ما لفت انتباهي في الكتاب هو الديمقراطية الزائفة التي يدعيها الأميركيين وهو نفس الموضوع الذي وددتُ ابرازه للقارئ الكريم ليتسنى له رؤية الوجه الأخر للولايات المتحدة كبلد وللأميركيين كمجتمع. لذا، فالهجرة يمكن ان تكون قراراً خاطئاً الى هكذا وجهة. وكذلك فإنَّ العالم العربي أكثر وعياً فيما يخص التمييز والطبقية والعبودية...

في عالمٍ تتقاطع فيه الهويات وتتصادم فيه الثقافات، يبرز دور الترجمة كجسر إنساني يعبر بنا من ضفاف الغربة إلى واحات الفهم والتأمل. واليوم، نفتح صفحة من صفحات هذا الجسر مع أحد الأصوات الأكاديمية المتميزة، الدكتور أمثل محمد عباس، التدريسي في قسم اللغة الإنكليزية بكلية التربية الأساسية – جامعة ديالى، ومترجم كتاب "The Autobiography of an Ex-Colored Man"، الذي حمل إلى القارئ العربي عنوانًا دقيقًا وموحياً: "سيرة رجل كان ملوّناً".

في هذا الحوار، نسلط الضوء على مشروع ترجمي استثنائي يُعيد إحياء رواية أفرو-أمريكية كلاسيكية تعالج قضايا الهوية، والتمييز العنصري، والصراع الداخلي في مجتمع أميركي مزقته الأعراق والتناقضات. نسلط الضوء على الأسباب التي دفعت الدكتور عباس لاختيار هذا العمل دون سواه، والصعوبات التي واجهها في نقل مصطلحات تحمل شحنة ثقافية وتاريخية بالغة الحساسية، فضلاً عن المعايير الأكاديمية والجمالية التي حكمت اختياراته في العنوان، وفي نقل نبرة السرد الحميمية التي تشبه الاعترافات.

في هذه الرحلة الفكرية، نتعرف كيف يمكن للمترجم أن يكون شاهداً على معاناة الآخر، وكيف يمكن للأدب أن يضيء الزوايا المعتمة في الوعي الجمعي، ليس فقط في أميركا القرن العشرين، بل في واقعنا العربي المعاصر أيضاً.

فأهلاً بكم في هذا الحوار مع الدكتور أمثل محمد عباس، حيث نغوص في عوالم السيرة، والعرق، والهوية... وفي فن الترجمة بوصفه مسؤولية فكرية وأخلاقية بالدرجة الأولى.

 ما الذي دفعك لاختيار هذا الكتاب تحديداً للترجمة؟ هل هناك رسالة أو فكرة معينة في النص الأصلي وجدت أنها مهمة للقارئ العربي؟ 

بعد قراءتي المعمقة للنص الأصلي، وجدْتُ أنَّه يحاكي المعاناة الإنسانية لأولئك الذين رزحوا تحت ذل العبودية والعنصرية لا لسبب بل لكونهم يحملون بشرة سوداء او ملونة. لذا، فعن طريق ترجمة هكذا عمل، نضع بين يدي القارئ العربي عملاً يُبَرِز تعامل المواطنين البيض تجاه الملونين من أصول افريقية في الولايات المتحدة الأميركية. وكذلك يتمكن القارئ من رسم صورة عن سياسة التمييز العنصري التي كانت سائدة في الحقبة الماضية ولا زالت تلقي بظلالها على الناس. 

كيف تعاملت مع التحديات اللغوية والثقافية في ترجمة مصطلحات مثل "الراغتايم" أو "الاجتماع الكبير" أو التعبيرات المرتبطة بالهوية العرقيّة في أمريكا القرن العشرين؟ 

كما هو معلوم، فان اختلاف المجتمعات اللغوية من شأنه ان يكون تحدياً كبيراً بالنسبة للمترجم. وتُعد ترجمة المصطلحات انفة الذكر بالغة الصعوبة لعدم وجود ما يقابلها ضمن الأفق الثقافي واللغوي وحتى الديني للغة العربية. لذا، يمكن ترجمتها بالقراءة المستفيضة باللغة الإنكليزية وإيجاد المصطلح المناسب لاستخدامه في اللغة العربية. إنَّ استخدام مصطلح "الاجتماع الكبير" هو إشارة الى ذلك المهرجان الديني في الديانة المسيحية الذي يتم في العراء في منطقة منعزلة بعض الشيء عن المناطق السكنية ويُدعى له كثير من الناس من مناطق مختلفة وتستخدم خيام ومنصات متحركة وكراسي بعدد كبير لاستيعاب المشاركين بهذه الطقوس. وقد دعوته بهكذا مصطلح لأنَّه يحدث بفترات متباعدة قد يكون سنوياً ويشترك به عدد هائل من الناس.

 لماذا اخترت عنوان سيرة رجل كان ملوناً؟ هل كان هناك بدائل أخرى ناقشتها قبل الاستقرار على هذا الاختيار؟ 

إنَّ اختيار العنوان له علاقة مباشرة بالعنوان الأصلي للكتاب في اللغة الإنكليزية. وتُعد ترجمة العنوانات مُهمة عسيرة على المترجم بسبب قلة عدد الكلمات وأنْ تستخدم بها ما يُسمى "اللغة المضغوطة" كإشارة الى تقليل عدد الكلمات في العنوان. ولا يجوز استخدام الية الشرح في العنوان مثلما يمكن استخدامها في متن النص. وفي حال تعسُّر ترجمة مصطلح معين في متن النص، يمكن تقديم شرح يوضح للقارئ ماهية المصطلح وهذا ما لا يمكن استخدامه للعنوان. وكان يمكن استخدام مقترح عنوان " قصة حياة ملون سابق" أو "سيرة حياة رجل ملون سابق" ولكنني وجدتُ أنَّ كلمة "سيرة" أدق من كلمة "قصة" لأنها فن (فن السيرة) قائم بحد ذاته. وكذلك فإنَّ التعبير "كان ملوناً" يعبر عن حالة الكاتب أكثر من كلمة "سابق". لذا، تم الاستقرار على العنوان الحالي والذي يعد لغوياً أكثر دقة. 

يعكس الكتاب قضايا الهجرة والعبودية والتمييز العنصري في أمريكا. كيف ترى انعكاس هذه القضايا في العالم العربي اليوم، وهل هناك نقاط تشابه أو اختلاف لفتت انتباهك أثناء الترجمة؟

ما لفت انتباهي في الكتاب هو الديمقراطية الزائفة التي يدعيها الأميركيين وهو نفس الموضوع الذي وددتُ ابرازه للقارئ الكريم ليتسنى له رؤية الوجه الأخر للولايات المتحدة كبلد وللأميركيين كمجتمع. لذا، فالهجرة يمكن ان تكون قراراً خاطئاً الى هكذا وجهة. وكذلك فإنَّ العالم العربي أكثر وعياً فيما يخص التمييز والطبقية والعبودية وأعتقد أنَّ مجتمعاتنا العربية تُعد مثالية بالنسبة لهذا الجانب. ومن خلال ترجمة هكذا أعمال، نشارك في فتح أفاق امام المواطن العربي عمّا يعانيه المواطنين من غير الأنكلوساكسونيين الذين يَرَوْن أنفسهم أنَّهم الجنس الأكثر رفعة والأكثر ذكاءً والأكثر تمييزاً عن باقي أجناس الأرض. وانَّهم لديهم الحق في استعباد الجميع لخدمتهم والعمل تحت إمرتهم.

الشخصية الرئيسية تعيش صراعاً داخلياً بين الهويتين السوداء والبيضاء. هل تعتقد أن القارئ العربي سيتفهم هذا الصراع برغم اختلاف السياق الثقافي؟ وكيف حاولت جسر هذه الفجوة؟ 

