المرأة تعدّ من أهم الركائز التي يرتكز عليها المجتمع في نشأته وتطوره، وبها يمكن تكوين أسرة مبنية على القيم الأخلاقية التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف والتي تعمل على التكيف النفسي والتعايش السلمي المبني على مبدا الحب والاحترام والإيثار. لا بد من الاهتمام بالمرأة المسلمة وبيان موقعها...
إعداد: المدرس المساعد أحمد قاسم حسين الباوي
تخصص: طرائق تدريس تربية إسلامية، كلية العلوم-جامعة القاسم الخضراء

المقدمة:

من المعلوم أن اغلب المجتمعات العربية تمر بفترة حرجة تتسم بغياب القيم الأخلاقية واضطرابها من الناحية الاجتماعية وتخلخل معاييرها وقد بدا ذلك واضحا من خلال ما نراه من مواقف متعددة وفي بلدان مختلفة، وبما أن المرأة تعدّ من أهم الركائز التي يرتكز عليها المجتمع في نشأته وتطوره، وبها يمكن تكوين أسرة مبنية على القيم الأخلاقية التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف والتي تعمل على التكيف النفسي والتعايش السلمي المبني على مبدا الحب والاحترام والإيثار.

فلا بد من الاهتمام بالمرأة المسلمة وبيان موقعها الاجتماعي، بالتالي إيجاد الشخصية المتكاملة التي تدعم بناء الأُسر ذات القواعد الصحيحة فالنبي الكريم سيدنا محمد (صلى الله عليه وعلى اله وسلم) أوصى بالمرأة فقال (أوصيكم بالنساء خيرا)، وأيضا قال (رفقاً بالقوارير)، لذا نجد في مكانة المرأة واضحا في هديه وهدي آل بيته الذين نهلوا من معين سنته مقتدين به وسائرين على منهجه الطاهر الشريف (صلى الله عليه واله وسلم).

ولا يخفي على أحد أن المرأة هي من أهم الركائز في المجتمع الإسلامي فهي الأم والزوجة والبنت، لذا فهي مركز اهتمام الباحثين والكتاب والحديث عنها في نمو مستمر في كل الأزمنة فالمرأة هي الأساس في بناء الفرد والمجتمع. وهي التي تنظم سلوك الأسرة وتوجههم نحو ما هو مقبول ومرغوب.

ولكي نحافظ على كيان المرأة المسلمة يجب علينا أن نكون يقظين فكرياً لمواجهة طوفان الغزو الثقافي والفكري القادم إلينا من الغرب بطرق شتى عبر وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة، لذلك وجب علينا أن نحتاط لمقاومة هذه الهجمة الثقافية من خلال تعليم المرأة للقيم الأخلاقية والاجتماعية التي حث عليها الإسلام وبهذا سوف يكون مجتمعنا مجتمع متميز بثقافته الإسلامية لأنه بني على أسس طيبة رصينة وضعها لنا خير معلم، ألا وهو سيدنا محمد (صلى الله عليه وعلى اله وسلم).

أولا- الواقع الاجتماعي للمرأة في العصر الإسلامي:

حينما جاء الإسلام بيّن لنا كثير من الإصلاحات الإنسانية والاجتماعية، ونجح النبي محمد (صلى الله عليه وعلى اله) في إحداث مجموعة من التغييرات الإيجابية الجذرية. وقد شملت هذه التغييرات قضايا المرأة في الحياة عامة. ويُجمع اغلب المؤرخون على أن حقوق المرأة شهدت نقلة نوعية جديدة في عهده (صلى الله عليه واله) فإن العرب قبل الإسلام تعاملوا مع المرأة كما لو كانت ملكية خاصة للأزواج يمكن توارثها. فجاء الإسلام لينفي هذا الاعتقاد ويؤكد على تغيره وان الرجال والنساء بعضهم أولياء بعض وبعضهم مكمل للأخر.

