q
على الرغم من كوفيد-19، ساهمت الزراعات البيولوجية في تنشيط الاقتصاد وتنويع مصادره، وباتت تشكل 13 بالمئة من الصادرات الغذائية، وهو ما يعد رقما جيدا لهذا القطاع الصغير، وازداد حجم الصادرات بنحو ثلاثة أضعاف وقد ارتفع من 36 ألف طن في العام 2013 إلى نحو 90 ألف طن في العام 2020...

تشير ساره السهيلي بفخر إلى محصول طازج من الباذنجان والرمان تم إنتاجه عن طريق الزراعة البيولوجية في تونس، قائلة "هذا هو مستقبل الزراعة"، في وقت تزدهر في المغرب العربي الزراعات العضوية والبيولوجية مدفوعة بالطلب المحلي والتصدير.

وتتفقد مديرة شركة "دومين أليكسير بيو" للزراعة البيولوجية في أوذنة الواقعة على بعد 30 كلم من تونس، الأراضي الزراعية البالغة مساحتها 94 هكتارا والمخصصة لإنتاج محاصيل عضوية تحمل شهادات مطابقة. بحسب فرانس برس.

وتؤكد السهيلي أن هذه المحاصيل التي "تراعي الطبيعة" تشكل "مستقبل الزراعة في تونس وحتى في العالم"، وشهدت إيرادات هذه المزرعة البيولوجية ارتفاعا كبيرا "بفضل الطلب القوي والمبيعات على الإنترنت". فبين عامي 2015 و2020، ازدادت الإيرادات خمسة أضعاف إلى أكثر من مئة ألف يورو على الرغم من أن الأسعار "أعلى قليلا" من الزراعة التقليدية.

ولا تزال الكميات المنتجة غير كافية لتلبية الطلب الخارجي. فإضافة الى "النقص في المياه الذي يعاني منه كل المزارعين" من الصعوبة أحيانا "إيجاد البذور العضوية، ويجب أن نتدبّر أمرنا بأنفسنا"، وفق السهيلي.

وشهدت الزراعات البيولوجية في تونس تطورا كبيرا في العقدين الأخيرين وقد ازدادت مساحة الأراضي المزروعة 20 ضعفا في العام 2020 (320 ألف هكتار تحمل شهادة مطابقة)، وفق سامية المعمر المكلّفة الملف البيولوجي في وزارة الفلاحة، وباحتساب المنتجين والتجار ازداد عدد من يمارسون الزراعات البيولوجية 24 ضعفا ليصل إلى نحو ثمانية آلاف شخص.

طقس مؤات جدا

على الرغم من كوفيد-19، ساهمت الزراعات البيولوجية في "تنشيط الاقتصاد وتنويع مصادره"، وباتت تشكل "13 بالمئة من الصادرات الغذائية"، وهو ما يعد رقما جيدا لهذا القطاع الصغير، وازداد حجم الصادرات بنحو ثلاثة أضعاف وقد ارتفع من 36 ألف طن في العام 2013 إلى نحو 90 ألف طن في العام 2020.

ومن أصل 250 منتجا زراعيا بيولوجيا متوافرا في تونس يتم تصدير 60. ومن بين هذه المنتجات المصدرة: زيت الزيتون والتمر والخضار والفاكهة والنباتات العطرية والطبية، وفيما تحتل المرتبة الثلاثين عالميا على صعيد الزراعة البيولوجية، تتصدر تونس قائمة الدول الإفريقية على صعيد المساحات التي تحمل شهادة مطابقة والمنتجات التي يتم تصديرها، وفق المعمر، وتؤكد المسؤولة في وزارة الفلاحة أن "الطقس في تونس مؤات جدا للزراعات البيولوجية" مشددة على أن استخدام المبيدات يقتصر على خمسة بالمئة فقط من المساحة المزروعة بأشجار الزيتون والبالغة مليوني هكتار. وبالتالي فإن محاصيل 95 بالمئة من هذه المساحة يمكن أن تصبح بيولوجية.

وتوضح أن مليون هكتار من المساحة المزروعة بأشجار الزيتون يمكن أن تصبح (محاصيلها) بيولوجية وكذلك بالنسبة لمليون ونصف مليون هكتار من المساحة المزروعة بالأشجار والخضار والفاكهة.

