اليوم يخرج مئات الالاف من أبناء شعبنا في مظاهرات وصفت بأنها "مليونية" لغرض التغيير والاصلاح وإخراج المفسد ومحاربة الفساد وتصحيح مسار العملية السياسية، يخرجون للتعبير عن ما يجول في خاطر كل منهم أفكار تتناسب كلها وحجم الظلم الذي تعرضوا له خلال فترة "النظام الديمقراطي" الذي بانت ملامحه بعد عام 2003.

سنوات كثيرة مرة تتناوب الوجوه ذاتها على المناصب وتتوزع بين المؤسسات الحكومية والتشريعية بعد كل دورة فساد، عفواً دورة إنتخابية، فمنهم من كانوا منظرين لكتل سياسية كبيرة اصبحوا اليوم وزراء ومنهم من هم قادة سياسيون كبار أصبحوا اليوم وزراء أيضاً ومنهم رؤساء لكتل سياسية اصبحوا اليوم أعضاء في البرلمان، مصيبتنا اليوم في أننا نرى صورهم يومياً بعد 2003 وحتى يومنا هذا ما أن يفشل أـحدهم في مجال ما حتى يقفز بقدرة المحاصصة وقوتها الى منصب أخر من نوع أخر وتخصص يختلف كلياً عن تخصصه بل أن أحدهم يجيد كل التخصصات بحيث يمكن إدخاله حتى في صناعة القنبلة النووية.

ولكن لم يتبادر شيء الى أذهاننا بأن كل ما يحصل لنا اليوم هو من صنع أيدينا، فخلال السنوات الماضية التي فاقت العقد والنصف من السنين لم نستطيع فهم معنى الديمقراطية ومعنى أن تغمس أصبعك في الحبر البنفسجي، ثلاث دورات إنتخابية متواصلة ب 12 عشر عاماً كانت اصابعنا هي من جلبت لنا جميع المسميات التي تعبث بمقدرات البلد اليوم والتي أطاحت بكل أحلامنا وتطلعاتنا للمستقبل، ففي الوقت الذي يقفز العالم قفزات عريضة بإتجاه المستقبل وتطوير قابليات أبناء شعبه في فهم معنى الديمقراطية، على أقل تقدير، ولكون إدراكنا لذلك يعني عدم اختيارنا لهم ليسودوا علينا بالفساد والفشل الذريع؛ نرى أننا في تراجع كبير ضاعت قدرات الشعب الجبار وثروته وعطلت القابليات الفذة لأبنائه بسبب ضعف الرؤية لمستقبله.

اثنتا عشر عاماً جعلنا من أجسادنا متاريس يحتمي خلفها أولئك الذين يراهنون على فشل الشعب في انتفاضته ليبقوا في مناصبهم مستحوذين على ثروات الشعب ونهب مقدراته، خلال السنوات الماضية تم تكريس المذهبية والطائفية في نفوس الكثير من ابناء شعبنا مستغلين ما أحدثه الارهاب من تفجيرات مؤلمة ليدفعوا يوماً بتلك الطائفة وبالطائفة الثانية في اليوم التالي، وهم خلف اساليب موتنا التي تنوعت مع تنوع الطوائف؛ تعاقبوا على نهب مليارات الدولارات من قوة الشعب وعماد مستقبله.

ليس حاضرنا لوحده من سُلب بل أن مستقبلنا أصبح اليوم في حكم مطلق المجهول ولاسبيل لأحد منا أن يضع خططه لسويعات قادمة، وكل ذلك لم يكن إلا بإرادتنا وبإرادتنا بالإمكان بسهولة أن نتجنب إعادة انتخابهم لدورات أخرى، شعوب العالم بأجمعه عندما تذهب الى صناديق إقتراعها تقرأ بصورة دقيقة وتفكر ألف مرة لمن تعطي أصواتها وتضع في حساباتها المستقبل وتقرأ عن كثب حاضرها فلا يوجد مطلقاً رجالاً بالإمكان أن يمسكوا زمام الامور لعقود من الزمن، ولكننا اخترناهم للجثوم على صدورنا ولم تفت بعضدنا احداث الدورة الاولى ولا الثانية بل عمدنا في الثالثة الى أن نقضي على أخر أحلامنا بالمستقبل.

إذن، نحن نتحمل المسؤولية الكبرى فيما يجري في العراق اليوم من أحداث مؤلمة وما جرى خلال السنوات القليلة الماضية من سقوط مدننا الواحدة تلو الاخرى بيد الارهاب ونحن من نتحمل المسؤولية الكاملة عن كل دماء أبنائنا التي فاضت بها الارض لكونها لم تأت إلا كمحصلة لما إنتخبناهم وبعد أن دفعتهم أصابعنا الملوثة بحبرهم البنفسجي الى سداة الحكم وهم غير آبهين بالمستقبل فأضعنا أجمل قروشنا البيضاء التي كانت لتنفعنا في أيامنا السوداء تلك.

نتحمل المسؤولية الكاملة في ما يجري لكوننا مصدر السلطات ولم نعلم ذلك إلا مؤخراً، ساعدونا هم كثيراً في توطين الطائفية في نفوسنا ونحن لم نك نألفها بقوة في السابق وكانت سلاحهم الفتاك لبقاء صورهم معلقة في كل دورة إنتخابية على جدران الشوارع وفي كل المنعطفات، ومسؤوليتنا اليوم أن نعمل على تغييرهم ومسؤوليتنا غداً ستتمحور في اسقاطهم كلياً وبث روح جديدة في العملية السياسية لا يشوبها الفساد ولا يعبث فيها هوى الطائفية.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق