هل لابد من العودة إلى المربع صفر في إعادة صياغة واقعية لقانون الأحزاب، أن يمثل أي حزب أو مرشح لانتخابات مجلس النواب الاتحادي على الأقل 15 محافظة عراقية، وربما من الأهمية أن يحصل على تواقيع على الأقل 15 ألف شخصية من هذه المحافظات قبل الموافقة على طلب المشاركة في انتخابات مجلس النواب الاتحادي...

بين حين وآخر تكثر المناقشات حول الأصول المهاجرة التي سكنت العراق.. ما بين الأصالة في تمثيل سلطة المواطنة عبر آليات دستورية قانونية تبدأ بالمشاركة في الانتخابات.. وحقوق المواطنة في السكن والتعليم والصحة.. وبين بقاء الانتماء للأصل الذي جاءت منه هذه الهجرات البشرية.

معضلة هذه الثنائية أقرب اليوم إلى ثنائية أهل عراق الداخل والخارج ما بعد 2003.. لم تنتهِ هذه الجدلية على الرغم من مرور عقدين ونيف على التغيير. الرابط بين كلا الحالتين.. أن الأقوام عبر التاريخ قطنوا العراق عبر سلسلة معروفة من الحروب ما بعد سقوط الدولة البابلية الثالثة مروراً بكل الغزوات ومتغيرات التاريخ.. حتى تكاثرت الأعراق في بلاد الرافدين، ثم باتت (العراق).

الاختلاف الواضح في تعليل كلا الحالتين ما بين من يوصف بالمواطن أو المهاجر.. عدد سنوات السكن.. اكتساب الجنسية أو الشرعية القانونية.. في التصاهر عبر الزواج وتوسع بطون القبائل والعشائر.. لكن يبقى الأصل في السؤال: هل العرق دساس؟

من التجارب الحديثة.. ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية في جنون العظمة خلال الحرب العالمية الثانية في التعامل مع (مواطنيها) من أصول يابانية! فيما تبدو الدول الأوروبية اليوم تفتقد وفق الرؤية "الترامبية" أصولها الأوروبية لكثرة الأعراق المهاجرة كثيرة الولادات مقابل قلة نسل الأصول الأوروبية.. وبات ليس من المستغرب أن يكون رئيس وزراء بريطانيا -مثلاً- من أصول هندية متمسكاً بالديانة الهندوسية.

الأصل في ذلك أن هذا الهندوسي بريطاني الانتماء والولاء.. وفي ذلك أدلة عمل؛ أي تداخل فيها بين الثابت في المواطنة البريطانية ومتغيرات الديانة الهندوسية تجعل الرأي العام البريطاني لا يتعامل معه، بل تتوقف كل إجراءات السلطة التنظيمية للدولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في التعامل مع أي تصرف يقدم الديانة الهندوسية على المواطنة البريطانية.

ما بعد 2003.. وفي كل مرحلة انتخابات يتمظهر التنافس ليس في البرامج الانتخابية أو تطور الأجندات الحزبية بما يكفل أفضل الممارسات في العدالة والإنصاف لتوزيع الثروة الوطنية ما بين المعيشة الكريمة للمواطن الناخب وبين المصلحة العامة للدولة. 

فانتهت الحالة إلى تكرار نموذج تقديم الهوية الفرعية على الهوية الوطنية لعراق واحد وطن الجميع.. في نظام مفاسد المحاصصة والمكونات.. ومن هذا الهدر للعدالة الاجتماعية.. والفساد السياسي والفشل الاقتصادي.. يفتح أبواب النقاش الحاد في ثنائية أهل الداخل والخارج من جانب.. وتقديم الأصول المهاجرة على الأصل الدستوري القانوني للمواطنة. 

هكذا تتكرر حالات تأزيم المواقف.. تحت عناوين واضحة في الولاء لأجندات إقليمية... سواء أكانت إيرانية أو تركية أو عربية.. فيما الأصل الواضح أن موقع العراق ما بين فكي كماشة هذه الحضارات وتلك الغزوات التي انتهت إلى توطن تلك الأقوام في العراق.. بحاجة إلى ذات النموذج البريطاني في سيادة المواطنة الفاعلة على متغيرات الانتماء العقائدي.. بما يجعل الدولة تتعامل مع تعريف واحد للعدو والصديق في عراق واحد وطن الجميع.

حتى اليوم.. لم تظهر تلك الإجابة المطلوبة.. في أجندات الأحزاب المتصدية للسلطة.. الأكراد يقولون إنهم كُرد أولاً وكذلك التركمان.. والشيعة يميلون لولاية إيران أكثر من الدستور والقوانين العراقية.. والأحزاب السنية تبحث مرة في ولاية مراقب عام الإخوان المسلمين تركي أو قطري.. أو في (الحضن العربي) تلك الآمال المرجوة في السلطة.. ولم تظهر أحزاب "عراق واحد وطن الجميع"!

هل لابد من العودة إلى المربع صفر في إعادة صياغة واقعية لقانون الأحزاب.. أن يمثل أي حزب أو مرشح لانتخابات مجلس النواب الاتحادي على الأقل 15 محافظة عراقية.. وربما من الأهمية أن يحصل على تواقيع على الأقل 15 ألف شخصية من هذه المحافظات قبل الموافقة على طلب المشاركة في انتخابات مجلس النواب الاتحادي.. عندها ستُجبر الأحزاب على إعادة تعيين إعدادات أجنداتها في بناء دولة المواطنة الفاعلة في ثوابت دستورية قانونية.. تلغي ثنائية السؤال عن الأصول أو إذا كان من عراق الداخل أو الخارج، ما دامت كل الاستحقاقات تمر عبر بوصلة عراق واحد وطن الجميع.. ويبقى من القول: لله في خلقه شؤون!

اضف تعليق