 تدور جميع احداث هذه القصة حول الصراع الداخلي بين الهويتين. وأنَّ المعاناة التي تواكب هذا الصراع هي ما شكَّلت الشخصية الرئيسة وكيف أظهرت مكنوناتها للعلن. وليعلم القارئ الكريم أنَّ الشخصية الرئيسية وُلِدت من أب أبيض وأم سوداء من أصول أفريقية وهو ما يُطلق عليه مُلوّناً. فكان بالنسبة للبيض يرونه من أصول إيطالية ولا يعدّونه اسوداً. لذا، فكانوا يتلفظون بألفاظٍ نابية بحق المواطنين السود أمامه ويحطون من شأنهم. وهذا ما جعله يعيش صراعاً، إذ لا يمكنه الكشف عن شخصيته امامهم، بل وحتى امام من أحبها قلبه وأراد أنْ يتزوجها خشية أنْ ترفضه وتمتنع من الزواج منه. والرسالة التي نود ايصالها هي أنَّ يمكن ردم هذه الفجوة من خلال أنْ يكون الفرد نافعاً للمجتمع بغض النظر عن عرقه أو لونه. إنَّ مؤهلات الفرد هي من تجعله مميزاً. وفي حالة الشخصية الرئيسية في هذا العمل، فإنَّ إجادته العزف على آلة البيانو هو ما جعله متفرداً ومميزاً في عالم البيض وهو ما دفع امرأة بيضاء للموافقة على الزواج منه. ان عزف البيانو بشكل محترف هو ما ميزه عن أقرانه المُلوّنين وهو ما قرّبه من عالم البيض بنفس الوقت. وهذه رسالة الى كل شبابنا في المجتمع العربي أنَّ أي فرد يمكن أنْ يكون ذا شأن بما يمتلكه من مؤهلات تجعله فرداً مفيداً للآخرين وللمجتمع الذي يعيش فيه وليس بما يمتلكه من نَسَب او أموال. 

 كيف تقرأ موقف الراوي النهائي عندما يختار العيش كرجل أبيض؟ هل تراه خيانة للهوية أم محاولة للنجاة في مجتمع عنصري؟  

بالعودة الى السياق، إذ بدونها تُعد خيانة للنص، نرى أنَّ الشخصية الرئيسية قد أحبَ الفتاة البيضاء حبّاً جمّاً وقد أحبَّ أولاده منها وعلى وجه الخصوص من ماتت وهي تضعه. وقد اعطى كل شيء لأولاده الاثنين من رعاية واهتمام وأموال لمستقبلهم. وبحسب رؤيتي، فإنَّ التخلي عم هويته المُلوّمة هي بعض الوفاء لزوجته المتوفاة المُحبّة والتي وفاتها غيرت نظرته للحياة ولجميع الأشياء. أنا أرى أنَّ زواجه من هذه الفتاة قد غير نظرته لنفسه وهوَّنَ حدّةَ معاناته تجاه عرقه. وهو الأمر الذي جعله يتخلى عن مقارعته للعنصرية والانحناء لاحتضان اهتمامه بولديه وتكريس كل وقته وتفكيره بهما. إنَّ العيش كرجل ابيض لم يتطلَب منه أي شيء سوى عدم مناهضة افعالهم تجاه السود وهو ما أصرَّ على فعله أقرانه من المناهضين أمثال فريدريك دوكلاس (وهو شخصية كتابي القادم) وبوكر تي واشنطن وغيرهم. 

الرواية كُتبت بأسلوب سيرة ذاتية خيالية. كيف تعاملت مع هذا الخليط بين الواقع والخيال في الترجمة، خاصةً أن النص يحمل لغةً حميميةً تشبه الاعترافات الشخصية؟ 

 بشكل عام، أنَّ مَهمة الترجمة ليست بالعمل اليسير وبحساب أسلوب الكاتب يجعلها عسيرة أكثر. وهنا اللغة الحميمية تقتضي الاختيار ما بين أقرب المعاني الذي يحاكي المصطلح الذي تبنّاه الكاتب وهو ما يستهلك جهداً ووقتاً أكثر. وأنَّ عملية الدمج ما بين الواقع والخيال يُحتِّم على المترجم الانقياد باتجاه وقت حدوث الحدث وإبرازه لما له من شأن عند سرد الكاتب لروايته وكذلك له أهمية في إبراز الأحداث ويجعلها أحداثاً مهمة. إنَّ عملية التذكر التي قام بها الكاتب على طول سرديته تجعل الترجمة وكأنَّها تذكرة ذهاب وعودة الى زمن حدوث الحدث. وتعد واحدة من المهام الصعبة هي السرد بحال الحاضر والذهاب الى الماضي على شكل تذكُّر حادثة او مراجعة الذكريات ومن ثم العودة الى الحاضر لتشكيل الصورة الكلية. 