وتشدد على أن "الطلب العالمي كبير جدا" على الزراعات البيولوجية، خصوصا في الولايات المتحدة وأوروبا. ومحليا هناك "طلب قوي لدى الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 25 و30 عاما" والمطّلعين على فوائد هذا الأمر.

وتقول المعمر إن تونس تسعى إلى "تطوير نموذج ريفي محدد" بحلول العام 2030 يرمي إلى تحويل قطاع الزراعة البيولوجية إلى "محرك للنمو المحلي يتيح تعزيز قطاعات أخرى على غرار السياحة والحرف اليدوية وقطاعات الطاقة المتجددة".

في المغرب لا يزال قطاع الزراعات البيولوجية في مرحلة "الإقلاع" علما بأن مساحة أراضيه بلغت 10 آلاف و300 هكتار في العام 2020 مقابل أربعة آلاف في العام 2011، ويقول رئيس الاتحاد المغربي للمنتجين البيولوجيين رضا طاهري في تصريح لوكالة فرانس برس إن هذا الرقم لا يزال أدنى بكثير من إمكانات بلد زراعي كالمغرب".

وهذه المساحات مزروعة بغالبيتها بأشجار الزيتون والحمضيات واللوز في مراكش (جنوب غرب) والرباط (شمال غرب) وسوس ماسة (جنوب)، وفي المغرب نحو 300 ألف هكتار من الأراضي التلقائية المحاصيل من النباتات العطرية والطبية على غرار أشجار الأرغان والأرز، وتسعى المملكة إلى تشجيع الزراعات البيولوجية التي باتت تعتبر بمثابة "أولوية" بموجب "مخطط المغرب الأخضر"، من خلال تغطية التكاليف المرتفعة للمصادقة (نحو ألف يورو للهكتار سنويا)، وتتطلّع وزارة الفلاحة المغربية إلى بلوغ مساحات الزراعات البيولوجية مئة ألف هكتار بحلول العام 2030، ومحاصيلها 900 ألف طن سنويا، على أن يخصص نحو ثلثها للسوق المحلية والباقي للتصدير.

في العام 2020، تم تصدير نحو 14 ألف طن من الفاكهة والخضروات الطازجة والمحوّلة إلى (عصائر حمضيات، فراولة مجمّدة، زيت الزيتون) إلى الاتحاد الأوروبي وكندا وسويسرا والولايات المتحدة، ويقول طاهري "نحن بحاجة إلى زيادة الوعي وزيادة هوامش الربح لدى المنتجين" إذا أردنا تسريع الوتيرة.

في الجزائر، تلقى المنتجات البيولوجية رواجا. فوفق مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التطوير، لم تكن تتجاوز المساحات المزروعة في العام 2013 تتخطى 1200 هكتار مع 81 مزرعة بيولوجية.

ومنذ بضع سنوات بدأت متاجر متخصصة تعرض منتجات بيولوجية تصلها مباشرة من صغار المنتجين.

زيت الزيتون البيولوجي

يؤكد المزارع الجزائري حكيم عليلاش وهو يراقب ألاشجار التي انحنت أغصانها تحت ثقل ثمارها في بستانه أن "أشجار الزيتون هذه تعطي إكسيرا حقيقيا"، تخلى الرجل البالغ 48 عاما عن مهنة مزدهرة في فنون الرسم والطباعة لإنشاء بستان زيتون طبيعي يحترم البيئة في مرتفعات عين وسارة، على بعد 230 كيلومترا جنوب العاصمة الجزائرية، وأوضح عليلاش لوكالة فرانس برس "دخلت معصرة الزيتون مرحلة الانتاج قبل ثلاث سنوات. اخترت عين وسارة لأن الارض والمياه متوفرة هنا".

حاز زيت الزيتون الذي ينتجه في أيار/مايو 2021 على الميدالية الفضية في مسابقة زيت الزيتون في اليابان، وهي مسابقة دولية للزيوت البكر الممتازة. كما فاز بالجائزة الأولى في مسابقة دبي الدولية لزيت الزيتون البيولوجي، في فئة "الحصاد المبكر، البكر الممتاز".

وقال صاحب معصرة زيت الزيتون مبتهجا "هذه الجوائز طمأنتنا حقًا لأنها تعني أننا لم نكن مخطئين"، ويضم بستان الزيتون الذي يمتد على مساحة 40 هكتارا، 15 ألف شجرة على الأقل بينها تسعة آلاف بدأت الإنتاج.

وأوضح "بدأت بغراستها تدريجياً منذ 2005. أحب الزراعة وأحب شجرة الزيتون منذ الصغر. إنها شجرة مقدسة في الجزائر"، مؤكدا أن إنتاج زيت الزيتون البيولوجي "يضعه مباشرة في هذا الجو الذي يحترم الأرض ويحمي الكوكب".

وزار عليلاش دولا منتجة عدة مثل البوسنة والهرسك، واليونان وفرنسا وإيطاليا "ليستلهم أساليبهم" في استخراج زيت الزيتون، وأكد حكيم عليلاش وهو يفتخر بإنتاجه حاملا كأس زيت خرج للتو من معصرته الإيطالية الحديثة أنه "لم يخضع بستان الزيتون يوما لمعالجة كيميائية وسأبذل قصارى جهدي للحفاظ عليه على هذا النحو"، وقال وهو يتذوق السائل الذهبي المعطّر "إنه + غذاء ودواء+ حقيقي"، قبل أن يتوجه إلى بستانه حيث يقوم نحو عشرين عاملا بقطف الزيتون.

حصاد مبكر

كما هو الحال في كل عام منذ بدء إنتاج معصرة الزيتون التي يملكها، يبدأ عليلاش القطف والعصر قبل الموسم. ففي العادة، لا يبدأ القطاف في الجزائر قبل منتصف تشرين الثاني/نوفمبر وينتهي بعد شهر تقريبا.

بالنسبة له "القطاف المبكر يسمح بالحصول على جميع فوائد الزيتون، وكلها مضادات أكسدة طبيعية"، ويتم قطف الزيتون يدويًا لتجنب إتلاف الشجرة، ثم يتم وضعه على أغطية بلاستيكية كبيرة. بعد دقائق، يتم نقل الثمار في صناديق إلى المعصرة القريبة، وأشار المزارع إلى أن "عملية طحن الزيتون في اليوم نفسه تمنعه من التأكسد".

لكن في هذه المرحلة من النضج غير المكتمل، يكون المردود منخفضًا: ثمانية لترات فقط من الزيت لكل مئة كيلوغرام من الزيتون. وعندما ينضج الزيتون تماما، يتحسن المردود ويرتفع ليصل إلى 18 لترا من الزيت لكل قنطار.

وقال إن "زيتنا مُنتج عالي الجودة ونريد أن يصبح علامة مميزة" في أوروبا. ويأمل عليلاش في الحصول على شهادة الزراعة البيولوجية خلال زيارة مرتقبة لخبراء.

يوضح عليلاش أن عملية تصنيع زيته الذي أسماه "ذهبية" تيمنا بوالدته وزوجته اللتين تحملان هذ الاسم، تحترم "السلسلة البيئية بأكملها: لا تلوث، لا سماد".

وقد بلغت نسبة حموضته 0,16 بالمئة، أي خمس المستوى القياسي المسموح به وهو 0,8 بالمئة وحدده المجلس الدولي للزيتون بالنسبة للزيت البكر الممتاز، أما "مؤشر نقاوة زيتنا فهو 3 بينما المستوى المسموح به يجب أن يكون أقل من 20"، بحسب المزارع.

ويضيف عليلاش "في المطحنة، لا يتم تحريك الزيتون كثيرا. يتم غسله وعصره وأخيرًا تصفيته" خلافا للعادات الجزائرية، وأوضح أنه "من قبل كانوا لا يغسلون الزيتون ويتركوه في العراء في أكياس لفترات طويلة، مما يؤدي إلى تغير طعم الزيت".

وبينما تستفيد مزرعته من الري بالتنقيط، يخشى حكيم عليلاش آثار التغير المناخي في منطقة شهدت في السنوات الأخيرة عواصف بَرَد متكررة في أوائل الصيف، وعبر عن خشيته من عواقب هذه العواصف. ويقول "ربع ساعة من البَرَد وكل شيء سيضيع. ثم يستغرق الأمر خمس سنوات طويلة حتى تعود شجرة الزيتون إلى الحياة".

اضف تعليق