العدوى.
وكانت إسبانيا التي تمثل إحدى أكثر دول العالم تضررا من الوباء، أقرت حجرا في الربيع من بين الأكثر صرامة لوقف انتشار الفيروس. لكن عادت أعداد الإصابات والوفيات للارتفاع من جديد بعد رفع الحجر في حزيران/يونيو. ويرى عدة خبراء أوبئة إسبان أن ذلك يعود إلى استئناف الحياة الليلية ونقص امكانيات الرصد والتتبع والعزل. ويوجد صراع لي أذرع بين الحكومة المركزية بقيادة الاشتراكي بيدرو سانشيز وبعض سلطات المناطق التي يعود لها القرار في مجال الصحة، حول التدابير الوقائية التي يجب تبنيها. وبلغ الخلاف مستوى عاليا خاصة في منطقة مدريد، بؤرة انتشار الوباء، التي تسيّرها المعارضة اليمينية.
وقال سلفادور ماسيب أستاذ علوم الصحة في جامعة كاتالونيا الحرة إن "الجائحة وُظّفت كسلاح سياسي لمحاربة الخصوم عوض البحث عن التوافق وأفضل حل يخدم الجميع". وفي مواجهة زيادة الإصابات، اضطرت السلطات الإسبانية لفرض تدابير جديدة طارئة. وبناء على ذلك جرى تقييد الحركة في مدريد وثماني بلديات مجاورة منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر، إذ لم يعد الدخول والخروج من تلك المناطق مسموحا سوى لأسباب ضرورية على غرار العمل والدراسة والطبابة.
واتخذت تدابير مماثلة في عشرات المدن الأخرى، بينها شلمنقة وسرقسطة، وكذلك أقاليم بأكملها على غرار نبرة ولا ريوخا (شمال)، في حين دعت منطقة كانتابريا (شمال غرب) سكانها للدخول في "حجر ذاتي". أما إقليم كاتالونيا (شمال شرق) فقرر إغلاق كل الحانات والمطاعم لمدة 15 يوما. ويجري العمل على إنشاء "مستشفى جوائح" قرب مطار مدريد يتوقع افتتاحه الشهر المقبل. بحسب فرانس برس.
وتعتبر أنخيلا هرنانديز بونتي، وهي طبيبة ومسؤولة في جمعية "أمتيس" الطبية في مدريد، أن الوضع مقلق جدا لكنه لا يقارن بالضغط الرهيب الذي شهده النظام الصحي في آذار/مارس حين صارت أقسام الرعاية المركزة تفتقد للأسرة والتجهيزات. لكنها تعتبر أن المكاسب التي تحققت بفضل الحجر ذهبت أدراج الريح. وتقول بونتي آسفة "مع تراجع عدد الإصابات خلال الصيف، ساد الظن بأن الأمر انتهى، في حين كان يجب التجهّز" للموجة الثانية. وأضافت أن "الطاقم الطبي مرهق وغاضب"، وذلك "لأن كثيرا من الأطباء يظنون أنه كان يجب فعل المزيد خلال حزيران/يونيو وتموز/يوليو وآب/أغسطس حتى لا يُرهق كاهل النظام الصحي العام كما يجري الآن".
قيود وقرارات
من جانب اخر أصبحت إيرلندا وويلز أول دولتين في الاتحاد الأوروبي تعيدان فرض الإغلاق التامّ لاحتواء جائحة كوفيد-19 املا في "الاحتفال بعيد الميلاد بشكل صحيح" مع فرض قيود جديدة في كل من ايطاليا وبلجيكا وسلوفينيا. ويتم تشديد القيود يوما بعد يوم في اوروبا لاحتواء تفشي كوفيد-19. وفي ايرلندا دخل التدبير ومدته ستة أسابيع حيّز التنفيذ ولا يشمل المدارس. وأعلن رئيس الوزراء مايكل مارتن هذا الاجراء وقال "اذا وحدنا جهودنا خلال الاسابيع الستة المقبلة سنتمكن من الاحتفال بعيد الميلاد بشكل صحيح".
