q
إنّهُ \"اقطاع ريعي\"، يعمل ويُمارسُ دورَهُ و وظيفتهُ التاريخية في حَرْف التاريخ الاقتصادي للعراق عن مساره الطبيعي، من خلال تكريس أنماط انتاج وعلاقات انتاج تتسّم بالشذوذ والغرابة، تتعايشُ فيها المتناقضات، وتختلطُ فيها المفاهيم، وتسودُ من خلالها الفوضى، بالضدّ من كلّ تعقيدات ومعطيات ومتغيرات العقد الثاني من الألفيّة الثالثة...

امتدّ تأثير الاعراف و "السُنَن" العشائرية الى الجامعات، وأصبح "الاساتذة" يستخدمون "الفصل" القَبَلي لحلِّ خلافاتهم الشخصية والادارية، بل وحتى الاكاديمية، في مفارقة هي الاكثر سخرية ومرارة في تاريخ العراق الحديث.

قبل هذا تم "ترييف" المدن، و"ترَيُّف" السلطة، وتغلغلَ نفوذ الاقطاعيات العائلية والعرقية والمذهبية والمناطقية الى كلّ مفاصل الدولة، من أصغر "وُحدَةٍ " فيها الى أكبر مؤسسة، ومن السيّد "الرزّام"، و"عامل الخدمة"، الى معالي الوزير.

لم يحدث هذا "الحِراك" السياسي والاقتصادي والمجتمعي "الزائف" الآن، ولم يتحول الى منظومة "قِيَمِيّة" فاعلة في سياقها التاريخي بعد احتلال العراق في بداية عام 2003، بل هو "نَسَقٌ" مُمتد من عقودٍ سابقة.

غير ان القوى والفئات الاجتماعية "الصاعدة" بفعل هذا "الحراك" قد حوّلت هذه اللحظة التاريخية الطارئة الى "نظام" تخادمي معقّد ومُستدام، وعملت (من خلال تعميم الفوضى في كلّ شيء) على تجذيرهِ وتعميقهِ، و تحويلهِ من "ظاهرة" سابقة، الى "بُنْيَة" حاليّة، لها "مؤسّسات" ذات سطوة ومال وبنادق ونفوذ، لا تقوى "الدولة" الحاليّة(بحكم ظروف تكوينها المعروفة) على الوقوف في وجهها ولو لساعةٍ واحدة.

بهذه الكيفيّة استمرّ "النمط الانتقالي" للتنمية في العراق بالمُحافظة على سماته وخصائصه الرئيسة، بعَدِّهِ نمطاً"انتكاسيّاً"، وليسَ نمطاً "تطَوُّرِيّاً"، استناداً للمنطق التاريخي الذي على وفقه تتطوّر الأشياء.

وبذلك عُدْنا (بمنظور ومنطق التطور التاريخي للوقائع الماديّة) الى حقبةٍ شبيهٍةٍ بتلك الحُقب التي سادت في عصر الاقطاع العراقيّ السابق، بدَلَ أن نجتازَ عتَبَة "الانطلاق" نحو الرأسمالية منذ منتصف الخمسينيّات، وبدلاً عن تحقيق "الاشتراكيّة"(بنسختها العربيّة و"القُطرية") منذ منتصف الستينيّات من القرن الماضي.

عُدنا الى عصر"الاقطاع".. و لكنّهُ في الحالة العراقية الراهنة لم يَعُد اقطاعاً "تقليدياً"، بل اقطاع مرتبط بالريع النفطي، و بـ "التوافق" السياسي – المُكوّناتي "الفوقي"، الذي يتمّ بموجبه "تقاسُم" هذا الريع.

إنّهُ "اقطاع ريعي"، يعمل ويُمارسُ دورَهُ و وظيفتهُ التاريخية في حَرْف التاريخ الاقتصادي للعراق عن مساره الطبيعي، من خلال تكريس أنماط انتاج وعلاقات انتاج تتسّم بالشذوذ والغرابة، تتعايشُ فيها المتناقضات، وتختلطُ فيها المفاهيم، وتسودُ من خلالها الفوضى، بالضدّ من كلّ تعقيدات ومعطيات ومتغيرات العقد الثاني من الألفيّة الثالثة.

وفي "نسَقٍ" كهذا، يتحوّلُ "الأقنان" المرتبطين بالأرض (في النظام الاقطاعي القديم)، الى "أقنان مرتبطين بالريع(في حقبة الاقطاع العراقي المُعاصر".

وهؤلاء "الأقنان" يُمارسون (ضمن الاطار العام لهذا النَسَق) سلوكهم البدوي والريفي في قلب "المدينيّة" العراقيّة المُهدّدة بالزوال، ويُعيدونَ بناء "تشكيلة اجتماعية –اقتصادية" قائمة على "الرثاثة" في كُلّ شيء.

وبينما يتكدّسُ الفقراءُ والمُهَمّشونَ المقهورونَ في قاعدة هذه "التشكيلة"، تتربّعُ على قمّتها "التراتبيّة" دولة ضعيفة وفاشلة و مُرتبِكة، ولكنّ هذه "الدولة" تستمرُّ في اعادة انتاج ذاتها، ولا تسمحُ بأن تنضجَ ايّة ظروف وعوامل موضوعيّة، قد تنزَعُ عنها( أو تنتِزِعَ منها) امكانات الاستحواذ الدائم على السلطة والثروة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق