فكرة الاستدامة الاساسية هو استدامة الحساب الجاري بافتراض عدم تغير السياسات الكلية الاقتصادية والمحلية الخارجية، لذلك فإن مفهوم الاستدامة يعكس اختلال الحساب الجاري في قرارات الادخار والاستثمار في القطاعين العام والخاص، وقروض المستثمرين الاجانب، وفي العراق نلاحظ ان الحساب الجاري دون القطاع النفطي مختل بشكل...

يُعد مفهوم استدامة الحساب الجاري مفهوماً معقداً، ويتم استخدام الملاءة المالية في بعض الاحيان كمعيار لتقييم مدى الاختلالات في الحساب الجاري على المدى الطويل، ويعتبر الاقتصاد قادر على السداد اذا كانت القيمة الحالية للفوائض التجارية مساوياً لصافي القيمة الحالية لديونها المستقبلية، غير أن هذا الوضع يشوبه الضعف لأنه يتطلب تسديد الديون الخارجية للبلد على المدى الطويل، حتى وان كان البلد يعاني من عجز في الحساب الجاري فيمكن اعتباره قادر على السداد طالما انه يتوقع فوائض الحساب الجاري في المستقبل، وفي الدول الريعية ومنها العراق يعتمد ذلك على تغيرات اسعار النفط وحجم الايرادات غير النفطية المتوقعة، ونلاحظ ان حجم هذه الايرادات لا تتجاوز بالغالب (10%) وتشكل الايرادات النفطية نحو اكثر من (90%).

فكرة الاستدامة الاساسية هو استدامة الحساب الجاري بافتراض عدم تغير السياسات الكلية الاقتصادية والمحلية الخارجية، لذلك فإن مفهوم الاستدامة يعكس اختلال الحساب الجاري في قرارات الادخار والاستثمار في القطاعين العام والخاص، وقروض المستثمرين الاجانب، وفي العراق نلاحظ ان الحساب الجاري دون القطاع النفطي مختل بشكل كبير جداً، وتبلغ قيمة عجز الميزان التجاري دون القطاع النفطي نحو (30) مليار دولار عام 2017، وهذا مؤشر خطير جداً اذا ما تم تنويع الصادرات من اجل تقليل حدة الاختلال والتوجه نحو التوازن او دونه بقليل، اما الميزان التجاري مع النفط فقد حقق عام 2017 فائضاً بلغ نحو (12) مليار دولار، بلغت قيمة القطاع النفطي منه النسبة الكبيرة وتصل الى اكثر من (95%) اما المنتجات الأخرى المصدرة فلم تشكل سوى اقل من (5%) من مجموع الصادرات، ويمكن ملاحظة الاستدامة المالية دون القطاع النفطي (وهي عبء الدين الى نمو الناتج المحلي غير النفطي) أنها تخطت حدود الامان والبالغة (100%)، اذ بلغت هذه النسبة نحو (165%).

ان اهم ترابط بين المالية العامة والاستدامة الخارجية يتعلق بسوق سعر الصرف، وهذا الترابط يقدم لنا مقايضة عادة ما يكون تأثيرها سلبي، وتشير الدراسات الى أن عملية تخفيض القيمة الحقيقية العملة هو شرط ضروري لتحقيق الاستدامة الخارجية، وفي المقابل نلاحظ أن حجم كبير من الدين العام في البلدان النامية مقومة بالعملة الأجنبية، ونتيجة لذلك يمكن ان يؤدي تخفيض قيمة العملة الوطنية ارتفاع مفاجئ في نسبة الدين الى الناتج المحلي، وبالتالي يمكن ان يؤدي ارتفاع قيمة العملة الوطنية الى تأثير ايجابي على الاستدامة المالية وتأثير سلبي على الاستدامة الخارجية اذا ارتبط ذلك بتدهور سريع في الحساب الجاري، لذا فإن تحسن اوضاع المالية العامة سيكون مؤقتاً.

اذاً هذه هي المشكلة بالضبط، فالمقايضة الحكومية تحقق الاستدامة المالية وتدفع الحكومات الى تجاهل هشاشة المالية العامة الخارجية وفي النهاية ستكون النتيجة هي أزمة عملة وازمة مالية، لذلك نلاحظ بعض الاقتصاديين يقولون ان تخفيض قيمة العملة الوطنية له تأثير سلبي والسبب هو عدم وجود انتاجية حقيقية نستطيع من خلالها منافسة السلع المستوردة، وهناك من يقول ان تخفيض قيمة العملة الوطنية له اثر ايجابي لأنه كفيل بتحفيز الانتاج الوطني من جديد لينهض وينافس المنتجات المستوردة، وباعتقادي فإن الرأي الاخير تطبيقه صعب الآن لما له من تأثير على ذوي الدخل المحدود وبالتالي سيؤدي الى ارتفاع متزايد في مستويات التضخم وستُضاف هذه الزيادة على السلع والخدمات الاستهلاكية والانتاجية.

* باحث اقتصادي

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق