تعني المكارثية (السلوك الذي يقوم بتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون الاهتمام بالأدلة).
كان ظهورها في العام 1950 ايام الحرب الباردة مع المعسكر الاشتراكي نسبة الى السناتور جوزف مكارثي الذي كان الواجهة الأمامية للحزب الجمهوري وجماعة المحافظين الذين ارتبطت أفكارهم برفض التجديد ومبادئ العدالة، ووجدت فيه قوى الضغط والنفوذ ضالتها لمواجهة منافسيها في الداخل والخارج.
ايدت، في البداية، اغلبية الاميركيين الحملة، وذلك لأنهم خافوا من الخطر كما صور لها. خافوا من الشيوعية، خاصة لأن دعاية مكارثي اعتمدت على ان الشيوعية «دين يريد القضاء على المسيحية».
فيما بعد، قَلَّ تأييد الاميركيين لمكارثي، وتراجع تأثيرها لأكثر من سبب: حيث تأكد لدى الامريكيين ان مكارثي غوغائي، يوزع الاتهامات يمينا ويسارا، بدون ادلة كافية. فشل مكارثي في اثبات وجود «جيش من الشيوعيين والجواسيس» في وزارة الخارجية. واخيرا ظهر سياسيون وصحافيون وأكاديميون عندهم شجاعة كافية لينتقدوه، وهو في قمة شهرته.
وقد ايقظت تعليقاتهم كثيرا من الاميركيين، الذين كانوا يقولون ان اي خطر خارجي على اميركا يجب الا يواجه على حساب الدستور والحريات الاميركية.
بعد أكثر من ستين عاما تعود المكارثية الى الواجهة من جديد عبر حزب الرئيس الامريكي دونالد ترامب من الحزب الجمهوري، مع الاختلاف في تسمية العدو في الوقت الراهن. انها مظلة واسعة من الاعداء هذه المرة، المكسيك، الصين، اوربا، الاسلام والمسلمين.
الإسلام في الحقبة الترامبية هو العدو الأبرز لأمريكا، لذلك طالب في حملته الانتخابية بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة واخذ بتطبيق ذلك في امره التنفيذي بمنع مواطني سبع دول اسلامية من الدخول اليها.
منذ بداية حملته الرئاسية لم يخف الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، رؤيته المظلمة لـ"الإسلام"، وكانت هذه الرؤية جزءاً من الحملة لكسب الأصوات عبر تخويف الأميركيين من الأخطار التي يحملها "إسلاميون متطرفون".
ودعا ترامب أنصاره إلى مواجهة "إيديولوجية الإسلام الراديكالي البغيضة"، حسب وصفه، وقال: "يجب ألا يُسمح لها بالتوطّن أو الانتشار في أوساط مجتمعاتنا".
تتشابه المكارثية مع الترامبية في انها تعمل على تضخيم الخطر وصناعة الخوف من خلال اختراع عدو متوهم وشيطنته، تزوير المعلومات ونشر الشائعات وهو مادرج عليه ترامب في حملته الانتخابية، تحويل حادث فردي وتصويره وكأنه وباء اجتماعي، وصم الأقليات أو فئات معينة في المجتمع بصفات غير محببة، تلفيق كامل للحقائق والوقائع، احتضان العناصر المحافظة التي ترفض مبادئ التسامح والعدالة وترفض التغيير، وتسهيل أحكام سيطرتها على السلطة التشريعية والمصالح الرئيسية والمؤسسات الحكومية، كما نشاهد ذلك في حملة ترامب وفي طاقم ادارته التي اختارها بعد تنصيبه رئيسا.
يأتي بانون وفلين على رأس الشخصيات ذات السجل الحافل في انتقاد الإسلام داخل الإدارة الأميركية. فقد نشر فلين في احدى تغريداته على تويتر رابطا لمقطع فيديو معادٍ للمسلمين، وكتب "الخوف من المسلمين أمرٌ منطقي". وقال في مقابلة أجريت معه "الإسلام ليس ديناً بالضرورة، وإنما نظام سياسي تقف خلفه عقيدة دينية".
وأضاف "هناك حرب كبرى تتشكّل، وهي حرب عالمية بالفعل. سنندم على كل يوم نرفض فيه النظر إلى الأمر على ما هو عليه، وإدراك حجمه وشرّه الحقيقي، ونأسف على أننا لم نتصرف". وفي مكانٍ آخر، قال بانون في برنامجه الإذاعي على بريتبارت نيوز "الإسلام ليس دين سلام - الإسلام دين إخضاع".
وحذر من التأثير الإسلامي في أوروبا "بصراحة مؤلمة، المسيحية تموت في أوروبا والإسلام في تزايد".
قدم متبنو وجهات النظر هذه الإسلام على أنه "أيديولوجية عدوانية بطبيعتها"، معتنقوها أعداءٌ للمسيحية واليهودية ويسعون لدحر غير المؤمنين، إما عن طريق العنف أو من خلال نوعٍ من أنواع غسيل المخ المستتر.
الامر التنفيذي الذي اصدره ترامب بمنع دخول المسلمين الى امريكا ورغم توقف العمل به نتيجة لنقضه من عدة قضاة في المحاكم الامريكية، سوف يأتي بنتائج عكسية من خلال تعزيز خط الفكر الجهادي الذي يقضي بأن الولايات المتحدة تحارب الإسلام، ذلك لإن البيت الأبيض هو منبر هائل للتأثير، حيث ستصبح شيطنة المسلمين والإسلام أكثر انتشاراً.
تستغل إدارة ترامب مناخ الخوف السائد منذ هجوم سبتمبر/أيلول 2001، والتي هي سردية سائدة تحرّض العالم الإسلامي ضد الغرب، وتلقى رواجاً لدى أنصار ترامب ممّن لا يعرفون شيئاً عن المسلمين أو عن الإسلام بخلاف التقارير الإخبارية عن الهجمات الإرهابية.
الترامبية مثل المكارثية تنال بالأساس من قيم المجتمع الامريكي التي بنى اسسها الاباء المؤسسون لأمريكا، من احترام الدستور والحريات وضمان التعددية الدينية.
منتجاتها كارثية
المكارثية لا تنتج في النظم التي تستخدمها سوى:
- صناعة الخوف والخطر.
- ماكينات من الشائعات.
- العمل على التزوير والتخفي.
- التلفيق والشك.
- غياب التسامح.
- التشهير والغوغائية في الطرح.
- الانعزالية.
اضف تعليق