q
اقتصاد - مقالات اقتصادية

حسن الطلب نصف الإجابة

إقليم كردستان أنموذجا

في بداية الشهر التاسع من كل سنة وتحديدا مع بداية مراحل الأعداد للموازنة السنوية، حيث تستقبل العاصمة بغداد اللجان والوفود المختلفة من سياسيين واقتصاديين إقليم كردستان، وهم يحملون في جعبتهم مجموعة من المشاريع التنموية، والانفاقات العامة، بهدف تخصيص الأموال اللازمة لها، وبسقوف عالية، لاتلبث ان...

منذ قرابة 14 سنة وفي كل عام يمر على العراق مشهدين يمثلان واقعين مختلفين من حيث التوقيت والمنطلق والنتيجة.

• المشهد الأول: في بداية الشهر التاسع من كل سنة وتحديدا مع بداية مراحل الأعداد للموازنة السنوية، حيث تستقبل العاصمة بغداد اللجان والوفود المختلفة من سياسيين واقتصاديين إقليم كردستان، وهم يحملون في جعبتهم مجموعة من المشاريع التنموية، والانفاقات العامة، بهدف تخصيص الأموال اللازمة لها، وبسقوف عالية، لاتلبث ان تتراجع لمستويات اكثر واقعية مع سير المفاوضات.

وقد يبدو واضحا للجميع ان المفاوضات تبدأ باكراً حول هذه الانفاقات والخطط، من جانب اللجان المالية والاقتصادية لإقليم كردستان التي لا تحتاج سوى إلى التخصيصات المالية، أو على الأقل هذه هي الصورة التي يرسمها سياسيين الاقليم في مناقشاتهم مع المركز، وبما يراه الإقليم حق مشروع من خيرات كفلها لهم انتمائهم لهذا الوطن، وتبدأ بذلك التجاذبات السياسية مع الحكومة المركزية واختلاف وجهات النظر حول العديد من النقاط المحسوبة مسبقاً من جهة السياسي الكردي المحنك، ويمكن ملاحظة ان هذه النقاشات تتركز حول عدة النقاط قد يختلف بعضها من عام إلى أخر لكن على العموم تبقى المنطلقات ثابتة ومن اهم هذه النقاط:

1. حصة الإقليم من الموازنة ما بين (12,67%) او (14%) أو (17%).

2. حصة البيشمركة الكردية من التخصيصات المالية لوزارة الدفاع ونسبة هذه التخصيصات.

3. الملف النفطي وحجم صادرات الإقليم عن طريق شركة سومو وما يرافق هذا الملف من اختلافات حادة.

4. مستحقات ورواتب موظفي الإقليم وعددهم الفعلي.

5. مطالبتهم الأخيرة باعتبار مدينة حلبجة محافظة عراقية تابعة لإقليم كردستان.

6. وغيرها من الأمور الاقتصادية والسياسية المتعلقة بشكل مباشر بالموازنة العامة.

فتبدأ بذلك الحوارات معتمدين في مطالبهم على عدد نوابهم في البرلمان من جهة، تفرق واختلاف وجهات نظر باقي الفرقاء من جهة أخرى، في تمرير الموازنة التي قد يكون من الصعب إقرارها بدون أصواتهم.

• أما المشهد الثاني المتكرر في كل عام فهو مشهد باقي محافظات البلاد ولكن قبل إقرار الموازنة بإسبوع او اسبوعين حيث لم تمر سنة من السنوات إلا والنواب الممثلين لباقي المحافظات يندبون حظهم بعد إقرار كل موازنة، وهم يشكون من قلة التخصيصات المالية المرصودة لمحافظاتهم، وقد لا تمر سنة من السنوات دون أن نشاهد العديد من أعضاء مجالس المحافظات الجنوبية وهم يذكرون العراق والعراقيين إن معظم خيرات هذه البلاد هي عن طريق البصرة والعمارة التي فتك الجفاف وتلوث المياه بأهلها، وان خير النفط المستخرج من أرضهم شمل جميع البلاد، وشر الأمراض والأوبئة والسرطانات خصهم دون غيرهم، وقد يذكرنا نواب وأعضاء مجلس محافظة الانبار بأنها اكبر محافظات العراق من حيث المساحة واقلها من حيث التخصيصات، وربما لا يفوت نواب وسياسيين المناطق المحررة إن يذكرونا بمصيبة النازحين عن بيوتهم وديارهم في الموصل وصلاح الدين وديالى وغيرها، وقد يصرخ الجميع عالياً وبصوت واحد أين الأموال الضرورية لتوفير العمل ومحاربة البطالة التي تقتل أبنائنا، ولكن متى تعلوا هذا الأصوات؟؟؟

بعد فوات الأوان.

