q

اسقطت تركيا طائرة روسية على الحدود السورية فتوقع الكثيرون حدوث حرب كبرى، وتصالح اردوغان وبوتين فعادت التوقعات باتجاه معاكس تشير لتغييرات كبرى أيضا لكنها قد تعود لصالح الاتراك والروس فقط، وقد يتضرر منها من لم يفهم مخططات فلاديمير بوتين ومخاوف رجب طيب اردوغان وحساباته الداخلية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان تعهدا في سان بطرسبورغ بإعادة العلاقات بين بلديهما إلى سابق عهدها، بعد أول لقاء بينهما عقب أزمة دبلوماسية استمرت تسعة أشهر، منذ إسقاط أنقرة مقاتلة روسية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. كما تعد اول زيارة خارجية للرئيس التركي بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة

اللقاء حظي باهتمام عالمي واسع لما قد يفرزه من تغيران في منطقة الشرق الأوسط وطبيعة العلاقات الدولية على المديين القريب والمتوسط في اقل تقدير، حيث تاتي هذه الزيارة في ظل الغضب التركي من موقف الدول الغربية من الاحداث التي تجري في تركيا وعدم اتخاذها موقفا واضحا وجديا تجاه المحاولة الانقلابية وما تبعه من تراشق بالتصريحات والاتهامات المتبادلة، وهو ما دفع تركيا للبحث عن ورقة ضغط ضد الغرب بعد استشعارها بحجم المخاطر التي تتعرض لها في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، فالزيارة تتركز على ثلاثة محاور أساسية وهي كالاتي:

أولا: المحور الاقتصادي، حيث يعيش البلدين في ظل ازمة اقتصادية خانقة، فعلى الجانب الروسي أدت الازمة الأوكرانية وما تبعها من عقوبات غربية الى تراجع الاقتصاد وانهيار قيمة الروبل الى مستويات قياسية، بالإضافة الى هبوط أسعار النفط الذي يعد ركيزة أساسية لاقتصاد البلاد، ومع كل ذلك دخلت موسكو في الحرب السورية بقوة ما يعني مزيدا من الانفاق مع اقتصاد يتهاوى بين عقوبات غربية وانفاض في أسعار المواد الخام. اما في الجانب التركي فقد أدت الهجمات الإرهابية وحادثة اسقاط الطائرة الروسية والحرب مع حزب العمال الكردستاني الى تراجع قطاع السياحة بشكل كبير سحب معه اقتصاد البلاد الى مصير مجهول.

وبالتالي فان الزيارة تاتي لفتح افاق التعاون الاقتصادي بين البلدين ليصل التبادل التجاري الى 100 مليار دولار كما كان مخططا له قبل ازمة اسقاط القاذفة الروسية.

ثانيا: الازمة السورية، فرغم ان الطرفين يختلفان كثيرا حول الازمة السورية لتصل تلك الخلافات لحد التقاطع الا ان هناك ما يجمعها، فالجانب الروسي لا يريد إطالة امد الحرب من اجل التفرغ لملفات أخرى وخشية خروج الأمور عن السيطرة في حرب بات الجميع يشترك فيها الا ان اليد الطولى لا تزال لروسيا وحلفاءها، اما الاتراك فقد وجدوا نفسهم في زاوية ضيقة بسبب حساباته غير الدقيقة لقوة النظام السورية وطبيعة الصراع الدائر على الأرض، فالاكراد يمثلون الأهم الأكبر لاردوغان وكل جهوده تصب في صالح منع إقامة دولة او إقليم كردي في الشمال السوري. واردوغان أشار الى أهمية العمل مع روسيا حيث قال: "يتعين عليّ القول بوضوح إن الاتحاد الروسي هو العنصر الأول والأهم في مسألة جلب السلام إلى سوريا، وأعتقد أن على تركيا وروسيا العمل معاً لحل هذه المسألة".

ثالثا: الضغط على الولايات المتحدة الامريكية المتهمة من تركيا بالتنصل عن التزاماتها تجاه تركيا ليس في محاولة الانقلاب فحسب بل حتى اثناء ازمة اسقاط الطائرة الروسية، وهو ما ولد القناعة لدى اردوغان بأهمية التقرب من موسكو من اجل اثارة المخاوف الامريكية والاطلسية بشكل عام حيث يمثل الجيش التركي ثاني أكبر قوة في حلف الناتو. فيما تحاول روسيا احداث خرق في هذا الحلف بعد تمدده على حدودها في واوربا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.

وهذا ما تفسره تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية التي اعربت عن أملها في أن تطبيع العلاقات بين تركيا وروسيا لن يؤثر على المصالح الأمريكية بالمنطقة. وعبرت المتحدثة باسم الخارجية الامريكية إليزابيث ترودو عن قلقها ما وصفته باللهجة التركية المعادية للولايات المتحدة في الفترة الأخيرة، داعية الحكومة التركية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام في تركيا إلى تبني موقف مسؤول في تصريحاتها.

لا تزال روسيا تملك الكثير من وسائل الضغط في الازمة السورية ليكون هذا التفاهم مع تركيا ورقة أخرى بوجه خصمها الأمريكي، لا سيما وان الاتراك لديهم علاقات قوية مع الجماعات المسلحة في سوريا وإذا ما تعهدت روسيا بتبديد المخاوف التركية حول الاكراد، فالمؤكد ان المقابل سيكون التزاما تركيا باقناع قوى المعارضة للوصول الى صيغة ترضي جميع الأطراف وتعطي رسالة مطمئنة لموسكو حول مستقبل الحل في سوريا.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أعلن أن محادثات القمة الروسية التركية في بطرسبورغ نجحت في التوصل إلى اتفاق بشأن قيام آلية مشتركة لدعم التسوية السورية، مؤكدا ان اتصالات تجري على مستوى عالي تقوم بها وزارة الخارجية وهيئة الأركان ورئيس هيئة الاستخبارات الوطنية. واهم نقطة قالها اوغلو هي تأكيده على ان مواقف تركيا وروسيا متطابقة فيما يخص التسوية السياسية في سوريا، بما في ذلك ضمان وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية، ومواصلة العملية السياسية في جنيف. وهذه اللهجة تختلف تماما عن اللهجة الامريكية التي تتحدث عن تفاهمات عامة واختلاف في وجهات النظر تجاه ما يحصل في سوريا.

التقارب التركي الروسي يجب ان لا يقودنا الى الافراط في التفاؤل فالطريق طويل للوصول الى حل للقضايا العالقة، الا ان أي تفاهمات بين الأطراف المتنازعة في الشرق الأوسط تمثل نقطة مضيئة قد تفضي الى حلول أكبر، فمن كان يتوقع ان تقع كل هذه الاحداث خلال تسعة أشهر من الازمة الروسية التركية ولتصل الى هذا الود والتعاطف، وهذا يدل على متانة العلاقات بين البلدين وحاجتهما لبعضهما البعض.

انه الشرق الأوسط وعلينا توقع كل شيء، قد يكون تحالفا روسيا تركيا دائما وقد يكون تحركا تكتيكيا للحصول على بعض المكاسب، علينا الانتظار لفهم كل ما حصل، مع انحيازنا لإمكانية لحصول تفاهمات أعمق بين تركيا وروسيا.

اضف تعليق