انعقدت مؤخرا قمة قادة مجموعة العشرين G20 في مدينة هامبورغ الألمانية، تحت عنوان "نحو بناء عالم متواصل" وناقش قادة مجموعة العشرين في اجتماعهم، الذي وصف بأنه أكبر تجمع دولي، قضية استقرار الاقتصاد العالمي ومواصلة تنظيم أسواق المال، والقضايا المرتبطة بالتنمية في العالم. وقد ركز قادة هذه الدول على عدة محاور اهمها ضمان الاستقرار الاقتصادي، وتحسين الاستدامة، وتحمل المسؤولية، وإنعاش التجارة، وزيادة مستويات الاستخدام، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030. وتضم المجموعة كلاً من: ألمانيا، فرنسا، اليابان، الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، إيطاليا، بريطانيا، روسيا، الأرجنتين، أستراليا، جنوب إفريقيا، البرازيل، الصين، كوريا الجنوبية، الهند، إندونيسيا، المكسيك، تركيا، والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي، وتشكل دول هذه المجموعة 85% من حجم الاقتصاد العالمي.

وقد افصحت نتائج قمة مجموعة العشرين بأنها واحدة من أكثر القمم جذبا للاهتمام في السنوات الأخيرة، بسبب المشاركة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يتعامل مع تعددية الأطراف والتعاون الدولي بازدراء شديد. ويأتي حضور ترامب قمة 2017 بعد انسحابه بالفعل من أحد الالتزامات الرئيسة لقمة العام الماضي وهو الانضمام لاتفاقية باريس للمناخ، ووعوده بتبني تدابير الحماية التجارية ورفض تقديم المزيد من المساعدات لللاجئين. وقد انشغل قادة القمة بالتهديدات التي تشكلها زيادة تدابير الحماية التجارية، خصوصا مع صدور تقرير مبادرة مراقبة التجارة العالمية مؤخرا والذي حذر من فشل دول العشرين في الوفاء بتعهداتها السابقة بشأن حرية التجارة. وحذر التقرير ايضا من آلاف التدابير التي تتوخى الحماية والتي لا تزال تعيق دخول الصادرات الأمريكية إلى دول أخرى والتي قد تعطي ترامب المبرر الذي يحتاجه لزيادة الحواجز على حركة التجارة من والى الولايات المتحدة الامريكية. وتناولت قمة قادة G20 جملة من القضايا الاقتصادية كان ابرزها:

1- نمو الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية وتنظيم أسواق المال العالمية وتقوية النظام المالي العالمي وتعزير آليات الرقابة لمنع تكرار الأزمة المالية التي شهدها العالم عام 2008 وعدم ترك أي قطاع من قطاعات السوق المالية العالمية بعيدا عن الرقابة، ومحاربة التهرب الضريبي وتفادي المنافسة عن طريق تخفيض الضرائب.

2- التركيز على تحقيق نمو دائم ومستمر ومتوازن للاقتصاد العالمي وتعزيز فرص التشغيل والتوظيف. فمنذ قمة واشنطن التي عقدت عام 2008 أصبحت التجارة العالمية أحد أهم البنود على جدول أعمال قمة المجموعة بسبب العلاقة الوثيقة بين حرية التجارة العالمية والحد من البطالة.

3- التغيير المناخي وسياسات التنمية وأسواق العمل وقوانينها وملف الهجرة وقضية اللجوء ومحاربة الارهاب.

وركز نقاش قادة الدول العشرين على انسحاب الولايات المتحدة مؤخرا من اتفاقية المناخ في باريس، وفرص اتباع بلدان أخرى الولايات المتحدة في وضع مصالحها الذاتية وعلى نحو متهور فوق الصالح العام؟ فقد أوردت صحيفة نيويورك تايمز مقالا يشير إلى أن ترامب قد ينجح في سحب روسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا، وحتى إندونيسيا إلى تحالف بترولي لإضعاف أو إلغاء اتفاق باريس للمناخ. مع ذلك نجحت الدبلوماسية الالمانية وشعر الدبلوماسيون والناشطون المناخيون في جميع أنحاء العالم بالارتياح بعد اعلان البيان الختامي للقمة، والذي جاء فيه " زعماء الدول الأعضاء في المجموعة 20 ترى إن اتفاق باريس لا رجعة فيه ... وتؤكد مجددا التزامها القوي باتفاق باريس، والتحرك بسرعة نحو تنفيذه الكامل" باستثناء تخلي الولايات المتحدة عن ذلك الالتزام.