الموسيقى عنصر مركزي في الرواية (مثل الراغتايم والأغاني الروحية). هل واجهت صعوبة في نقل وصف هذه التجارب الموسيقية إلى العربية؟

هذا سؤال ذكي للغاية، إذ أنَّ الموسيقى هي جزء لا يتجزأ من الجانب الديني والروحاني في الديانة المسيحية والتي هي ديانة الكاتب نفسه. وبالعودة الى بدايات الكاتب حينما أتقن العزف وبدأ يعزف في الكنسية أثناء قراءة الترانيم أو الاحتفالات الدينية، بدت الموسيقى وكأنَّها من المحاور المهمة في حياة الكاتب وكذلك من هذه السردية نفسها. كانت الصعوبة في ترجمة المصطلحات الموسيقية التي تتطلّب معرفة بالتفاصيل الدقيقة للمصطلحات المستخدمة ما بين العازفين والموسيقيين. ومن يقرأ هذا العمل سيتعرّض الى مجموعة غير قليلة من هذه المصطلحات التي تحتاج الى إدراك غير طبيعي من قبل المترجم.

  هناك مشاهد قوية مثل حرق الرجل الأسود حياً. كيف حافظت على تأثيرها العاطفي دون أن تفقد دقة الوصف الأصلي؟  

إنَّ هذا الحدث الموجع للكاتب والذي جعل نظرته الى عالم الرجل الأبيض ضبابياً وداكنا قاتماً تماماً هو من العوامل المؤثرة التي شكَّلت بعض أسلحة معركته ضد العنصرية. إنَّ عملية مشاهدته لعملية حرق رجل أسود حي (باعتباره مذنب بنظر الرجال البيض وبدون محاكمة) تركته مريضاً لسنوات عديدة وأفقدته القدرة على الانغماس في عالم البيض على الرغم من أنَّه يعتبر رجلاً أبيضاً (ولو سرياً) وأعطت له الدافع في حربه ضد هؤلاء الذين يستبيحون دماء وحرية الرجل الأسود. إنَّ رائحة اللحم المحترق ما فتئت تلازم أنفه لسنوات عديدة وجعلته غير مستعداً ليغفر لعالم البيض وإنْ كانوا يعاملونه بشكل مختلف وحضاري. كانت الترجمة هنا حاضرة في وصف رائحة اللحم المحترق ومدى استياء الكتاب عند مشاهدته لهذا المهرجان الدموي البشري. لقد تعمّقَ الكاتب في الغوص عميقاً في وصف استياءه بعبارات لا تخلو من الصعوبة والدقة بشيء من التفصيل والربط ما بين الكلمة والصورة. هنا، على المترجم ان يكون مستعداً. إذ لا بد للمترجم ان يصف المشهد بعمق احساس الكاتب وعاطفته اللاهبة لإيصالها بكل وضوح الى المتلقّي وبشكل من شانه أنْ يعبر عن الصورة الحقيقية. ربما يضيع الكثير اثناء الترجمة. وهذا ما يجعل الترجمة فن وعلم في آنٍ واحد.

كأستاذ في الترجمة، ما هي النصيحة التي تقدمها لطلابك عند ترجمة النصوص التي تحمل أبعاداً تاريخيةً وحساسيةً ثقافيةً مثل هذه الرواية؟  

من أبرز اساسيات الترجمة هي الحيادية. يتوجب على المترجم أنْ يظهر عدم انحيازه تجاه عواطف الكاتب وأن يكون اميناً في نقل الفكرة والصورة والاحساس وكذلك المعاناة. وفي هذا العمل، نعم هنالك الكثير من العواطف والاحاسيس التي غمرنا بها الكاتب. ونشد على أيدي الطلبة في أن يكونوا محترفين في تراجمهم. والاحترافية تأتي من خلال التدريب المستمر والقراءة الاختصاصية والصبر عند العمل.

هل غيرت ترجمة هذا الكتاب من منظورك الشخصي لقضايا العرق والهوية؟

إنَّ الاطلاع على تجارب الشعوب يغير من منظورنا الشخصي وتبنّي المساحة الفكرية التي نقارع بها ثقافات المجتمعات المختلفة. هنا، لا بد من الاطلاع ليكون حكمنا شاملاً وواسعاً. فمن الملاحظ ان المجتمع العربي بعيد عن قضايا العرق والهوية وهذا ما يعطي عملاً مثل الذي بين أيدينا أهميته في كشف خفايا ومعاناة المجتمعات الأخرى. نعم، هذا العمل ومشروعي اللاحق والذي يتمحور حول العبودية بنفس الحقبة هذه قد فتحا الباب على مصراعيه لفهم ابعاد قضايا العرق والهوية والعبودية والتي فهمها يمكن ان يساعد في فهم الحاكمية البيضاء في الوقت الحاضر. 

