في السياق الانتخابي، يتفق معظم المحللين العراقيين والأجانب على أن نتائج الانتخابات لن تحسم تسمية رئيس مجلس الوزراء المقبل، في أبرز تعبير عن مظاهر التنازع عراقياً بين نموذجين واضحين: من يركب "القطار السريع" الأمريكي، ومحاولة الاتفاق مع الميول الإيرانية في ترتيب أوراق...
بين منظور "صحوات العراق" التي تطورت إلى "أبناء العراق"، وفي مشاهد أخرى، الاتفاق مع طالبان بوساطة قطرية، ثم تحول بندقية "جبهة النصرة" من قتال "الصهيونية" إلى الجلوس على طاولتها، في استعادة بذات المنظور ولكن بأدوات أكثر اقتصادية، وصولاً إلى الاتفاق الأمريكي مع أحزاب المعارضة العراقية في مؤتمر لندن على الاحتلال العسكري للعراق؛ يتكرر السؤال: هل ثمة من هو على استعداد لعقد الصفقة؟ لا سيما بوجود الرئيس ترامب، "رجل الصفقات"، ووجود ممثل خاص له للعراق.
في السياق الانتخابي، يتفق معظم المحللين العراقيين والأجانب على أن نتائج الانتخابات لن تحسم تسمية رئيس مجلس الوزراء المقبل، في أبرز تعبير عن مظاهر التنازع عراقياً بين نموذجين واضحين: من يركب "القطار السريع" الأمريكي، ومحاولة الاتفاق مع الميول الإيرانية في ترتيب أوراق "فيلق القدس" ومحور المقاومة الإسلامية.
في المقابل، هناك هجمات مرتدة أمريكية وإيرانية ضمن تلك المساعي العربية للوساطة في رفع العقوبات (كشرط إيراني للجلوس على طاولة المفاوضات النووية)، ومنها إعادة ترتيب المواقف الإقليمية. هكذا جاءت تصريحات الرئيس ترامب الأخيرة عن هذا الموضوع، لكن المفارقة العراقية أن "القطار السريع" الأمريكي أسس لانطلاقه عبر عقود تشاركية في النفط والغاز، بل حتى الشركات التي تم التعاقد معها لإدارة مطارات العراق هي أمريكية الهوى والميول. وهناك مجموعة من العقود الاستراتيجية المقبلة التي تربط العراق قولاً وفعلاً بمنظومة "البترودولار" حاله حال دول الخليج العربي، ولكن باختلاف واحد؛ هو أن تلك الدول تعرف كيف تلعب مع القطار السريع وتستفيد منه في "نزع" سيادتها عبر الاستثمار في أصول كبريات الشركات الأمريكية أو متعددة الجنسيات تحت الإدارة الأمريكية، فيما ما زالت روافع الاقتصاد العراقي -التي تتجسد في البنوك المحلية- ترزح تحت مخاوف العقوبات الأمريكية أو وقعت تحتها فعلياً.
لذلك، تبحث واشنطن عن "أحمد جلبي" جديد يعقد صفقة العراق من جديد، وهذه المرة وفق النموذج السوري أو الأفغاني، وربما بذات منظور نوري باشا السعيد، وليس تحت سلطة الدبابات الأمريكية؛ وفق ما سبق وأن أشار إليه السيد خامنئي بأن قتال الأمريكيين خارج الأراضي الإيرانية هو الاستراتيجية الناجحة للدفاع السابق والمقبل.
ومثلما تتوفر أكثر من شخصية تسوّق نفسها كنموذج يطمح لـ "شراء" مقعد رئيس الوزراء، سواء بالمنظور الإيراني أو الأمريكي، فربما فات الكثير من المحللين -عراقيين وأجانب- أن أفضل من يعقد الصفقات هو "بائع السجاد الإيراني"، بانتظار ما ستؤول إليه الوساطة العربية. فكيف يمكن أن تكون معالم الصفقة الجديدة ما بعد الانتخابات المقبلة؟
في السياسة ليس ثمة مجال للعاطفة في تحليل المدخلات للوصول إلى مخرجات واقعية موضوعية. وفق هذا التصور، يبدو من الممكن القول:
أولاً: على الرغم من مظاهر التشدد الأمريكي ضد إيران، فإن قرار استهداف نظامها أو "محور المقاومة" ليس من أولويات إدارة ترامب بقدر انطلاق قطار "الشرق الأوسط الجديد"، بكل ما فيه من مكاسب شخصية واقتصادية لأمن إسرائيل وتحولها إلى "الوكيل المطلق" للسياسات الأمريكية وشركاتها متعددة الجنسيات. وتذكرة ركوب هذا القطار تكمن في "الاتفاقات الإبراهيمية"، وما يمكن أن ينتج عن إعادة رسم خارطة أنابيب النفط والغاز لإرواء عطش الطاقة الأوروبي والحد من النفوذ الروسي (ربما حتى توقف خط نورد ستريم)؛ الأمر الذي جعل الرئيس بوتين يستعجل خطوات الردع النووي وإعادة النظر في الاتفاقات النووية.
ثانياً: ما بعد الانتخابات، ستظهر مواقف وتلميحات ثم تصريحات لإعادة تعيين "إعدادات" العملية السياسية والاقتصادية بل وحتى الاجتماعية، لفرز من يبحث عن تذكرة ركوب "القطار السريع" الأمريكي، ومن يستغرق في صخب ضجيج شعارات "محور المقاومة". وأغلب قيادات أحزاب الفصائل المسلحة تعلم أن الوقوف على الطرف المقابل باهظ الأثمان، بل إن الأغلب الأعم من هذه القيادات غرق في "عسل مفاسد المحاصصة" وصفقات وعقود المال السياسي. ولكل منهم مواكب من عشرات السيارات الحديثة، في تكرار لذات نموذج الإقطاع السياسي؛ فلكل منهم "سركال" و"مهاويل" وقنوات فضائية ومنصات تواصل مطلوب الإنفاق عليها، ليس من إنتاج شركاتهم، بل من مفاسد المحاصصة.
ثالثاً: الأكيد أن إيران ستعمل بعقلية "علي لاريجاني" للحفاظ على كل ما يمكن الاحتفاظ به في العراق، الذي يُعتبر عند أصحاب مجرد حديقة خلفية لإيران. وهذا يعني في حساب الغد القريب الموافقة على متغيرات يمكن أن تُبقي شخصيات معينة في سلطة القرار للحكومة الجديدة، وتأجيل ركوبهم قطار "الشرق الأوسط الجديد"، مع خلق ظروف لإغراق هذا المشروع في المستنقع العراقي مرة أخرى.
رابعاً: والأكيد أيضاً أن واشنطن لا تريد الغرق مرة أخرى في مستنقع العراق، بل تبحث عن جني الأرباح. وهذا يمكن أن يتمثل في تكرار تجربة الصحوات أو "أبناء العراق" تحت عنوان "الحرس الوطني" كبديل واقعي لعنوان "الحشد الشعبي". وسيكون هذا العنوان الجديد -أو ما يتطابق معه- بمثابة إعادة هيكلة للقوات المسلحة العراقية، في نموذج أقرب لقوات "البيشمركة"، كشكل تنظيم مسلح رسمي يرتبط بإدارة مشتركة بين المحافظات والقيادة العامة للقوات المسلحة الاتحادية.
مرة أخرى وأخرى يتكرر السؤال: من سيعقد الصفقة؟ وكيف ستكون ردود أفعال أصحاب المصالح العراقية والإقليمية؟
ويبقى القول.. لله في خلقه شؤون.



اضف تعليق