وستخضع ويلز لاغلاق عام لاسبوعين وهو اقسى اجراء يطبق في البلاد منذ الموجة الاولى من حالات كوفيد-19 في الربيع. وقال رئيس وزراء ويلز مارك درايكفورد انه سيطلب من سكان هذه المنطقة وعددهم ثلاثة ملايين "ملازمة المنزل" مضيفا ان هذه الفترة الزمنية هي الاقصر التي يمكن تطبيقها لتكون فعالة. وفي ايرلندا كما في ويلز ستضطر المتاجر غير الضرورية للاغلاق وهو وضع شبيه بالاغلاق الذي فرضته المملكة المتحدة اعتبارا من 23 آذار/مارس اثناء الموجة الاولى من الاصابات.
وسجلت مؤشرات خطيرة ايضا في ايطاليا حيث ستفرض منطقتان هما لومبارديا - منطقة ميلانو شمالا - وكمبانيا - منطقة نابولي جنوبا - حظرا للتجول لثلاثة اسابيع. وتشهد إيطاليا وهي أول بلد في أوروبا تفشى فيه وباء كوفيد-19 بشدة في شباط/فبراير وآذار/مارس، مجدداً طفرة في الإصابات ولومبارديا هي الاكثر تضررا تماما كما حصل في الربيع. كما تعد كمبانيا احدى المناطق الاكثر تضررا في ايطاليا لكن النظام الصحي فيها اقل فعالية من لومبارديا وبالتالي وضعها اصعب.
وينوي باحثون بريطانيون في جامعة امبريال كوليدج في لندن حقن متطوعين بفيروس كورونا المستجد للتسريع في تطوير لقاحات وعلاجات حسب ما اعلنوا وقدموا دراستهم على انها سابقة عالمية. والمرحلة الاولى من المشروع تكمن في امكانية تعريض متطوعين في صحة جيدة تراوح اعمارهم بين 18 و30 عاما وليس لديهم امراض لفيروس كورونا المستجد، لتحديد كمية الفيروس التي تؤدي الى عوارض. وفي مرحلة لاحقة يتم درس "كيفية عمل اللقاحات في الجسم لوقف او منع كوفيد-19 والعلاجات الممكنة وتفاعل المناعة معها".
وتلقى 60 الف شخص في عدة دول لقاحات اختبارية صينية ضد كوفيد-19 في اطار اربع تجارب سريرية كما اعلن في بكين مسؤول حكومي كبير مؤكدا ان ايا من المتطوعين لم يشعر باي آثار جانبية. وفي بلجيكا باتت المقاهي والمطاعم مغلقة لاربعة اسابيع للجم الارتفاع الكبير للحالات. وفي فرنسا تخضع المدن الكبرى منها باريس لحظر تجول. وفي اسبانيا تنضم مدينة بورغوس الى قائمة البلديات المعزولة جزئيا. وستخضع منطقة نافار للعزل ايضا. وتقول صونيا كرباليرا وهي ممرضة تعمل في مستشفى في الضاحية الجنوبية الغربية لمدريد "كنا نتوقع حصول موجة ثانية من الحالات لكن ليس بهذه السرعة". بحسب فرانس برس.
ولمواجهة الارتفاع المقلق في عدد حالات كوفيد-19 في قسم كبير من اوروبا والولايات المتحدة، نصح مدير برنامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية مايكل راين السلطات ب"وضع المخالطين في الحجر". واعلن راين "اذا كان لدي أُمنية سحرية لتحسين أمر يمكننا تحسينه فعلا وتغيير الواقع فهي التأكد من وضع كل فرد خالط مصابا بفيروس كورونا في الحجر للفترة اللازمة لوقف انتقال العدوى". وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس "أعلم أن الناس سئموا لكن هذا الفيروس أثبت انه في حال لم نبق متيقظين يمكنه ان يعود لينتشر بسرعة ويهدد المستشفيات والأنظمة الصحية".