من جانب اخر، اشار صندوق النقد الدولي في سياق اعمال القمة، بأن التعافي الاقتصادي العالمي يمضي على المسار الصحيح، ويتسم باتساع نطاقه، ومن المتوقع أن يستمر إلى العام القادم. ولكن في الوقت نفسه حذر الصندوق من عواقب التراخي والمخاطر، بما في ذلك ارتفاع مواطن الضعف المالي، وتدني مستوى الإنتاجية، وتزايد عدم المساواة".

كما شدد الصندوق على ضرورة الاستفادة من فترة النمو الراهنة كفرصة لزيادة حماية القطاع المالي – بمراكمة احتياطيات رأس المال الوقائية وتقوية الميزانيات العمومية لدى الشركات والبنوك؛ ومعالجة مسألة الأجور الحقيقية الراكدة – التي قد تصيب التعافي بالضعف وتغذي مشاعر السخط؛ والتصدي لمشكلة اختلالات الحسابات الجارية المفرطة – مع قيام بلدان الفائض وبلدان العجز على السواء بدورها في هذا الشأن. وتماشيا مع ما تضمنته "خطة عمل هامبورغ"، فقد أكد صندوق النقد الدولي على خمس أولويات وهي:

1- التعجيل بالإصلاح التجاري: ويتمثل جانب أساسي من هذا الجهد في تخفيض الحواجز وإعانات الدعم وغيرها من الإجراءات التي تتسبب في تشويه التجارة. وبالإمكان تعزيز النظام التجاري العالمي بإعادة تأكيد الالتزام بالتطبيق الجيد للقواعد التنظيمية التي تشجع على التنافس مع تهيئة مناخ يحقق تكافؤ الفرص.

2- زيادة الاستثمارات المنتجة في البنية التحتية: حيث سيؤدي ذلك إلى زيادة التوظيف والنمو على المدى القصير ورفع مستوى الإنتاجية على المدى المتوسط.

3- تشجيع الاحتواء المالي: حيث تعد زيادة فرص الحصول على التمويل، وخاصة للمرأة، بمثابة مطلب حيوي لدعم النمو القابل للاستمرار – وسوف تؤدي سياسات الاحتواء المالي إلى خلق ملايين فرص العمل الجديدة.

4- الاستثمار في رأس المال البشري: وذلك من أجل تسليح السكان بمهارات أفضل تسمح لهم بمواجهة تحديات التحولات التكنولوجية والاقتصادية الهيكلية القائمة. ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة في سياق زيادة التحول إلى الوسائل الآلية واستخدام الذكاء الاصطناعي.

5- تعجيل إصلاحات سوق العمل: ويشمل ذلك التوسع في إمكانية نفاذ الأشخاص إلى سوق العمل، وزيادة مرونته، والحد من الأنشطة غير الرسمية. ومن أهم الأبعاد في هذا الشأن سد الفجوة بين الجنسين من حيث مشاركة المرأة في سوق العمل – وهو أمر جيد لزيادة النمو والحد من عدم المساواة وتنويع الاقتصادات.

ورغم تعدد أجندة قمة قادة دول العشرين لهذا العام الا ان الهدف الاساس كان تطويق النزعة الترامبية لانتهاج سياسات حمائية وتغليظ القيود على الاستيرادات الاجنبية، ليس فقط خشية من ضعف مستويات التجارة والنمو التي قد تترتب على هذه السياسات، وانما ايضا توخياً لاستعار حرب تجارية بين الاقتصادات الكبرى كرد فعل على سياسات الولايات المتحدة. من جانب آخر كان التخوف من امكانية انفراط عقد اتفاقية باريس للمناخ عبر انضمام دول عدة للمحور الامريكي المعارض لهذه الاتفاقية اهمية خاصة لراعية القمة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل وقد بذلت المانيا جهود متميزة صبت في النهاية الى تمتين عرى الاتفاقية المذكورة والسير قدماً في اجراءات التنفيذ.

اما صندوق النقد الدولي فقد اوضح، وعلى لسان لاغارد رئيسة الصندوق، بان الاقتصاد العالمي بحاجة ماسة اليوم الى سياسات اقتصادية مشتركة لتجاوز السكون الاقتصادي القائم عبر تفعيل اتفاقات التجارة والرقابة المشتركة على اسواق المال والمصارف بغية تحقيق معدلات نمو مستدام والتكيف مع التغيرات الهيكلية التي تشهدها الاقتصادات الصاعدة (كالصين والهند) وانتهاج سياسات اقتصادية عالمية معدة خصيصا لاستباق الازمات المالية والمصرفية التي قد تصيب الاقتصاد العالمي في المستقبل.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق