عودنا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بانه يحاول ان يغرد منفردا وربما هذا سر تميزه والاعجاب الروسي والعالمي بشخصيته، حتى ان الشعب الروسي انتخبه للمرة الثالثة (فترتين متتالية وأخرى بعد رئيس وزرائه الحالي ديمتري ميدفيديف)، وفي الوقت الذي يعتذر الحكام العرب عن حضور القمة العربية في نواكشوط؛ قال بوتين، يوم الاثنين 24/7/2016، في رسالة بعثها بمناسبة انعقاد القمة العربية في نواكشوط إن موسكو تعتبر الوضع القائم حول القضية الفلسطينية غير مقبول، وتدعو إلى تهيئة الظروف لاستئناف المفاوضات بشكل عاجل.

فلاديمير بوتين أكد أن روسيا مستعدة لتعزيز التعاون مع الجامعة العربية لصالح توفير الأمن الإقليمي، وقبل كل شيء محاربة الإرهاب الدولي. ومن رسالته التي نشرتها وكالة سبوتنيك يتضح ان بوتين لا يرغب في توسيع الدور الروسي في سوريا فحسب بل في مجمل منطقة الشرق الأوسط حيث أشار الى ان محاربة الإرهاب الذي وصفه بالشر "يجب أن تجرى جنبا الى جنب مع الجهود المشتركة الهادفة لإيجاد تسوية سياسية للأزمة في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها من المناطق الساخنة، بالاستناد الى احترام سيادة ووحدة أراضي جميع الدول وعبر حوار شامل وإجماع وطني".

السياسة الروسية في منطقة الشرق الأوسط يعتبرها البعض بغير الثابتة وخاصة تجاه القضية الفلسطينية، حيث "تعتمد في تحديد سياساتها على المتغيرات في الساحة الدولية بشكل عام، وتتعامل مع القضية الفلسطينية كطريق للحفاظ على تواجدها في المنطقة كلاعب أساسي في السياسة الدولية بغض النظر عن أطراف الصراع ومصالحهم".

والمتابع للسياسة الروسية تجاه إسرائيل تحديدا يراها تتسم بالحذر دوما رغم ما يشير اليه البعض من وجود تحالف خفي او تفاهم معلن حول القضايا المركزية ومنها التنسيق العسكري في سوريا، وغيرها من القضايا الشرق أوسطية. ففي زمن الاتحاد السوفيتي السابق كان الروس الى جانب العرب بل كانوا يعتبرون الصراع العربي الإسرائيلي (القضية الفلسطينية) هي خط الدفاع المتقدم ضد العدو الرئيس للسوفيت في ذلك الزمان.

وحتى هذه اللحظة يعيش العالم على وقع الصراع الأمريكي الروسي السابق، او بالأحرى التنافس حول فرض الهيمنة واثبات العظمة بين الطرفين، وفي هذا السياق فان إسرائيل لا تزال جزءا من منظومة التحالفات الامريكية وبالتالي فهي تمثل مكانا للصراع بين الغريمين العظميين روسيا والولايات المتحدة. وعلى ضوء ذلك فلا تبدو العلاقات الروسية الإسرائيلية مميزة ولا سيئة، فكلاهما يتعامل بمنطق المصالح المتبادلة، وعلاقتهما غير ودية ينتابها أحيانا بعض التوتر والتباين في العديد من الملفات، كالملف النووي الإيراني، والتوجه الروسي لتزويد كل من إيران وسوريا بصواريخ S300.

العرب الذين توعدوا روسيا بتحويل سوريا الى أفغانستان جديدة تحت اقدام الروس لم يفلحوا في تحقيق هذا الوعد لحد الان وكل الدلائل تشير الى تفوق روسيا وحلفائها في الأرض السورية، الا ان بوتين قد يكون استشعر تزايد العداء العربي للوجود الروسي في الشرق الأوسط وهذا ما يمثل تهديدا على المدى البعيد وقد يكون أحد العوامل التي تدفع الجانب الروسي للاهتمام بالقضية الفلسطينية لا سيما وان وسائل الاعلام الروسية تركز على القضية الفلسطينية بل وتنحاز للفلسطينيين بشكل واضح.

من جانب اخر قد يحاول الرئيس فلادمير بوتين استخدام القضية كورقة ضغط ضد إسرائيل التي من المحتمل انها باتت تتمادى في مطالبها التي تقدمها للروس خاصة من تزايد الزيارات الروسية الإسرائيلية في الأشهر الماضية، وما يؤكد ذلك هو عدم وجود تراجع روسي في دعم حليفها بشار الأسد او إيقاف تدفق الأسلحة الى حزب الله اللبناني.

وفي ظل الفوضى التي تعم اغلب بلدان العالم يسير الروس بخطى ثابتة نحو العودة الى الشرق الأوسط وترسيخ اقدامهم في هذه المنطقة التي طالما كانت ترواد أحلام القياصرة، وهذه العودة سرسم ملاحم شرق أوسط جديد لكنه لا يبدو أمريكيا كما تود وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كوندليزا رايس، ولا يبدو انه يحقق ما أحلام الماضي بالنسبة للشعوب العربية، فلغة المصالح هي التي تحكم تحركات الدول العظمى.

اضف تعليق