وعانت الجهود المبذولة للتوصل إلى لقاح أو علاج ضربة قاسية مع تعليق تجربتين سريريتين في الولايات المتحدة. فقد أعلنت شركة الصيدلة الأميركية "إيلي ليلي" تعليق المرحلة الثالثة من تجاربها على علاج بالأجسام المضادة بعد حادث لم تحدد طبيعته. وكانت "جونسون اند جونسون" قالت إنها واجهت مشكلة مماثلة مع لقاحها التجريبي. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن موسكو سجلت لقاحا ثانيا سمي "إيبيفاكورونا" يطوره مختبر سري في سيبيريا، بعد لقاح "سبوتنيك".
احتجاجات جديدة
في السياق ذاته تجمع متظاهرون مناهضون لإجراءات العزل العام في وسط لندن بعد ساعات من انتقال العاصمة البريطانية إلى ثاني أعلى مستوى تأهب في مواجهة كوفيد-19. ومع تسارع وتيرة الإصابات بفيروس كورونا في سياق موجة ثانية، شددت حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون القيود المحلية في أجزاء من إنجلترا، حيث يزيد عدد حالات الإصابة، على أمل حماية الاقتصاد من خلال السماح للمناطق الأقل تضررا بالبقاء مفتوحة. ويرى المتظاهرون أن قيود كوفيد-19 غير ضرورية وتنتهك حقوقهم الإنسانية، ويعارض البعض وضع الكمامة أو تلقي تطعيمات. وخضع 57 بالمئة من سكان المملكة المتحدة لقيود أكثر صرامة بهدف مكافحة كوفيد-19.
من جانب اخر ومع ارتفاع مؤشرات أعداد المصابين بفيروس كورونا في ألمانيا وفرض قيود جديدة لمحاولة السيطرة على الوباء، تشهد العاصمة الألمانية برلين مظاهرات حاشدة ضد إجراءات السلطات لمكافحة تفشى كورونا، وأظهرت لقطات فيديو مشاهد للمحتجين وهو يتجمعون بالآلاف دون اتخاذ أي إجراءات للوقاية من العدوى عن طريق ارتداء الكمامات أو التباعد الاجتماعي. ودخلت عناصر من الشرطة الألمانية وسط الاحتجاجات، وقامت باعتقال بعض المحتجين على إجراءات الإغلاق بسبب كورونا، ورصدت الاحتجاجات مشاهد عنف من قبل الشرطة ضد المحتجين الرافضين لإجراءات كورونا. وأعلنت الشرطة الألمانية أن مجهولين هاجموا مبنى معهد روبرت كوخ الألماني للأمراض المعدية بالعاصمة برلين، عبر إلقاء مواد حارقة على واجهة المعهد.
كما شهدت مدينة نابولي مواجهات بين الشرطة الإيطالية ومئات المتظاهرين المعارضين لحظر تجول ليلي، مع إمكانية فرض حجر جديد للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد. ومع بداية ساعات حظر التجول الذي يستمر كل ليلة حتى الساعة 5 صباحا في كامبانيا بمنطقة نابولي جنوبي إيطاليا، أشعل المئات قنابل دخان وأضرموا النيران في صناديق القمامة، وألقوا مقذوفات على عناصر شرطة مكافحة الشغب المنتشرين وسط المدينة.
وكانت أطلقت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل رفض قرار حظر التجول الذي فرض في كامبانيا، وكذلك في لاتسيو ومنطقة روما وفي لومبارديا ومنطقة ميلانو. ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها: "إن أغلقت.. تدفع"، مطالبين الحكومة بتعويضهم ماديا، ومعبرين عن قلقهم حيال العواقب الاقتصادية لحظر التجول والحجر الجديد الذي قال رئيس منطقة نابولي، فينتشنزو دي لوكا، إنه راغب في فرضه بأسرع وقت. وكان دي لوكا حذر في وقت سابق من "أننا على شفير مأساة. نحن في حاجة إلى إغلاق وطني".
اضف تعليق