ومنح الإسلام للمرأة كثير من الحقوق من بينها الرفق، العدالة، المساواة، الإحسان في المعاملة، وحق الملكية، وحق التعليم، وحق الميراث، والحق في الطلاق، وحضانة الأبناء، وحق العمل. وقد مارست المرأة العديد من الأدوار في مختلف مجالات الحياة، فقد وجدنا من بين زوجات النبي، وبناته، وبين نساء المسلمين في عهده ومن بعده من تسهم في نواحٍ متعددة وأدوار مختلفة في المجتمع: سواء في دور الأم أو المعلمة أو سيدة الأعمال أو المحامية أو الطبيبة ومنهم من تعمل في دباغة الجلود، وكذلك وجدنا من تلعب دوراً سياسياً أو تُمنح حق اللجوء السياسي، ومن تُشرف على السوق، وغيرها من الأدوار التي قامت بها المرأة المسلمة.

ثانيا- مكانة المرأة ومنزلتها وبيان حقوقها في الدين الإسلامي:

لو نظرنا إلى الإسلام متمثلا في أقواله وأفعاله (صلى الله عليه واله) نجد التأكيد على حماية حقوق المرأة والحرص على تقدمها وتحقيق العدالة لها في جميع مجالات الحياة. كما كان النبي محمد (صلى الله عليه واله) ذا شخصية مناصرة لحقوق المرأة والدعوة الى إعطائها حقوقها.

ولكن للأسف إذا نظرنا إلى واقعنا اليوم في العديد من أنحاء العالم، بما في ذلك العالم الإسلامي، نجد المرأة تعاني من الظلم والتمييز الممنهج والعنف الموجّه وحرمانها من حقوقها الأساسية. ويُستخدم الإسلام في العديد من المجتمعات الإسلامية كمبرر وذريعة لدعم أشياء هي في حقيقة الأمر مناقضة تماماً لرسالة الإسلام الحقيقية.

فقد حظر الإسلام على سبيل المثال وأد الإناث منذ ما يزيد على ألف عام، ورغم ذلك لا يزال يمارس في العديد من المجتمعات الإسلامية. ولا تزال المرأة في العديد من الأماكن محرومة من حقها في التعليم رغم التأكيد النبوي على أهمية طلب العلم كما جاء في الحديث الشريف (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) ومن المؤسف يبدو أن روح الإصلاح التي بثها النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) في نفوس المسلمين قد توقفت الآن، بل انتكست في العديد من الأحوال، وأيضا فلمَ تغفل العديد من المجتمعات المسلمة في أيامنا هذه عن تعاليم النبي محمد(صلى الله عليه واله وسلم) التي تحث على صيانة حقوق المرأة ومعاملتها بما هو حسن.

ألم يأن الأوان لنا جميعاً أن نحيي هذه السنة؟ وكيف نجعل الإسلام والمجتمعات المسلمة تسهم في تحسين وضع المرأة والتخفيف من معاناتها وما الذي يمكننا فعله أسوة بالنبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) لتحسين أحوال المرأة.

ثالثا-منزلة المرأة ضمن حدود الدين الإسلامي:

هناك العديد من المشاكل الرئيسية والتي تخص المرأة في هذا المقام والتي تعود بجذورها إلى قضية أساسية ألا وهي منزلة المرأة، وهل المرأة مخلوق ناقص بالفطرة وفي مرتبة اجتماعية أقل من الرجل؟ وعلى الرغم من أن هذه النظرية موجودة في الأدبيات الإسلامية المعاصرة والتراثية، إلا أنه قد سبق مجيء الإسلام بكثير، فقد ظهر في الفلسفة اليونانية القديمة.

وتؤكد العديد من الآيات القرآنية على أن (الرجال والنساء متساوون في الخلق، فهم صنعة الخالق جل وعلا، ولا تتحقق سعادتهم إلا بالعيش معاً في تناغم وشجن وصلاح). ومع ذلك تختلف آراء العلماء، كما أن هناك آراء يمكن إساءة استغلالها لتبرير مفهوم النقصان الفطري، من بين هذه الآراء على سبيل المثال، رأي يقول صاحبه أن (الرجل أفضل بفطرته من المرأة، وهو قوّام عليها بما ينفقه) وأن (النساء ناقصات عقل). ويرى بعض العلماء أن نظرة العديد من المجتمعات المسلمة إلى المرأة باعتبارها كائناً دونياً أقل من الرجال هي نتاج التفسير الذكوري للقرآن. وكثير من الأحيان يُساء فهم الأحاديث النبوية الشريفة التي جاء بها نبينا الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) ويساء استخدامها لتبرير الظلم الواقع على عاتق النساء.

