q

اهتم المفكرون ورجال الدين وعلماء النفس والاجتماع بتطوير العلاقة بين الرجل والمرأة ونجد في كل الشرائع والقوانين فصولا واسعة تتحدث عن استمرار الحياة الزوجية وتطويرها والمحافظة عليها.

تعد ظاهرة الطلاق من أخطر الظواهر التي يمكن أن يتعرض لها أي مجتمع في العالم، بوصفها سببا جوهريا في تقويض دعائم الأسرة وتشتت أفرادها، وما يترتب على ذلك من خلل كبير في النظام الاجتماعي القائم على تماسك وانسجام الأسرة لكونها تشكل النواة الأولية في المجتمع البشري بصورة عامة. وبسبب تلك التداعيات الخطيرة والاضرار الفادحة الناتجة عن حالة الطلاق، فقد وضعت الشرائع السماوية ومنها الإسلام، وكذلك القوانين الوضعية، لعقد الزواج، قواعد واسس وأصول تشعر المتزوجين بأنهم يقدمون على خطوة مصيرية تربطهم برباط مقدس قائم على المودة والتراحم والالفة، لا تنفكّ أواصره إلا للضرورة القصوى.

مناسبة هذا الكلام ما أظهرته إحصاءات نوعية عراقية اشرت لارتفاع ملحوظ في حالات الطلاق، حيث جاء 70 بالمائة من هذه الحالات بطلب من الزوجات لأسباب اقتصادية، إضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعي والمسلسلات الأجنبية.. واوضحت الاحصاءات أن بغداد تتصدر حالات الطلاق ودعت الى توعية مجتمعية ودور لوزارة المرأة، وكذلك منظمات المجتمع المدني النسائية في هذا المجال.

الأعوام العشرة الماضية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق، حيث أرجع قضاة في محاكم الأحوال الشخصية الأسباب إلى عوامل اقتصادية واجتماعية، حيث شهد العراق خلال السنوات، التي اعقبت التغيير عام 2003، امراضاً مجتمعية جديدة، كالبطالة التي قدرتها الأمم المتحدة وكذلك وزارة التخطيط بأكثر من 52 في المائة خلال العام الماضي 2014، وكذلك الفقر الذي ارتفع لأكثر من 32 في المائة.. إضافة الى ما انتجته حالة الاقتتال وعدم الاستقرار الأمني من وجود ما يقرب من 1.6 مليون أرملة، وحوالي خمسة ملايين يتيم وانتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والعنف المجتمعي.

وطبقاً لإحصاءات دورية رسمية عن عمل المحاكم في العراق، فإن مجموع حالات الطلاق وصل إلى 516.784 حالة خلال الأعوام من 2004-2014، في وقت كان مجموع حالات الزواج 2.623.883 خلال هذه المدة ما يعني أن حوالي 20% من هذه الزيجات انتهت بالطلاق.

هذا الأمر دفع باحثين اجتماعيين إلى القول: إن المجتمع العراقي يواجه التفكك. ويعزو البعض سبب تفاقم ظاهرة الطلاق في العراق إلى الانفتاح الذي بدأ يشهده بعد العام 2003، والذي ساهم بشكل أو بآخر في تبدل الكثير من المفاهيم الاجتماعية.

 وتُظهر الإحصاءات أن حالات الطلاق تتصاعد تدريجياً حتى تبلغ ذروتها في عام 2011 بواقع 59.515 حالة، بينما سجّل عام 2004 أدنى نسبة خلال العقد الماضي بواقع 28.690 حالة طلاق.. وفيما سجّل العام 2004 نفسه أعلى نسب الزواج بمعدل 262.554، شهد العام 2007 أدنى نسب الزواج بواقع 217.221 حالة.

ويحمّل المختصون الحالة الاقتصادية 50% من أسباب الطلاق، إضافة إلى "التدخلات الاجتماعية من ذوي الشريكين، وما تتركه من آثار سلبية على الحياة الزوجية، وأخرى تتعلق بالجانب الثقافي، وهو تفاوت المستوى العلمي والثقافي بين الشريكين الذي يؤدي إلى عدم التفاهم والانسجام".

اما عن حالات الطلاق من أزواج بعمر الخمسينات والستينات، فيقول المختصون إن "هذه الحالة موجودة على الرغم من ندرتها وهذه الحالات يطلب فيها الزوج الطلاق غالبًا لأسباب تتعلق بالإهمال وعدم الاهتمام وتحريض الأبناء عليه".

 إضافة إلى العوامل الأساسية المعروفة للطلاق في معظم المجتمعات، يجب ان لاننسى "دور القنوات الفضائية وما تبثه كالدراما التركية التي تصور الحياة الزوجية مثالية جدًا وتملأها السعادة، ولكن بعد الزواج يصطدم الزوجان بالمجتمع العراقي بظروفه الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي يكون الزوج فيها مُكبت المشاعر بسبب سعيه المتواصل لتحصيل لقمة العيش".

وهناك بعض الاسباب التي تزيد من حالات الطلاق مثل اجبار الاهل لبناتهم على الزواج من شخص لا ترغب فيه يكون سلبياً في بعض الاحيان ويولد العديد من المشاكل التي تنتهي بالطلاق، وايضا قضية الفقر والحاجة المادية وعدم تكافؤ مستوى الزوج والزوجة وتدخل الاهل، تعتبر من الاسباب الرئيسة التي زادت من حالات الطلاق وفق الدراسات التي اجريت من قبل المعهد الوطني لحقوق الانسان.

لكن مختصين اخرين يهوّنون من شأن الظاهرة، مؤكدين انه لا توجد احصائية محددة في حالات الطلاق التي تحدث في السنوات الاخيرة، اذ ان هنالك حالات طلاق تقع خارج المحاكم ولا يتم تصديقها من قبل المحكمة لعدم توفر الشروط الشرعية والقانونية فيها لذلك يتم تكرارها اكثر من مرة وهذا التكرار ليس مقياساً على حالات الطلاق، ويضيف هؤلاء ان النسب الموجودة الان هي نسب اعتيادية تتناسب طرديا مع الزيادة الحاصلة بعدد السكان، باعتبار ان العراق كان عدد سكانه في ثمانينيات القرن الماضي سبعة ملايين اما الان فقد وصل الى ثلاثين مليوناً، وهذا النسب تعتبر اعتيادية في كل المجتمعات.

اضف تعليق