هل هناك مقاطع أو فصول كانت تحديّاً خاصّاً لك كمترجم؟ ولماذا؟

يضم الكتاب مجموعة من قصائد الأغاني والموسيقى والتي تميّزَ بها الكاتب ككاتب وملحن. وما يعرف به الكاتب في بلده أنَّه هو ملحن النشيد الوطني للسود في الولايات المتحدة الأميركية وهذا ما أعطاه الشهرة والبروز. إنَّ ترجمة الشعر والأغاني تعد من النصوص الصعبة والتي تتطلّب وقتاً لتنسيق الوزن والقافية وموسيقى الكلمات. لذا، فقد شكَّلت هذه القطع من الاحجية بعض التحديات التي من الممكن أنْ تأخذ وقتاً أكثر من غيرها. 

هل تخطط لترجمة أعمال أخرى من الأدب الأفرو-أمريكي؟ وما المعايير التي تتبعها في اختيار النصوص؟ 

 أنا حالياً عاكف على ترجمة عمل جديد يتعلّق بالعبودية. والشخصية الرئيسية للعمل قد تم ذكره آنفاً وهو الكاتب الشهير "فريدريك دوكلاس"، ذلك العبد الذي تعلَّم القراءة سراً وقاد معركة مناهضة العبودية في الولايات المتحدة الأميركية. إنَّ الأدب الأفرو-أمريكي زاخر وثري بالصور والمعاناة التي لم تسبر قط. قصص من المعاناة والألم والظلم طال أمدها. لذا، فإنَّ دور الترجمة هو حمل رسالة الى المجتمع من اجل ازدهار الأجيال.

كيف ترى دور المترجم في نقل الأدب الذي يتناول قضايا اجتماعية شائكة إلى العالم العربي؟

لطالما تمتَّع المترجم بدور بالغ الأهمية في جميع الحقب الزمنية بداية من الحضارة الأغريقية واللاتينية وصولاً الى الانكليزية ومن ثم الحضارة الإسلامية التي غزت اوربا بفضل الترجمة. ويؤدّي المترجم هنا دورًا أساسياً في نقل الأدب الذي يقدم قضايا اجتماعية شائكة إلى العالم العربي، إذ أنَّه يساعد على ردم الهوة الثقافية وكذلك اللغوية ما بين الثقافات. وتعد الترجمة الجسر الرابط بين الثقافات المختلفة لأثراء التواصل الثقافي فيما بينها ومن خلالها يتمكن القارئ من الاطلاع على آداب الثقافات البعيدة الأخرى. 

بين السطور المترجمة، وبين التحديات اللغوية والثقافية التي اجتازها الدكتور أمثل محمد عباس، تبرز الترجمة هنا ليس كمجرد نقل لغوي، بل كفعل إنساني يعيد الاعتبار لصوت ظل مهمّشاً لقرون. من خلال ترجمته لرواية "سيرة رجل كان ملوّناً"، أعاد الدكتور إحياء تجربة سردية تنبض بالوجع والكرامة والصراع الداخلي، واضعاً بين أيدي القارئ العربي نافذة لفهم عوالم قد تبدو بعيدة، لكنها تحمل في جوهرها كثيراً من الأسئلة التي لا تزال حاضرة في مجتمعاتنا.

لقد حمل هذا الحوار أكثر من مجرد عرضٍ لترجمة أدبية، بل كان شهادة على رؤية مثقفٍ يؤمن بأن الترجمة مسؤولية ثقافية، وأن المترجم ليس مجرد وسيط، بل شاهد، ومفسّر، وناقل لنبض الآخر.

نشكر الدكتور أمثل محمد عباس على هذا الجهد الغني، وعلى وقته وإضاءاته، ونتطلع إلى أعماله القادمة التي تواصل فتح الأبواب بين الثقافات، وتثري المكتبة العربية بأصوات وتجارب تستحق أن تُروى وتُفهم.

اضف تعليق