رابعا- العدالة والمساواة بين حقوق الرجل والمرأة في الدين الإسلامي:

لقد كرم الإسلام المرأة، وأعطاها حقوقها التي كانت تفتقدها قبل الإسلام، وكما إن الإسلام منحها حقوقاً لم تمنحها لها الأديان الأخرى من قبل، وأول حق منحت إياه المرأة هو الحق في الحياة، فحرم قتلها، بقوله تعالى (وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت) وجعل الإسلام جَزاء الذي يربّى البنات ويُحسن إليهن ويحسن في تربيتهنّ جزاءً عظيماً ألا وهو الجنّة.

كما أعطاها الإسلام حق المساواة، فساواها في الحق مع غيرها، قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم) قال ابن كثير: في تفسير هذه الآية، أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن فليؤد كل واحد منهما ما يجب عليه بالمعروف.

وقال الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) (إنما النساء شقائق الرجال)، كما أوصى الإسلام بالإحسان إلى المرأة، وإعطائها حقها والإنفاق عليها حتى لو كانت صاحبة مال، وأياً كان موقعها سواءً أكانت أمًّا، أو أُختًا، أو زوجةً، وجعل مقياس الخَيْر في الرَّجل بمقدار خَيره مع أهله، كما أعطاها حق متطلبات العيش من الملبس والمأكل والمسكن وعشرة حسنة، قال تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى). وإن كان الرجل شحيح في النفقة أباح لها الشرع أن تأخذ من أمواله ما يكفيها ويكفي أبناءها، كما ورد في الحديث الشريف في قصة سؤال هند بنت عتبة للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) من حقها أن تأخذ من مال أبى سفيان –وكان شحيحاً– فقال لها: خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك.

وقال تعالى في العشرة الحسنة: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) وقال أيضاً: (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن).

وكما إن الإسلام قد ضمن للمرأة إشباع غريزتها بالزواج إذا طلبت ذلك، وعدم منعها من ذلك إذا كانت قادرةً على أداء واجباتها تجاه زوجها وأعطاها الإسلام أيضا حق المشورة في الزواج واختيار شريك حياتها وسؤالها عن رأيها، والاهتمام بموافقتها، قال الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم): في حديث عن أخر: عنه (صلى الله عليه واله وسلم) (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن).

وأثبت الإسلام لها مهرها ونفقتها وكسوتها وكل حقوقها، وأوجب على الزوج أيضا إكرامها والإحسان إليها، قال تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان). وأيضا أعطى الإسلام المرأة حقها في طلب العِلم والتعلم، فقد كان النبّي- (صلى الله عليه واله وسلم) - يُخصّصُ من وقته جزءًا لِتعليم الصَّحابيات، كما أعطى للمرأة الحق في مزاولة العمل، كذلك للمرأة الحقّ في الميراث؛ وهذا مما حُرمت منه في زمن الجاهليّة، وفى الحضارات القديمة أيضا، كما أنّ لها الحق في البيع، والشّراء، وامتلاك العقارات، والمساهمة في التِّجارة.

وتتوالى النصوص التي وردت في الكتاب والسنة لتثبت للمرأة كامل حقوقها، فالمرأة في الإسلام شريكة الرَّجُل في عِمارة الكون، وشريكته في العبوديّة لله دون وجود أي فارق بينهما في عموم الدِّين: في التَّوحيد، والاعتقاد، وحقائق الإيمان، والثَّواب والعِقاب، وفي الحقوق والواجبات.

اضف تعليق


التعليقات

علي الشكراوي
العراق
نبارك لكم زميلي الغالي مقالكم الأول ومن المفرح أن يكون دعما للمرأة التي هي الأم والزوجة والبنت والعمة والخالة.. ولنا الفخر ان لنا من أعظم نساء الأرض في الدنيا وهي سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام / الشكر موصول الى استاذنا الجليل الشيخ مرتضى معاش المحترم على اسناده لنا في نشر هذه المقالات خدمة للباحثين والقراء2021-02-12