بعد أن رفعت الأقلام وجفت الصحف، وبعد أن يصوت نواب المحافظات الوسطى والجنوبية والغربية ونواب المحافظات المحررة والمهجرة على نفس الموازنة التي نسمع عنها في كل عام على إن إقليم كردستان هو المستفيد وباقي المحافظات ليس لها نصيب سوى أن تدفع من خيراتها، فتصبح بأصوات نوابنا الموازنة قانون واجب النفاذ ولا سبيل لتغيير ذلك فما معنى ان الكلام بالحقوق بعد أن فرّطنا بها؟؟؟

قد يكون الفارق بين المطالب الاقليم ومطالبات باقي المحافظات هو الوعي العالي للسياسي الكردي وإدراكه لأهمية الأوراق السياسية والمالية والاقتصادية التي يلعب بها، وكيف يمكن أن تشكل عامل ضغط على الحكومة المركزية، وبما يضمن له الاستماع بجدية لمطالبه، ولا اعتقد انه يخفى على المتابع الكريم كيف إن معظم هذه المطالب إما قد تحقق، أو في طريقه إلى ذلك، في حين نجد البعض من نواب باقي المحافظات بعيدون كل البعد عن المتغيرات الاقتصادية والمالية، ولا يعيرون أي اهتمام لإقرار الموازنة ومواعيدها ومراحل إعدادها، وكيف يمكن أن يشكل الطلب المسبق من فارق في المعادلة المالية والاقتصادية، وما يمكن أن تجلبه من خير لأبنائهم، وغير مدركين إن في غفلتهم هذه سحق لآمال وطموحات ومستقبل الشباب الذي وضع ثقتهم وصوتهم في هؤلاء النواب على أمل أن يجدوا ما يسعف حالهم.

وفي ختام هذه الورقة أحب القول انه في معظم الأعوام السابقة، بعد أن تصاغ مسودة الموازنة بشكلها النهائي، وبعد أن ترفع إلى البرلمان للتصويت تعلوا الأصوات من كل حدب وصوب بأن إقليم كردستان اخذ أكثر مما أعطى، وان باقي المحافظات سواء الجنوبية أو الغربية أو الوسطى بقيت كما كانت تعاني الإهمال والظلم في استحقاقها من الأموال، ولكن من المسؤول عن هذا؟؟

الحقيقة ان ممثلين المحافظات المتضررة من أحزاب وسياسيين ونواب هم المسؤولون عن اهمال مطالب أبنائهم، وقد قيل في الأمثال التي ورثناها عن أجدادنا، حسن الطلب نصف الإجابة، فمن واجب نواب وأعضاء مجالس المحافظات، البدء مبكراً بمطالبهم، واستباق الأحداث، والضغط على الحكومة المركزية من جهة، ومزاحمة اقليم كردستان من جهة اخرى لضمان حقوق ابنائنا المشروعة.

وفي حالة لم يتم ذلك وتم إقرار موازنة 2020 بعجز قدرته اللجنة النيابية ب(72) او حتى (50) تريليون دينار دون أن يكون للبصرة وصلاح الدين والناصرية والعمارة والموصل وباقي محافظات العراق بشكل عام نصيب من تخصيصاتها بما يضمن معالجة المشاكل العالقة من عمل وتلوث ومياه نقية واستصلاح الأراضي الزراعية وغيرها، ففي ذلك الوقت لا نلوم إلا حالنا، ولا نندب سوى حظنا، ولا نعلق فشل نوابنا على الآخرين لاغتنامهم فرصة ضلوا غافلين عنها منذ عام2003 ولغاية الان.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق