q
لماذا؟ لأنه حتى مع الارتفاع الحاد الذي شهدته الأسعار في الثالث عشر من حزيران/يونيو نتيجة الهجمات التي يُرجح أن تكون إيران مسؤولة عنها، يبدو أن سعر النفط سيتراجع على المدى الطويل. وقد يبدو الأمر مؤاتياً بالنسبة لأولئك الذين يهتمون بشكل أساسي بكلفة ملء خزان السيارة...
سايمون هندرسون

حتى قبل الهجمات التي استهدفت ناقلتي نفط في الثالث عشر من حزيران/يونيو على مقربة من مضيق هرمز، كان من المرجح أن تشكل الأيام القليلة المقبلة "وقتاً ممتعاً"، كما يقال، بالنسبة للأسواق المالية. ويرى معظمنا أن ذلك يفترض منا ربما التنحي جانباً، غير أن أصحاب الثروات والخبرة الأوسع قد يعتبرون أنه الوقت المناسب للتدخل.

لماذا؟ لأنه حتى مع الارتفاع الحاد الذي شهدته الأسعار في الثالث عشر من حزيران/يونيو نتيجة الهجمات التي يُرجح أن تكون إيران مسؤولة عنها، يبدو أن سعر النفط سيتراجع على المدى الطويل. وقد يبدو الأمر مؤاتياً بالنسبة لأولئك الذين يهتمون بشكل أساسي بكلفة ملء خزان السيارة بالوقود في المستقبل، إلا أنه ليس بالضرورة كذلك.

وأُفيد عن مخاوف في سوق النفط من تباطؤ الاقتصاد العالمي، وهذا يعني انخفاضاً في الطلب على النفط أو على الأقل نمو هذا الطلب بمستوى أقل من المتوقع. وتُعتبر الحرب التجارية المتنامية بين الولايات المتحدة والصين عاملاً يعزز هذا المنظور. فالطرفان يتشبثان بمواقفهما على ما يبدو، بينما لا تلوح إشارات التسوية في الأفق.

وكما ذكرت وكالة "بلومبرغ": "للمضاربين على ارتفاع أسعار النفط، احذروا: سوق النفط لعام 2020 تتأزم بسرعة". ولحين وقوع الهجمات في الثالث عشر من حزيران/يونيو، انصبّ التركيز الأساسي على إصدار توقعات "وكالة الطاقة الدولية" يوم الجمعة. فهذه "الوكالة" التي تتّخذ من باريس مقرّاً لها والتي تضم في عضويتها الولايات المتحدة بالإضافة إلى معظم الدول الصناعية الغربية، تحلل الأرقام لتقييم الاتجاهات الكامنة وراءها.

وستستند التوقعات إلى مصادر أوسع وأدق بالمقارنة مع الحديث الذي ربما أجراه محلليْن للسوق حول فنجان قهوة أو مشروب في الأسبوع الأخير. ولكنها ستبقى مجرد توقعات. وستتجنب "الوكالة" بحذر القيام بأي تنبؤات حول الأسعار الفعلية.

وصدرت إحدى النسخ التي قد تنتج عن تحليل البيانات في وقت سابق من الأسبوع الأخير مع إصدار المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية لشركة النفط البريطانية "بي بي (BP)". فالجميع يعلم أن النفط الصخري والغاز الصخري رفعا أرقام الإنتاج الأمريكية في عام 2018 ولكن النتيجة التي خلصت إليها شركة "بي پي (BP) "، بأن "الولايات المتحدة شهدت أكبر زيادات سنوية في الإنتاج على الإطلاق بالمقارنة مع أي دولة بالنسبة للنفط والغاز الطبيعي على حد سواء، علماً أن الأغلبية العظمى للزيادات تأتي من أحواض نفط صخري برية" تبقى مع ذلك مدهشة.

ويأتي مصدر القلق الأكبر، ربما باستثناء أولئك الذين يشاركون وجهات نظر الرئيس ترامب بشأن الاحتباس الحراري، من النتيجة التي توصلت إليها شركة "بي پي" بأن الطلب العالمي على الطاقة في عام 2018 ازداد بنسبة 2.9 في المائة وانبعاثات الكربون ازدادت بنسبة 2 في المائة، أي بوتيرة أسرع من أي مرحلة منذ عامي 2010-2011.

وكما أشار كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة "بي پي" النفطية، سبنسر ديل: "يتزايد عدم التكافؤ بين المطالب المجتمعية لاتخاذ إجراءات بشأن التغير المناخي من جهة ووتيرة التقدم الفعلية من جهة أخرى، مع تزايد الطلب على الطاقة وانبعاثات الكربون بأسرع وتيرة لها منذ سنوات. فالعالم يسلك طريقاً غير مستدام".

وفي ضوء هذه المعلومات كافة، نتوصل إلى استنتاج بسيط وهو أننا ربما نتجه نحو تباطؤ من شأنه التأثير سلباً على النمو النسبي للازدهار الذي شهده الكثيرون في السنوات الأخيرة. وهذا يعني أن التأثير سيكون أشد وطأة على الأقل حظاً.

وسيعتمد مآل الأمور على ذلك المزيج المعقد من الأسواق والسياسات، ليس في الولايات المتحدة فحسب بل في كافة أنحاء العالم أيضاً. ومن المزمع أن يُعقد في وقت لاحق من هذا الشهر اجتماع "منظمة الدول المصدِّرة للنفط+" ("أوبك+")، وهي مجموعة الدول التقليدية المصدِّرة للنفط بالإضافة إلى روسيا المشار إليها بعلامة زائد "+". ولا يُعتبر ذلك مشجعاً، إلا إذا كنتم تعتبرون فلاديمير بوتين قوة تعمل لصالح الخير في العالم.

ولكن هناك تداخل ما بين المصالح الأمريكية ومصالح بوتين. فهو يريد بيع النفط بأفضل سعر يمكنه الحصول عليه. وإذا حصل تباطؤ عالمي فستتراجع إيرادات روسيا.

أما الخبر الجيد فهو أن الأحداث الجغرافية السياسية لم تؤثر على ما يبدو على أسعار النفط، إلى أن وقعت هجمات الثالث عشر من حزيران/يونيو. فأزمة الخليج العربي، التي دفعت الولايات المتحدة إلى إرسال حاملة طائرات وقاذفات "بي-52" إضافية الشهر الماضي لم تتسبب بارتفاع الأسعار. وفيما يتعلق بانهيار إنتاج النفط في فنزويلا التي كانت لاعباً بارزاً في "منظمة الدول المصدِّرة للنفط" فقد امتصّته السوق بسهولة. وعلى نحو غريب، يستمر إنتاج النفط في ليبيا بالرغم من الحرب الأهلية الشرسة التي تُشنّ في ضواحي العاصمة طرابلس.

ولكن الوقت ليس ملائماً للشعور بالرضا. فالقيادة الأمريكية في العالم أصبحت اليوم موضع تشكيك أكثر مما كانت عليه، خصوصاً مع استفزاز إيران للمهارة العسكرية الأمريكية العالية. ومن ناحية النفط، لم يعد حلفاء الولايات المتحدة، على غرار المملكة العربية السعودية، يتقيدون بمبدأ "الأمن مقابل إمدادات نفط ملائمة بأسعار معقولة" كما كانوا يفعلون في الماضي. وفي الواقع، أفادت تقارير الأسبوع الأخير أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد دعا بوتين إلى زيارة المملكة في تشرين الأول/أكتوبر.

وكما هو الحال مع معظم الأنباء، وخاصة التطورات التي أُعلن عنها يوم الجمعة، فقد تكون المخاوف المتعلقة بتوقعات "وكالة الطاقة الدولية" في غير محلها أو قد تطغى عليها الأحداث غير المتوقعة بسرعة. ولكن سعر النفط يُعتبر مهماً، ومثيراً للاهتمام في الوقت الحاضر.

* سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن، والمقال منشور في صحيفة ذي هيل

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق